سكرتيرة عبان رمضان الخاصة

نسيمـة حبــلال.. حيـاةُ نضـال

سهام بوعموشة

نسيمة حبلال من الشابات الفاعلات في الثورة، انخرطت في ميدان النضال السياسي في1947 مع حزب الشعب الجزائري وعمرها لم يتجاوز الـ 16 سنة. كانت في استقبال عبان رمضان بعد خروجه من السجن مع امحمد يزيد، ثم أصبحت السكرتيرة الشخصية لعبان رمضان، وسكرتيرة لجنة التنسيق والتنفيذ بعد مؤتمر الصومام، كانت أول من عمل على إصدار أول عدد من جريدة المجاهد ورقنها بتوجيهات من عبان، والذراع الأيمن له.

ولدت المجاهدة المدعوة خالتي ميمي سنة 1928، ببلدية قرومة بضواحي الأخضرية، كانت تحب الضحك والنكت كثيرا، تتقمص هذه الشخصية لتتخطى أوجاع الواقع الاستعماري المرير.
تعرفت حبلال على المناضل عبان رمضان عندما كانت مكلفة بتمثيل الشباب الجزائري في مهرجان عالمي في بوخاريست برومانيا، وبينما هي جالسة في مطعم رفقة أحد الأصدقاء جاءها محمد سحنون الذي قام بتعريفها على عمارة رشيد الذي كان طالبا عمره 19 سنة، ما يزال يزاول دراسته الذي اخبر نسيمة بأنه سيأتي إليها شخص لكي تستقبله في بيتها عندما تعود للجزائر.
وبعد عودتها جاءها الضيف الذي هو عبان رمضان، فكان أول لقاء بينهما في بيتها الشخصي، بدأت العمل كسكرتيرة شخصية له عام 1955، كانت تغطي النشاطات المتعددة والمشاركة في الاجتماعات في مخابئ التخزين المؤقت وتقوم بأخذ النصوص والكتابة، والرسم وإعداد الوثائق.
وتعد حبلال من المناضلات الذين كان لهم دور في الإتحاد العام للعمال الجزائريين، بعدما سجنت وحقق معها لمدة ثلاثة أيام في مقر الشرطة.
لكنهم لم يفلحوا في انتزاع أية معلومات منها، ليتم سجنها بالحراش أين قضت سنة كاملة.
وبعد إطلاق سراحها طلب منها عبان العودة للعمل في مكتب الحاكم العام بالجزائر من أجل دعم الثورة، لكنها رفضت وأرسلت للنشاط في الإتحاد العام للعمال الجزائريين.
عينت في الأمانة الإدارية للاتحاد، وكانت تعتبر شخصا أساسيا فيه، تعمل كسكرتيرة تقوم بالكتابة والطباعة والإخراج وفي الوقت نفسه تنظم مركز النقابات العمالية.
شاركت في لجنة الاضراب عام 1957، وكانت تتواصل مع القيادة السياسية لجبهة التحرير الوطني العربي بن مهيدي، عبان رمضان.
أعتقلت مرتين وتعرضت للتعذيب في مقر القبعات الزرق.
وفي السجون التي تداولت عليها إلتقت بعمارة رشيد وعبان رمضان، وجميلة بوحيرد وغيرهم من المجاهدين.
كانت قريبة من القيادة الثورية عبر تولي إصدار جريدة المجاهد، والنشاط في الإتحاد العام للعمال الجزائريين.
استطاعت أن تكون من بين المجاهدات اللواتي اتصلن بجبهة التحرير الوطني منذ انطلاق الثورة.
وتعرفت على شخصيات وطنية أخرى كان لها دور فاعل في الحركة الوطنية الجزائرية، على رأسها مصالي الحاج.
تروي نسيمة حبلال بدايتها الأولى في النضال، في شهادة لجريدة الوطن عام 2005 بالقول: «في البداية كان أحد أقربائي من الأغواط هو الذي وجهني إلى النضال، وهو الذي أكسبني وعيا بالوضعية التي نعيشها».
وتضيف: « كان المجال الطلابي وسيلة مباشرة للانضمام إلى العمل السياسي مع حزب الشعب، احتكت بطلبة من سنها وكان بعض الطلبة من أصول تونسية».
أوّل خلية نضال بالقصبة
كانت أول خلية ناضلت فيها في القصبة، أين كانت تتواجد فيها فطيمة بن عصمان، مامية شنتوف، وفريق من الفتيات يقمن بجمع المال للحزب من العائلات الميسورة، إلى جانب بيع أعداد جريدة الحزب والتوعية السياسية في الوسط النسوي.
