فتاوى شرعية

هل أطلب الطلاق بسبب نفوري من زوجي؟

الشيخ محمد مكركب / إمام مسجد القدس (حيدرة)

❊ س: أعاني من مشاكل كثيرة مع زوجي، وذلك بسبب عدم التفاهم فيما بيننا، وخصوصا أنّه كثير الانشغال في عمله الذي يحتّم عليه البقاء لفترات طويلة خارج المنزل. أشعر بالنفور منه بمجرد الاقتراب مني، وأكرهه في بعض الأحيان، فهل هذا سبب كافٍ لحصولي على الطلاق  وخصوصا أنه لم أعد أستحمل أن أستمر في هذا الزواج معه؟
❊❊ ج: أولا :قد يكون من المهم هنا أن نذكّر السائلة بأن لكل مشكلة حلها وعلاجها، وإذا كان الطلاق ــ حقيقة ــ هو حل لمشكلات معقدة في الحياة الزوجية، ولأجل ذلك شرعه اللّه؛ فليس من شك في أن على كل عاقل أن ينظر إليه باعتباره (الكيّ) المؤلم الذي يضطر إليه المريض؛ وعقلاء العرب يقولون: آخر الدواء الكي.
وقبل التفكير في هذا الكي لا بد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة للتوصل إلى صيغة توافقية تقل معها الخلافات، وتكثر بها الموافقات، وحينئذ ــ فقط ــ قد يرتاح الضمير وتهدأ النفس، ويطمئن البال إلى صواب القرار الذي سيتخذه في سبيل العلاج.
وغالب الظن أن الأخت السائلة قد سمعت أو قرأت الكثير من النصائح في هذا الشأن، ولكن ذلك لن يمنعنا من تذكيرها بنصيحة قد تمنحها منظارا آخر تقايس به الأمور، هو منظار الموازنة بين الحسنات والسيئات، وتقدير المساوئ التي تقنع العقل والوجدان بأحقية طلب الانفصال عن رباط الزوجية.
إنّ جلسة حوارية واحدة هادئة كفيلة في كثير من الأحيان بإعادة اللحمة بين أشد المتخاصمين، وكفيلة أيضا أن تشق بداية الطريق نحو التفاهم الكامل، ولكن كثيرا من الناس ــ للأسف ــ لا يدركون ذلك ولا يسعون لتحقيقه، بل سرعان ما يصيبهم اليأس والقنوط بسبب فشل الحوار مرة أو مرتين أو أكثر، مع أن العاقل هو الذي يعتبر إقامة العلاقة الناجحة بالزواج السعيد تحديا يسعى لتجاوزه، وليس إلى تعجيل إعلان فشله، خاصة وأن العلاقات الإنسانية دائما ما تعتريها الاضطرابات والتقلبات، فيكتسي بها القلب حصانة من الأناة والهدوء والخبرة التي تعينه على إنجاح أي علاقة بعد ذلك.
ولا ينبغي أن تكون الأسباب الشرعية عن الزوجين بمعزل، بل يتفقد كل منهما نفسه، ويراقب تقصيره في جنب اللّه عز وجل، فلعل معصية وقع بها عاد عليه شؤمها وأذاها في أهله وبيته، فالمعاصي أساس كل داء، والتوبة والاستغفار أساس كل دواء، واللّه عز وجل أمرنا بتقواه في عشرات المواضع من كتابه الكريم، وعلق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة على تحقيق هذا الأمر العظيم.
غير أنّه إذا استحالت العشرة بين الزوجين، ولم يمكن التفاهم بينهما، ولم يبق مجال للعشرة بالمعروف، وإعطاء كل ذي حق حقه، فليس على الزوجة حرج شرعي في طلب الطلاق. وقد ثبت في السنة النبوية أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الاسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــ "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟"، قَالَتْ : نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــ "اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً" (رواه البخاري).

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024