17 أكتوبر 1961.. جريمـة تأبى النسيان

يـوم احمـرّت ميـاه الســين بدمــاء الجزائريـين..

سهام بوعموشة

ساهم العمال الجزائريون في المهجر، خاصة في فرنسا، بدعم الثورة معنويا وماديا، فكانت 80٪ من ميزانية الحكومة المؤقتة تأتي من اشتراكات العمال الجزائريين بفرنسا.تحل علينا الذكرى 61 لمجازر 17 أكتوبر 1961، لنستذكر فيها تضحيات الجزائريين بالمهجر واستشهادهم غرقا وبالرصاص في نهر السين، الذي يشهد على هذه الجريمة التي تأبى النسيان.
في 6 أكتوبر 1961 نشر محافظ شرطة باريس المجرم موريس بابون بيانا، يعلن فيه حظر التجول ضد الجزائريين أو ما يسمى آنذاك بالفرنسيين المسلمين الجزائريين، ما بين الساعة الثامنة والنصف ليلا والخامسة والنصف صباحا.
وكان الهدف هو الوقوف ضد فدائيي جبهة التحرير الوطني، وإضعاف وتكسير الاتحادية وقطع الصلة بينها وبين المهاجرين.
ولتسهيل تطبيق هذا القانون، ألزمت العمال الجزائريين بعدم التنقل ليلا بدءاً من الساعة الثامنة والنصف ليلا إلى الخامسة والنصف صباحا، وعلى الذين يعملون في هذه الساعات التوجه إلى الأحياء التي يقطنونها للحصول على ترخيص يسمح لهم بالتنقل استثنائيا وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن التنقل جماعيا ممنوع.
وردا على هذه الإجراءات العنصرية التي تمس الجزائريين فقط، دعت جبهة التحرير الوطني إلى تنظيم مسيرة سلمية يوم 17 أكتوبر على الساعة الثامنة والنصف مساء.
استجاب المهاجرون الجزائريون وأغلبيتهم من العمال، لنداء جبهة التحرير الوطني وخرجوا في مظاهرات سلمية تنديدا بهذا القرار التعسفي العنصري.
فكان ردّ الشرطة الفرنسية هو القمع والاعتقالات والقتل الجماعي، لتتحول تلك المظاهرات إلى برك من الدماء وإلى جثث تسبح في نهر السين.
وقيل إن مياهه تحولت إلى اللون الأحمر بفعل دماء الضحايا.
خرج في هذا اليوم ما بين 30 و40 ألف متظاهر إلى شوارع باريس، غير أن الشرطة الفرنسية أطلقت النار على المتظاهرين بطريقة وحشية.
ففي هذه الليلة قتل المئات من الجزائريين وعذبوا ورمي بالبعض الآخر في النهر وكانت حصيلة هذه المظاهرات، بحسب الاتحادية، 200 قتيل، 400 مفقود وأكثر من 11.538 معتقل، رحّل الكثير منهم إلى المحتشدات في الجزائر.
يقول الكاتبان هيرفي هامون وباتريك وتمان في كتابيهما “حملة الحقائب”، نقلا عن أحد مفتشي الشرطة بباريس، أن هناك 140 قتيلا من الجزائريين، في حين تتحدث مصادر جبهة التحرير الوطني عن استشهاد حوالي 300 شهيد، جلهم أغرقوا في نهر السين و400 مفقود بعضهم ابتلعتهم أمواج النهر وبعضهم ظل يطفو فوق نهر السين لأيام.
واكتشف بعض الموتى في غابتي بولونيا وفانسان، وعدد غير معروف من هؤلاء تخلصوا منهم برميهم من الجو بواسطة الطائرات فابتلعهم البحر.
وقد نشر أن هناك جثث لجزائريين قتلوا في هذا التاريخ ودفنوا في بعض حدائق البيوت، فضحتهم مجلة الأزمنة الحديثة في عدد نوفمبر 1961، فصودرت المجلة وعوقب جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي.


