شهادات مجاهدي سكيكدة حول هجومات الشمال القسنطيني

مؤتمر «الزمان» امتد من جويلية إلى بداية أوت 1955

سكيكدة: خالد العيفة

بداية التحضير للهجمات كانت بمنطقة فلفلة

اتفقت شهادات مجاهدين شاركوا في هجومات 20 أوت 1955 بسكيكدة، والذين حضروا الندوة التي عقدت بالمتحف الجهوي علي كافي بمدينة سكيكدة، أن الهدف الرئيسي منها، كان فك الحصار على المنطقة الأولى التي كانت تعاني تكالب قوات العدو، للقضاء على الثورة في عامها الأول، مع العمل على مشاركة أبناء الجزائريين في الثورة إلى جنب المجاهدين، لدحض ونسف المقولة التي يتغنى بها العدو الفرنسي، في أن المجاهدين ما هم إلا قطّاع الطرق وخارجين عن القانون.

يوضح المجاهد يوسف عوج في شهادته لـ»الشعب»، أن بداية التحضير للهجمات بمنطقة فلفلة، كان بتكوين فريقين أحدهما يتوجه للعالية «الفيلاج»، أين يقطن المستوطنون الأوروبيون، والفريق الآخر يتوجه نحو منجم الرخام، وهي وجهة محدثنا، الذي كان في ذلك الوقت ضمن فئة أبناء الشعب التي شاركت المجاهدين هذه العمليات، وذلك بقيادة إبراهيم عياشي «الفلفلي». ويشير عوج إلى أن، عدد المجاهدين في تلك الفترة لم يكن معتبرا، لهذا جمع العشرات من أبناء الجزائريين للمشاركة مع المجاهدين وتنفيذ الهجومات المباركة.
ويضيف المجاهد أن، الساعة المتفق عليها كانت في حدود منتصف النهار، والمسؤول على الفريق المتوجه لمنجم الرخام، هو المجاهد وشاوي إبراهيم. ويقول: «عند منطقة عين الزرقة صلينا ركعتين، انقسمنا إلى فوجين، فوج توجه إلى المكان الذي يقطن فيه المستوطنون، والفوج الثاني توجه لورشة منجم الرخام، ولم نكن مسلحين نحمل فقط أسلحة بيضاء من خناجر و»شواقر»، ومع هذا هرب منا المستوطنون الذين كانوا مسلحين بمختلف الأسلحة».
ويشير إلى استشهاد المجاهدان طالبي علي، ووشاوي إبراهيم، شهداء الهجومات غير المتكافئة، وقدمت طائرة «حوامة» لتتفقد الأوضاع بالمنجم والعالية، قتلت 37 مواطنا من نساء وأطفال أثناء محاولة هروبهم من المنطقة.

الهجومات جاءت لنسف مقولة «الخارجين عن القانون»

يؤكد المجاهد صالح بن عيش المدعو عمار، من بلدية هواري بومدين بولاية قالمة، أن تنظيم هذه الهجومات من قبل الشهيد البطل زيغود يوسف المدعو» سي احمد»، كان بسبب وصف فرنسا المجاهدين بالفلاقة، والخارجين عن القانون.
ويوضح بن عيش أن زيغود، قرر أن تكون انتفاضة شعبية بإشراك أبناء الشعب في الثورة التحريرية، إلى جنب إخوانهم من المجاهدين، بجمع الأسلحة في أول الأمر، وتنظيم لقاءات تحضيرا لساعة الصفر، وكان آخر لقاء بالمكان المسمى الزمان في منتصف الليل، ومن ثم تقسيم المهام، وكانت الساعة الثانية عشر زوالا هي بداية الهجومات.
ويشير محدثنا، إلى أن الشهيد بشير شيحاني أرسل لسي أحمد أي زيغود يخبره بوضعية الولاية الثانية، والحصار الذي ضرب عليها من قوات العدو، وطلب منه فكرة ومبادرة لفك هذا الحصار، وفي نفس الوقت كان مؤتمر «باندونغ» على الأبواب، لإيصال صدى الثورة ومطالب الجزائريين في الاستقلال والحرية.
ويبرز المجاهد أن انتفاضة 20 أوت 1955، أظهرت لفرنسا أن الجزائريين كلهم متضامنين مع المجاهدين، بل انه محتضن الثورة، حيث تمكنت هذه الهجومات على المراكز العسكرية للاستعمار الفرنسي، من تسجيل صدى الثورة ومطالب الجزائريين في استرجاع السيادة الوطنية والحرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الجزائريون شاركوا بقوّة في هجومات 20 أوت

