الثورة التحريرية في كتابات الأدباء العرب

حين انتفض رواد الكلمة تضامنا مع القضية الجزائرية

هدى بوعطيح

هي ثورة الجزائر العظيمة، واحدة من أبرز قضايا الأمة العربية التي استلهمها الرأي العام عبر العالم.. الثورة التي ألهمت الكتّاب والمثقفين والأدباء من مختلف الدول العربية، والذين كانت أقلامهم بمثابة سلاح آخر من خارج أرض الجزائر، جعله المثقفون والكتاب نارا في وجه العدو الغاشم، لفضح جرائمه وإظهار مبادئ الثورة التحريرية الكبرى للتحرّر من سلطة المستدمر الفرنسي، ناهيك عن التغني بعظمة ثوار وشهداء الجزائر الذين ارتوت أرض الجزائر الطاهرة بدمائهم الزكية، من أجل أن يحيا شعبها حرا مستقلا.


الشعراء العرب كانوا سباقين لاستلهام صورة الثورة الجزائرية، والبعد القومي والإنساني لها، فقد وصف الشعراء والكتاب والروائيين، من مصر والعراق وتونس وسوريا وغيرهم المعارك الضروس التي قادها الثوار الجزائريون، وبشاعة الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق أبناء هذا الوطن.
 ناهيك عن التغني ببطولات المرأة الجزائرية التي لم تتوان في أن تكون إلى جانب أخيها الرجل في هذه الثورة، وما تحمّلته بدورها من تعذيب وممارسات داخل السجن، وهو ما زادها سوى إصرارا وقوة لأجل تحرير الجزائر، وأن تعيش المرأة حرة في وطنها بعيدا عن استفزازات المستعمر الفرنسي.

غيض من فيض..
كثيرون كتبوا وما يزالون يكتبون عن الثورة التحريرية الجزائرية، وما جاء في هذا المقام هو غيض من فيض بحر لشعراء وروائيين ألهمتهم واحدة من أعظم الثورات في العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، صدر عن الدار المصرية اللبنانية للدكتور حسن فتح الباب، بإشراف مؤسسة مفدي زكريا بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة التحرير المباركة، كتاب بعنون «ثورة الجزائر في إبداع شعراء مصر»، جاء في 575 صفحة، ويضم أشعارا لحوالي 70 شاعرا مصريا كتبوا عن الثورة الجزائرية، وقد وشحه الكاتب بهذا الإهداء:
    من الجبل الأشم إلى نهر الكوثر
    مصر العروبة إلى الجزائر الثائرة...
    من لحظة انطلاق أمجاد إلى أمجاد
    محفورة في الوجدان والذاكرة...
    من أجيال تبحث عن البطل والأمل...
    إلى أبطال ورموز كانت الأمل والمثل...

من بين القصائد التي تضمنها الكتاب: «لا لن ألين» ليوسف محمد الجندي، «موعد مع النصر» لأحمد حسين عطاء الله، «ثورة الشعب العربي» لأحمد مخيمر، «العالم والحرية» و»شهيد من الجزائر» و»أغنية انتصار الجزائر» لكاتبهم حسن فتح الباب.
 إلى جانب «لقاء مع النصر» لعبد المنعم عواد.. وتضمّن الكتاب في فصله الرابع عمل مسرحي من الشعر الحر لعبد الرحمان الشرقاوي، خلد فيها الثورة الجزائرية في أربعة فصول، وفصل خامس خصّصه لسيرة شاعر الثورة الجزائرية الفذ مفدي زكريا.
ومن شعراء مصر الذين كتبوا أيضا عن الجزائر محمود غنيم، الذي تغنى بشموخ جبال الأواس الشاهدة عن عظمة ثورة، وقد قال في جانب منها:
جبل الجزائر أنت يــــا     
أوراس جبال المجازر
هل فيك شبر لم يحظ        
به دم من جرح ثائـــر؟
مثل لعمري أنت لـــل     
حرية الحمراء سائـــر

 وكتب أحمد عبد المعطي حجازي
يا زمنا راح  
 أنذا أبكيك ولكني
أشهد ميلادك في أوارس
 فاشتدي أيتها الريح العربية
دوري في نار الحرية.

ويعتبر شعراء العراق من أكثر الذين كتبوا عن الثورة التحريرية المجيدة، ولم يتوقف مدادهم عن السيلان طيلة فترة الثورة، والإشادة بكفاح الجزائريين، وكانت هذه الكتابة بالنسبة لمطوّعي القوافي بمثابة زرع الحماس في نفوس الثوار، لأجل مواصلة كفاحهم ضد العدو المستعمر، وعدم الرضوخ لهمجيته إلى أن تبزغ شمس الحرية.
وقد أثبتت دراسة الدكتور عثمان سعدي، حين كان سفيرا للجزائر بالعراق سنوات السبعينيات، عن تهافت شعراء بلاد الرافدين على الكتابة عن الثورة التحريرية، والذي قدّمه في كتاب بعنوان «الثورة الجزائرية في الشعر العراقي» كانت حصيلته جمع 255 قصيدة نظمها 107 شاعر وشاعرة، على رأسهم محمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، عبد الوهاب البياتي، كاظم جواد وآخرون.
وقال سعدي: «في السبعينيات من القرن الماضي، عملت سفيرا في العراق وسورية، جمعت الشعر الذي نظم في الثورة الجزائرية في هذين القطرين، نشرت عشرات الإعلانات ووصلتني قصائد لا من المدن الكبرى فقط، وإنما من عشرين مدينة وقرية في كل قطر».

