سي الطيب الجغلالي

مقاتل شجاع.. شغوف بالمطالعة والسعي للمعرفة

جسد الشهيد في ميدان الشرف إبان ثورة التحرير، العقيد سي طيب الجغلالي واسمه الحقيقي الطيب بوقاسمي، في آن واحد، المقاتل الشجاع والمفكر المتفتح، الشغوف بالمطالعة والسعي الدائم للمعرفة، حسبما صرح به نجله الوحيد محمد.
أكد محمد بمناسبة ذكرى استشهاد والده في ميدان الشرف، أن والده سي الطيب كان يولي أهمية كبيرة لتعليم الأطفال وتربيتهم، فقد كان يشجعه منذ طفولته على التعلم والالتحاق بالمدارس القرآنية، المكان الوحيد للمعرفة المتاح للجزائريين في تلك الحقبة، وكان يعتبر العلم والمعرفة «السبيل الوحيد لمحاربة سياسة التجهيل والاغتراب التي مارسها المحتل الفرنسي».
وبدأ سي الطيب الجغلالي نضاله من أجل الحرية داخل الحركة الوطنية عندما كرس عدة سنوات لتعليم الأطفال القراءة والكتابة من قرى العمارية شرق المدية، مسقط رأسه الأصلي وبن شيكاو وسيدي نعمان.
كما كان سي الطيب الجغلالي يدرك أن الشعب سيتمكن، بالمعرفة، يوما ما من تحرير نفسه من نير الاستعمار، وعلى هذا الأساس كرس نفسه على مدار سنوات لهذه المهمة، في نفس الوقت الذي كان يناضل سياسيا لمكافحة الاستعمار، حسب نجله محمد، الذي اعتمد في أقواله على مارواه له رفقاء الشهيد في الكفاح.
وكان الشهيد، المولود سنة 1916 بمنطقة ولاد تركي، بلدية «شامبلين» سابقا والعمرية حاليا شرق المدية، مولعا بالمطالعة حيث أنشأ مكتبته الخاصة التي كانت تضم عشرات الكتب التي تتناول مواضيع مختلفة قام الجيش الاستعماري بإضرام النار فيها بعد اندلاع الثورة، بحسب المتحدث الذي ذكر  أيضا تدمير الكوخ الذي كان يأوي عائلة سي الطيب مرتين عامي 1956 و1957 عقابا له وأيضا لدفعه إلى الاستسلام للعدو.
ولم يتوقف انتقام المحتل عند هذه المرحلة، بل قام بنهب قطعة أرض كانت ملك لعائلة سي الطيب وإحراق حيواناتهم الأليفة ومحاصيلهم ليجد الابن محمد الذي كان يبلغ فقط ست سنوات، نفسه وحيدا مع والدته وأخته الصغيرة سعدية التي لم يكن سنها يتجاوز بضعة أسابيع.
واستمر إصرار العدو الفرنسي لضرب أسرة المجاهد آنذاك ليصل ذروته، بحسب شهادة محمد بوقاسمي الذي قال إنه حضر اعتقال والدته التي تم احتجازها بعد ذلك في مركز تابلاط شمال شرق المدية.
وبعد فترة قصيرة، توفيت شقيقته الصغيرة سعدية نتيجة عدم إرضاعها لتكون بذلك أول شهيد لعائلة العقيد سي الطيب، علما أن في نهاية الثورة، بلغ عدد شهداء عائلة بوقاسمي الكبيرة خمسة عشر شهيدا.

