كانت صوت العرب تتبنى خطّاً مقاوماً للاستعمار في بقاع شتى، وكان الراحل أحمد سعيد، أيقونة الإذاعة المصرية، عُرف بأسلوبه المميز في الأداء الإذاعي، فهو صاحب حنجرة فريدة عبر موجات الأثير، في مطلع خمسينيات القرن الماضي.
اعتبره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جيشا لا يقل قوة عن الجيوش المدججة بالسلاح، ارتبط صوته بالثورة التي قامت في الثالث والعشرين من جويلية ضد “ملكية” فاروق، عبر عنها وتلا شعاراتها على أسماع الجماهير، داخل وخارج مصر.
كان صوته يبث الحماس في الجماهير العربية، وصفه البعض بـ “مذيع النكسة” إنه الإعلامي الكبير “أحمد سعيد”، مدير إذاعة صوت العرب سابقًا، والذي توفي في الرابع من جوان 2018.
خدم الثورة الجزائرية بصوته وتعليقه، أروع حدثين مرتبطين بتاريخ الثورة الجزائرية عاشهما خلال حياته المهنية هما إذاعة بيان الثورة الجزائرية بصوته في أول نوفمبر1954، والثاني حضوره شحن أول دفعة أسلحة للثورة الجزائرية في صيف نفس العام.
واعتبر أحمد سعيد أن احتفاظه ببيان الثورة في مكتبه لمدة ثلاثة أيام قبل إذاعته بصوته ليلة الفاتح نوفمبر 1954 كان أهم حدث عاشه في حياته المهنية.
وأشار إلى أن إذاعة “صوت العرب” قطعت إرسالها تلك الليلة وشرعت في بث الأناشيد الوطنية الجزائرية وإعادة بث البيان ونقل أخبار العمليات الفدائية في الجزائر على مدى 24 ساعة متتالية.
وُلد أحمد سعيد بالقاهرة، في 29 أوت 1925، ينتمي إلى أسرة ذات اتجاهات وطنية، كانت لها تأثيراتها الواضحة عليه في تكوين شخصيته؛ فوالده كان صحفيًا ومناضلًا ضد الاحتلال البريطاني لسنوات طويلة.
تتلمذ على يد الزعيم الوطني مصطفى كامل، والتحق بالعمل في جريدة “اللواء” في بادئ الأمر مترجمًا من اللغة الفرنسية إلى العربية، ثم كاتبًا لافتتاحيتها، ومشاركًا في عدد من مقالاتها، وشقيقه الأكبر “محمد” فكان من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، واعتقل بسببها أكثر من مرة.
تشكلت آراءه حول قضايا هذا العصر، ما جعل منه إعلاميًا من طراز خاص، وبالرغم أن والده قد توفي وهو بعمر السبع سنوات، إلا أن قراءته لتاريخ مصر المعاصر، واهتماماته بشؤون الأوطان العربية جعلته مهمومًا بآلام شعوبها، جاهدًا خلال مشواره الإذاعي الحافل بالعطاء على أن يكون صوتًا معبرًا عنهم وعن قضاياهم.
التحق أحمد سعيد بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، وتخرج منها في 1949، واتجه بعدها إلى العمل في الصحافة على خطى والده، تنقل بين العديد من المجلات، مثل: روز اليوسف، وآخر ساعة، ودار الهلال، لكنه لم يستمر فيها سوى فترة قصيرة، قرر بعدها الولوج إلى عالم الإذاعة، ليجد فيها شغفه، الذي طالما بحث عنه.
التحق أحمد سعيد بالعمل في الإذاعة منذ عهد الملك فاروق، وتحديدًا في 1951، لكن ميلاده الحقيقي كإذاعي بدأ مع أول برنامج سياسي له في إذاعة القاهرة، وحمل اسم “تسقط معاهدة 1936″، ليعين بعدها مذيعًا رئيسيًا فيها، ثم مديرًا لإذاعة “صوت العرب”، منذ تأسيسها، في 4 جويلية 1953.
واستمر فيها لمدة 14 عامًا، قبل أن يستقيل في سبتمبر 1967، عقب “نكسة” جوان الشهيرة.
وعن بدايات صوت العرب، وإسهامات أحمد سعيد فيها، يحكي الإذاعي القدير “الغضبان” -: “بدأ صوت العرب البث لمدة ساعتين يوميًا، وكان عدد العاملين به ثلاثة، صالح جودت “رئيسًا”، وأحمد سعيد “مذيعًا”، ونادية توفيق “مذيعة”.
وتؤكد شهادة “الغضبان” أن “سعيد” نجح في إدارة صوت العرب، بمعاونة عدد من العاملين معه وقتها، رغم محدودية الموارد والإمكانيات المتاحة، حيث تمكن من تعبئة الجماهير العربية وطنيًا وقوميًا، وحشدها نحو مطالب استقلالها وحريتها في تلك الفترة.
وأشار إلى ذلك في مذكراته، شهدت السنوات العشر بين عامي 1957 و1967 من القرن الميلادي العشرين، سلسلةً متصاعدةً من المواجهات الإعلامية، زاد على انتشار تأثيرها تطور تقنية البث الهوائي، وقدراته المتزايدة على الوصول إلى تجمعاتٍ بشريةٍ على بعد آلاف الأميال.
شارك أحمد سعيد في العمل الفدائي بقناة السويس في 1952، واستطاع أن ينقل بثا مباشرا، من منطقة القناة أثناء العمليات الفدائية ضد الإنجليز.
وكان شاهدا على الثورة الجزائرية، فقد حرص على نقل بيانها بصوته في 1954، على موجات إذاعة صوت العرب، ومهد له ذلك فيما بعد تكوين صداقة عميقة مع قائدها أحمد بن بلة.
واُختير في 1965، من قبل مجلس الأمة المصري (مجلس النواب حاليًا) ليكون عضوًا في الوفد الذي يمثله في احتفالات بريطانيا، بمناسبة مرور 700 عام على بدء الحياة الديمقراطية هناك.
ألف أحمد سعيد كتابا بعنوان: “القومية العربية”، في 1959، وصف فيه جمال عبد الناصر بـ “باعث القومية العربية”، مشبها إياه بجمال الدين الأفغاني الذي يوصف بأنه باعث حركة الإحياء الإسلامي، وكتب مسرحية بعنوان: “الشبعانين” في 1966.
