اللسان وعثراته وكثرة ذنوبه سقوط للإنسان

جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: دلني على عمل يدخلني الجنة فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ «امسك عليك هذا وأشار إلى لسانه» رواه البزّار.
هذا الحديث أصل من أصول الإسلام وهو من جوامع كلمة علمه عليه الصلاة والسلام، وهو يرشد إلى التحذير من خطر اللسان، وفيه تبيان لأهميته ومكانته العظيمة باعتباره سلاحا ذو حدّين.
إن ضبط اللسان أمر مهم جدا وهذا ما أشار إليه الحديث ولقد أمر الله سبحانه في القرآن بالقول الحسن، وعدم مجاوزة الحدّ في القول فقال: {وقل لعبادي يقول التي هي أحسن}.
فاللسان نعمة ونقمة في آن واحد ولهذا على العاقل أن يراعي كلامه، ويزنه ولا يقول إلا خيرا وأن يعلم أنّ الله تعالى أكرمه بهذا اللسان وهو مِنّة من الله عليه فقال سبحانه: {الرحمان علّم القرآن خلق الإنسانَ علّمه البيان} سورة الرحمان. وقال كذلك: {ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين}. سورة البلد.
فهو نعمة من الله إذا استغله الإنسان في طاعة الله وذكره وتسبيحه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس وأن يرطبه بذكر الله تعالى في جميع الحالات والأحوال.
وهو نقمة خطرة إذا أرخى له الزمام وطلق له العنان فإن كثيرا من الذنوب والمعاصي والأخفاقات والانحدارات مردّها اللسان ولذلك قال أحد العارفين: أنّ تسعة أعشار الذنوب عن اللسان وذلك بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قيل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»، رواه مسلم.
ولقد بوّب أبو حامد الغزالي رحمه الله في الاحياء أبواب الذنوب التي سببها اللسان فجعلها عشرة أبواب بعشرين آفة من آفاته.
ولقد تعامل السّلف الصالح مع اللّسان بكل حيطة وحذر خوفا من الوقوع في شباكه فكانوا يحذّرون الناس منه.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يمسك لسانه ويقول:»هذا الذي أوردني المهالك».
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: «والله ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان».
وابن عباس رضي الله كان يخاطب لسانه وهو يقول: «ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وإلاّ فاعلم أنّك ستندم».
وهذا كلّه لأن الكلام يسبب بوار الانسان وتعثره مما يؤدي إلى موته كما قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه    وليس يموت المرء من عثرة الرجل
كما أنه يسبب لغيره جراحات عميقة لا تندمل مهما بذل المرء فيها من جهد من أجل برئها.
جراحات السنان لها التئام    ولا يلتئم ما جرح اللسان

وقد يكون سببا في تتبّع العورات وذكر عيوب الآخرين وهو بذلك ينسى عيوبه وقد يذكر بأسوء ما ذكر به الآخرين وصدق الشاعر حين يقول:
لسانك لا تذكر به عورة امرء   فكلّك عورات وللناس ألسن
كما أن إرخاء الزمام لهذا اللسان يؤدي إلى الأذى وقسوة القلب وذلك يسبب اللغط والهدر والزلل الذي لا فائدة منه مرجوة.
وذكر ابن الجوزي عن عطاء بن رباح قال: «يأيها الناس اتقوا الله في ألسنكتم ولا تتكلّوموا إلاّ بخير أو تلاوة أو بذكر أو بمعروف أو نهى عن منكر فإن أعمالكم تحصى عليكم». وصدق الله العظيم إذ يقول: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، سورة ق.
ولقد روى الإمام الترميذي من حديث ابن عمر مرفوعا:
«لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وأنّ أبعد الناس عن الله القلب القاسي».
ويقول عمر رضي الله عنه من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به.
وعليه، فإن الإنسان العاقل هو الذي يتحكّم في لسانه فلا يذكر به إلا خيرا ويستخدمه في طاعة الله والبعد عن معصيته فهو أساس استقامته أو اعوجاجه ولا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024