ويروي المجاهد علاوة علقمي، المكلف بالهجوم على مطار سكيكدة، في شهادته بأن الجزائريين شاركوا بقوة في انتفاضة 20 أوت1955، لأن عدد المجاهدين في بداية الثورة، كان قليلا. ويضيف:» التحضيرات للهجومات في سكيكدة، والتي خطط لها البطل الشهيد الرمز زيغود يوسف، تميزت بالدقة والسرية التامة».
ويشير محدثنا أنه حين استدعي زيغود لحضور الاجتماع بالمكان المسمى الزمان لم يتطرق إلى مسألة هجومات 20 أوت، بل كان الأمر يدور حول عملية تحضير بعض الأدوات كعلب من حديد فارغة وزجاجات فارغة، وقطع من حديد صغيرة، وأنواع من المطاط والعمل على تخزين كميات كبيرة من البنزين وإحضار وسائل التلحيم، والمناشير دون توضيح الهدف من ذلك.
وقد كلف المجاهد علقمي آنذاك رفقة 16 مجاهدين آخرين بالهجوم على المطار الذي كان يضم أماكن إقامة الفرق الخاصة في الجيش الفرنسي، وكان الشهيد البطل زيغود يوسف في أول لقاء معه بعد يومين لتقييم مدى نجاح العمليات صريحا وحازما. يقول علقمي: «طلب زيغود من كل من هو ليس قادرا على البقاء في صفوف جيش التحرير بأن يسلم السلاح». ويروي المجاهد علقمي، بأن ساعة الهجوم على المطار والتي كانت محددة في منتصف النهار صاحبت هبوط عدد معتبر من الطائرات المدنية.
ويضيف أنه، طلب من أحد زملائه الذي كان يحمل قنبلة كبيرة تقليدية الصنع بعدم رميها في النادي، الذي كانت تتجمع فيه أعددا كبيرة من النساء والأطفال لتناول وجباتهم.

المجاهد بوراوي: كُلفنا بمهمة الهجوم على محكمة الحروش

تؤكد شهادة المجاهد عبد الله بوراوي، المشارك في الندوة التي نظمت بالمتحف الجهوي، أن انتفاضة 20 أوت1955، حققت أهدافها التي كان يصبو إليها البطل الشهيد زيغود يوسف، من فك الحصار على الولاية الأولى، والتعريف بالقضية الجزائرية بالجمعية العامة للأمم المتحدة. ويصف المجاهد بوراوي هجومات 20 أوت 1955 برمز الدولة الجزائرية، علما أنه التحق بصفوف جيش التحرير الوطني بسكيكدة وعمره لم يتجاوز الـ17، جنده الشهيد زيغود يوسف.
ويوضح بوراوي أنه التقى سي احمد(زيغود) بمنطقة «الزمان» ببوشطاطة، انخرط في الجيش مع المجاهد الدراجي العايب، وبناء على تعليمات زيغود يوسف قام بالتحضير لعقد مؤتمر حول الهجومات لضمان نجاحها وانتشارها، عبر جمع الأسلحة والمؤونة وتنظيم المجاهدين وتشجيع المواطنين على الانخراط في هذا المسعى.
وتؤكد شهادة محدثنا أن مؤتمر الزمان امتد من نهاية جويلية إلى بداية أوت حضره إلى جانب زيغود يوسف كل من المجاهدين عمار بن عودة، عبد الله بن طوبال، على كافي، صوت العرب بوبنيدر، البشير بوقادوم، عمار شطايبي، مسعود بوعلي، مسعود بوجريو وتلقوا خلاله تعليمات بتكثيف الهجمات، وجعلها دقيقة مركزة ترعب العدو.
ويقول بوراوي، ان المجاهدين وزعوا إلى أفواج يضم كل فوج حوالي 10 إلى 15 مجاهد، حيث اتجه عمار بن عودة إلى عنابة ومسعود بوجريو إلى قسنطينة وجيجل كلف بها بوعلي مسعود وجهة القل يمثلها عمار شطايبي والدراجي العايب بمنطقة الحروش.
ويضيف بوراوي: «لقد تزامنت فترة التحاقي بصفوف جيش التحرير الوطني مع مرحلة التخطيط والتحضير لهجومات 20 أوت، فأدرجت ضمن منفذي الخطط المبرمجة للهجومات بقيادة المسؤول العايب الدراجي رفقة كل من المجاهد احميدة قديد، وآخر يدعى السي المكي، كلفنا بمهمة الهجوم على محكمة الحروش لإتلاف ملفات المساجين، والمحكوم عليهم من الجزائريين».
وبالنظر لخطورة وصعوبة المهمة، يقول المجاهد بوراوي، تعذر على سي المكي الوصول إلى الهدف إلا أنه استطاع رفقة احميدة قديد التسلل إلى المحكمة في منتصف النهار، وبقيا في الداخل، ولم يستطيعا الخروج منها بحكم ما كانت تشهده الشوارع من حالة طوارئ قصوى بسبب ما عرفته سكيكدة والمناطق المجاورة لها من هجومات، وعمليات فدائية إلى غاية الرابعة مساء.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024