كانت زميلة مقربة من مامية شنتوف في النضال، إضافة إلى نشاطها مع نفيسة حمود التي كانت جزءا من أول نواة لطلاب الطب في 1944، المشكلة لرابطة الطلاب المسلمين في شمال إفريقيا، فتحت وعيها السياسي بالمشاركة في المظاهرات السياسية في الجزائر العاصمة.
إلى جانب كونها عضوا في الخلايا السرية لحزب الشعب الجزائري، نشطت في الجزائر Saint Eugène في القصبة خلال تجمعات النساء بنشر أفكار تشجع على مكافحة الإستعمار وتحرر النساء، اتصلت بالإتحاد الدولي للنساء للإحتفال بيوم 8 مارس للمرة الأولى في الجزائر.
انضمت إلى صفوف جبهة التحرير الوطني في 1954، وأصبحت الضابط القائد لجيش التحرير الوطني، وكانت تمارس نشاطها كطبيبة، وتعرفت على جميلة بوحيرد، كانت لها علاقة مع عمارة رشيد.
نشطت ضمن فريق صغير من الفتيات الصغيرات ذات التوجه المسيحي اليساري، وكانت على علاقة وطيدة بهن.
برزت كناشطة في جمعية النساء المسلمات في الجزائر، بواسطة حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية في 1950.
عملت إلى جانب النقابيين الشباب سواء كانوا قوميين وطنيين أم شيوعيين أو متعاطفين، وشاركت في مهرجان الشباب الذي نظمه اتحاد الشباب الديمقراطي في براغ في 1953، لدعم أبناء المستعمرات.
اعتقلت مرات عديدة بسبب نشاطها، لكن علاقاتها الطيبة ببعض الفرنسيين المساندين للقضية الجزائرية جعلها تخرج من السجن دون قضاء مدة طويلة فيه.
أعتقلت أول مرة في أفريل 1955 بسبب وجود عنوان المناضل عمارة رشيد بحوزتها أثناء توقيفها من طرف الشرطة الفرنسية، غير أنه أفرج عنها، لأنه حينها لم يعتبر دليلا واضحا لإدانتها.
وأوقفت مرة أخرى في 21 فيفري بعد معركة الجزائر وإضراب الثمانية أيام1957، ونقلت إلى سجون كثيرة منها ثكنة حسين داي، الأبيار، فيلا سوسيني، سركاجي، الحراش، وغيرها من مراكز التعذيب الفرنسية.
تعرضت للتعذيب بشتى الطرق في هذه السجون من طرف مظلي الجنرال ماسو، وتروي المجاهدة سليمة حفاف لقائها بنسيمة حبلال في السجن في مقال نشر سنة 2013 بجريدة Le quotidien Algérie.
تقول: «كنت نائمة في الممر عندما طلب مني السجان مساعدته في وضع الأحذية، وعندما دخلت الزنزانة رأيتها في حالة يرثى لها ومنهكة من التعذيب، فتظاهرنا بعدم معرفتنا بعضنا البعض».
وتضيف: «ساعدتها على ارتداء حذائها وكان جسمها مليئا بكل أنواع التعذيب، لم أرها مرة أخرى حتى الإستقلال».
اعتقال وتعذيب
وروت حبلال حيثيات تعذيبها في شهادة نشرت في يومية الوطن عام2005 بالقول: «بعد إعتقالي وإعتقال سي العربي ثم اغتياله، مكثت في مراكز التعذيب في أفريل، أولا مركز ثكنة القبعات الزرق في حسين داي، من هنا بدأت المحنة، كنت من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة السادسة أتدلى برأسي للأسفل، ورجلي للأعلى وأتعرض للكهرباء والأسلاك الكهربائية ودلاء الماء».
وتضيف: « كانت ذراعي مشلولة، وعضلاتي متصلبة ومنتفخة كانت مرعبة، وذلك الألم الشديد الذي أصاب ظهري، واستمرت جلسة التعذيب لساعات طويلة حوالي ست ساعات لتبدأ العملية الثانية من أجل الاستجواب».
وتقول أيضا: «هكذا يتم التعذيب في السجون الإستعمارية، إيذاء الجسد وإتعاب النفسية حتى يتمنى المجاهد الموت لتأتي المرحلة الثانية التي تتيح الاعتراف في إطار الإستجواب، بدأوا في استجوابي لكني خدعتهم، كنت أروي قصصا مختلطة، لكن لم أذكر عبان إطلاقا تحدثت عن عمارة رشيد الذي استشهد منذ أشهر».
وتشير أن السجون الفرنسية لم تعتقل المجاهدات الجزائريات فقط، بل حتى المناضلات الأوروبيات صديقات الثورة الجزائرية.