300 مثقف فرنسي أدانوا الجريمة
استنكرت هذه المجازر أوساط فرنسية، فأصدر حوالي 300 مثقف بيانا موقعا، يدينون فيه بشدة الجرائم البربرية التي ارتكبتها جمهورية ديغول الخامسة ورجاله ميشال دوبري وروجر فري وموريس بابون وكان في مقدمة الموقعين على البيان الصادر مباشرة بعد المجازر، جان بول سارتر ورفيق دربه سيمون دوبوفوار.
جاء فيه: “عبر الجزائريون بكل كرامة وشجاعة عن مواقفهم خلال مظاهرة نظموها في 17 أكتوبر 1961، وذلك احتجاجا ضد أعمال القمع المتزايد والمسلط عليهم من طرف قوى الأمن الفرنسية، ووقف هؤلاء بكل شجاعة احتجاجا ضد النظام العنصري الذي فرض عليهم حظر التجوال ليلا من الساعة الثامنة والنصف ليلا إلى الخامسة والنصف صباحا، وكان رد البوليس الفرنسي على هذه المظاهرة قاسيا وعنيفا. ها هم الجزائريون يموتون من جديد، لأنهم فقط يريدون العيش أحرارا”.
ويضيف البيان: “إن ما جرى في باريس، ليلة الثلاثاء 17 أكتوبر 1961، يذكرنا بالأيام السوداء خلال الاحتلال النازي لفرنسا... وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد شاهدنا بالأمس القريب العديد من الجزائريين وجثثهم مكدسة على أرصفة شوارع باريس، كما رأيناهم في قصر الرياضات... ومن أجل وضع حد لهذا الوضع المؤلم وهذه الفضائح والمآسي التي تكررت على مسامعنا وأمام أعيننا، فإنه ليس كافيا علينا الاقتصار على احتجاجات معنوية، بل علينا دعوة جميع الأحزاب والهيئات النقابية والمنظمات الديمقراطية، ليس فقط من أجل الإلحاح على الإلغاء الفوري للإجراءات غير المشرفة والعنصرية المتخذة ضد الجزائريين والمتعلقة بفرض حظر التجول عليهم، بل يجب علينا أن نبدي تضامننا مع العمال المهاجرين الجزائريين بصورة فعالة”.
تذكر المصادر الفرنسية، أن هناك بعضا من أفراد الشرطة يتعاملون مع الجزائريين بناء على التعليمات التي أعطاها لهم المجرم موريس بابون، الذي قال لهم ذات يوم في خطاب رسمي: “سووا مشاكلكم بأنفسكم مع الجزائريين، ومهما حدث فإنكم بمنأى عن العقاب ونضمن لكم الغطاء القانوني”.
ونشرت جريدة “فرانس سوار France soir” في 27 أكتوبر 1961، تحقيقا للصحفي جان لوي كانسان، نقلا عن شاهد عيان، أنه شاهد على الساعة الحادية عشرة ليلا وقريبا من جسر شاتو pont du château أكثر من 30 جزائريا جمعوا في هذا المكان ورمتهم الشرطة في نهر السين، وأكثر من 15 فردا غرقوا والبقية حاولوا النجاة من الغرق، لكن رجال الشرطة أطلقوا عليهم النار حتى غرقوا جميعا.
و2800 جزائري سيقوا إلى ملعب كوبيرتان، 350 اعتقلوا في مركز الشرطة في أوبيرا و259 في محافظة الشرطة في الدائرة 3 من باريس، و1529 اعتقلوا في مراكز الشرطة الأخرى، وإهمال في معالجة الجرحى.
وتؤكد المصادر الرسمية، بأنه عثر على 88 جثة في الفترة ما بين 17 أكتوبر و31 ديسمبر 1961، وصادرت السلطات الفرنسية مقالات وكتبا حول هذه الجريمة، كما صادرت مجموعة من صور إيلي كاغان، الذي كان المصور الوحيد الذي التقط صورا للجريمة وأصبحت صوره تتصدر الصحف والمجلات العالمية.
وقد حاولت شخصيات برلمانية فرنسية فرض إرادتها على الحكومة من أجل تشكيل لجنة تحقيق في الجريمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024