مسار المحارب الباسل والجريء

تحدى سي الطيب الذي كان معارضا شرسا للوجود الاستعماري، السلطات العسكرية بكل جرأة برفضه الاندماج القسري في القوات الاستعمارية التي كان من المقرر إرسالها إلى الجبهة الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث اختفى لتفادي التجند في هذه القوات، معتبرا أن «القضية التي يدافع عنها ليست له وأن تحرير البلاد أولوية» بحسب نجله.
وبمناسبة انتخابات المجلس الجزائري في أبريل من عام 1948، قام سي الطيب بعدة أعمال تخريبية لتعطيل سير هذا الاقتراع وأظهر استعداده لإجهاض محاولة دمج الجزائر مع فرنسا وتحسيس الشعب الجزائري بمغزى انشاء مجلس جزائري مشكل من نواب جزائريين وفرنسيين في آن واحد.
وبعد أن كان محل بحث من قبل السلطات الاستعمارية، اتخذ سي الطيب كمأوى له جبال العمارية خلال مدة قاربت أربع سنوات، متنقلا من مخبأ إلى آخر إلى غاية اعتقاله سنة 1952. وبعد أن قضى عقوبته في السجن، تم إطلاق سراحه وفي السنة الموالية أعيد سجنه، بحسبما نقله ابنه.
في الفترة التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية، كانت اتصالات الشهيد مع الشهيدين سويداني بوجمعة ومراد ديدوش متواصلة ومنتظمة، حسب محمد بوقاسمي الذي تطرق إلى دور المسمى زوبير الذي استقر بالبلدية المجاورة البرواقية كعون اتصال بين هاذين القائدين القادمين من الجزائر وسي الطيب ومشاركته في التحضيرات للكفاح المسلح في المنطقة 2 بالولاية التاريخية الرابعة.
وباعتباره مناضلا في الحركة الوطنية منذ 1937، كان الشهيد مسؤولا على تنظيم الخليات السياسية المحلية كلفه قادة الثورة قبيل اندلاع الثورة، بجمع الأموال والأسلحة وتجنيد الشباب المقاتلين وتأطير السكان.
وبمساعدة المناضلين القدماء الناشطين لصالح القضية الوطنية، من بينهم سي بن يوسف كريتلي ورشيد بن سيد أمو، بدأ سي الطيب في تنظيم الكفاح بحبال المنطقة تحضيرا للمهام المرتقبة، بحسب ابنه.
واستنادا إلى شهادة مجاهدين سابقين ورفاق الشهيد، أفاد محمد بوقاسمي ان عناصر حزب الشعب الجزائري (حزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية) واعضاء سابقين في المنظمة السرية شكلوا النواة الصلبة قصد تنفيذ عمليات عسكرية، ابتداء من جبال العمارية وتابلاط والعيساوية. وبحسب الأرشيف المحلي، كلف سي الطيب الشهيد رابح سعودي الملقب «الجباس»، بمهمة التجنيد ونجح في استقطاب مجندين جدد وبالتالي تعزيز صفوف جيش التحرير الوطني.
ابتداء من فيفري 1956، أُرسل مجندون شباب إلى مخيمات التدريب بجبال «زبربر» (البويرة) لإدماجهم فور انتهاء تدريبهم، في وحدات جبل زكار وموزاية والونشريس وفي مناطق كفاح أخرى، بحسب ما جاء في الأرشيف.
وأفاد أيضا بظهور مجموعة اخرى بتابلاط تحت قيادة القائد سي لخضر (رابح مقراني)، الذي سقط في ميدان الشرف، بتاريخ 5 ماي 1958 بجبل بولقرون، بلدية جواب شرق المدية، وأخرى في البرواقية تحت قيادة الشهيد إبراهيم العيد، في حين المجموعة الثالثة كانت تنشط ابتداء من سنة 1956 ببلدية عين بوسيف تحت قيادة الشهيد محمد الكرارشي.
وقضى سي الطيب ثلاث سنوات في قيادة المنطقة 2 بالولاية التاريخية 4، وهي الفترة التي ألحقت فرقه خسائر فادحة ضد المحتل.
وتم ترقية سي الطيب إلى رتبة عقيد خلفا للعقيد سي الحواس، قائد الولاية التاريخية السادسة، بعد استشهاده في مارس 1959، ليصبح بذلك القائد الجديد لنفس الولاية التاريخية.
استشهد سي الطيب الجغلالي وأربعة عشر من رفاقه في السلاح لتطوى صفحة منيرة لمسار حافل بتضحيات وانتصارات عسكرية تبقى راسخة في الذاكرة الجماعية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024