نقلت إلى سجن آخر يقع في مزرعة البرتقال، أين بقيت ليلتين أو ثلاث لتنقل مرة أخرى للأبيار، أين يتواجد العربي بن مهيدي. وتروي :« إلتقيت بشقيق محيي الدين حيدر هو أسمر، وهو شرطي أعتقل…الغريب أنهم لم يسألوني عن عبان، بدلا من ذلك سألوني عن بن خذة وأين رأيته آخر مرة…لقد ضايقوني: أنت لا تعرفين شخصا هو بن مهيدي مسؤول التبرعات؟».
بقيت في سجن الأبيار يومين أو ثلاثة لتحول مرة أخرى إلى فيلا سيزيني، وتتذكر نسيمة حبلال هذا المبنى الشاهق جيدا منذ صغرها، وعند وصولها. تقول: «عندما نزعت العصابة عن عيني اكتشفت الجلاد اسمه فيلد ماير، جلاد المركز المناوب عذبني في حوض الاستحمام، والكهرباء ووضعني في غرفة معزولة لم أكن أعرف أين أنا».
وتضيف: «وأثناء تحويلي بين السجون، إلتقيت بمجاهدات هن سليمة حفاف، ونيللي فورجي وهي فرنسية يسارية كانت مناضلة في صفوف الثورة، إلى جانب فطيمة بن عصمان».
ساعدتها جيرمن تيلون في الخروج من السجن بفرنسا، وتمكنت بعدها من الاتصال بعبد الرحمان فارس، والذي بدوره ساعدها في التنقل إلى تونس لتدخل إلى الجزائر.
وبعد محاولات عديدة مع المناضل محمد يزيد أرسلت إلى بومرداس، أين بقيت فيها إلى غاية 1962.
وأصدرت المخرجة الجزائرية نسيمة قسوم عام 2014 فيلم تاريخي بعنوان: «10949 امرأة»، يروي نضال نسيمة حبلال ودورها أثناء الثورة.
كان بيتها ملجأ للمجاهدين ومكان تخطيط لمستقبل الثورة، وفي شهادة لزهير إحدادن حول نشاط عمارة رشيد يذكر بأن منزل نسيمة حبلال كان مركزا لنشاط المناضلين.
ويقول إحدادن: «استمر الاتصال مع الطلبة إلى غاية عطلة الربيع في أفريل، يومها قال لي عمارة لقد تقرر إجراء لقاء مع مسؤول كبير في تاريخ معين لا أتذكره حدد مكان اللقاء في حديقة التجارب بالعناصر، كنت رفقة لمين خان، اتبعنا عمارة الذي قادنا إلى منزل (عرفت فيما بعد أنه للسيدة حبلال)، هنا وجدنا أنفسنا أمام المسؤول الذي كان جالسا عرفت فيما بعد انه عبان رمضان».
كان لحبلال خلفية تاريخية في إصدار مناشير حزب الشعب، والعمل الصحفي الثوري لم يكن غريبا عنها.
اشتغلت بالعمل الدعائي، واعتنت بالمنشورات التي كانت تطبعها في المنزل، وكانت كذلك عند الأوروبيين الذين دعموا جبهة التحرير الوطني، وحتى في مراكز الآباء البيض بالقرب من سيدي عبد الرحمان.
إلى جانب نشاطها في إصدار جريدة النقابة العمالية التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهي العامل الجزائري»، بحسب تصريحها لجريدة الوطن في 2005.
الأعداد الأولى من المجاهد بالفرنسية
وتصرح في شهادة قدمتها حول جريدة المجاهد أنها أول من اشتغل على إصدار الأعداد الأولى من جريدة المجاهد باللغة الفرنسية. وتقول:« أنا من أشرفت على إصدار هذه الأعداد التي جاءت في أكثر من 70 صفحة بمساعدة المجاهدة عزة بوزكري زوجة عبان، أما عن مادتها فقد كنا نقوم بجمعها من المناضلين وبرقنها وتوضيبها رفقة حمود هاشم المعروف باسم السي حسين».
وكانت الجريدة تعد بصفة سرية عند أحد المناضلين في «رويسو»، والذي كان يملك مصنعا لتحميص القهوة، منحهم هذا المناضل الطابق العلوي من أجل إصدار جريدة «المجاهد».
وكانت حبلال تقوم برقنها وسي حمود هاشم يطبعها، و تتلقى التعليمات والتوجيهات من عبان رمضان وامحمد يزيد. اشتغلت في طبع وإخراج الوثائق إلى غاية توقيفها في 1955.
أول مديرة لمركز تكوين مهني بعد الاستقلال
عينت أول مديرة لمركز التكوين المهني في بئر خادم بعد الاستقلال، غير أنها بقيت من النساء اللواتي عشن في الظل، وظلت على هامش التاريخ، لهذا بقيت المادة التاريخية حول جهادها قليلة جدا، وتوفيت عام 2013.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024