فقد كتب احمد الدجيلي
فإذا الثورة الكبرى وقد         
عمت الشعب رجالا ونساء
ومشت في كل روح ودم       
لهبها يقطر عزما وفناء

وتغنى جلال الحنفي بسنوات الثورة السبع:
سبع يعادلن الزمان وأهله    والدهر والتأريخ والأجيالا
يا قوم ما الّأبطال إلا أنتم     لو أن شعبا كاف الأبطالا
إن السيوف إذا شهرن فإنما   يجعلن أقوالا الرجال فعالا

وعن الشهيد العقيد عميروش كتب الشاعر كاظم جواد قصيدة عنوانها (عميروش ذئب الجبل)، مثلما كانت تلقبه الصحافة الفرنسية، يقول فيها:
مات وفي عينيه شيءٌ من لهيب المعركهْ   مات ووهران سماءٌ لم تزل مُحْلَوْلكه
مات على السفح وحيدا يحضن              البريقْ في مقلتيه يُسكب الحريقْ
عَميروشْ عميروش هل تسمع الجيوشْ؟  تهبط في معاقل الأوراسِ والتلولْ
لتزرع السهولْ بديلَ كل جُزمة               وقنبلهْ شُجيْرةً وسُنبلهْ..

و كان لأطفال الجزائر نصيب من كتابات شعراء العراق، على غرار ما كتبته الشاعرة صبرية الحسو التي استذكرت هذه الفئة وهي تحتفل بالعيد مع أبنائها،
وهناك لا تنسَيْ صِغارًا
مثل طفلك يظمأونْ
للحبّ والدفءِ الحنونْ
ليدٍ ندِيّه
ليد، يقطّعه الحنينْ
شوقا فيعتصر البقيّه
شوقا فيهمس في خُفوتٍ
لو ضم طفلته إليه
كما يضم البندقيهْ
هي ذي هديّه
قُبلٌ نقيّه
من كل أمّ في العراقْ
تعيش في ألم الجزائرْ
قبلٌ نقية
قبلٌ لأطفال الجزائرْ

وعن شعراء سوريا والسودان يقول أيضا عثمان سعدي:
«وعندما انتقلت إلى سورية جمعت 199 قصيدة نظمها أربعة وستون شاعرا وشاعرة من 20 مدينة وقرية، منهم شعراء كبار مثل سليمان العيسى، ونزار قباني، ومحمد الحريري، طبع لي كتاب عنوانه (الثورة الجزائرية في الشعر السوري) في ألف صفحة وفي جزأين».
وأضاف «وفي زيارة سريعة للسودان سنة 2009 جمعت 14 قصيدة قيلت في ثورتنا نظمها عشرة شعراء من السودان، منهم الشاعر السوداني الكبير الهادي آدم الذي غنت له أم كلثوم قصيدة (أغدا ألقاك)»، وقد صرّح أن له كتاب تحت الطبع بعنوان (الثورة الجزائرية في الشعر السوداني)».
فحسب دراسة السفير السابق، فقد كُتب في هذه الأقطار الثلاثة فقط 468 قصيدة وقعها 181 شاعر وشاعرة، دون الحديث عن بقية الأقطار العربية..
 فقد كتب أيضا محمد علي اليعقوبي «أبطالنا في الجزائر»، ونوري القيسي «تحية لجمهورية الجزائر الحرة»، ومحمود غنيم «جبل الجزائر أنت»، وكتب الشاعر سليمان عيسى «ميلاد الشعب» المهداة إلى ثوار الجزائر، والشاعر حسن عبد الله القرش «كفاح مقدس» وعمر الجارم «الجزائر الظافرة»، وقال الشاعر الفلسطيني محمود درويش:
في بلاد.. كل ما فيها كبير الكبرياء     شمس أفريقيا على أوراسها قرص إباء.

المرأة الجزائرية الثائرة في الكتابات العربية

الشعراء العرب تغنوا أيضا ببطولات المرأة الجزائرية والتي شغلت حيزا هاما في كتاباتهم، على غرار ما كتبته شاعرة العراق الفذة نازك الملائكة عن جميلة بوحيرد، التي نالت حظا أوفر في كتابات الأدباء العرب، وقالت في مطلع قصيدتها «نحن وجميلة»:

جميلة! تبكين خلف المسافات، خلف البلاد
وترخين شعرك، كفّك، دمعك، فوق الوساد
أتبكين أنت؟ أتبكي جميلة؟
أما منحوك اللحون السخيّات والأغنيات؟
أما أطعموك حروفا؟ أما بذلوا الكلمات؟
ففيم الدموع إذن يا جميلة؟

في حين كتب أحمد هيكل عن نضال وصمود جميلة:
أنت يا أخت شعل قد أضاءت            
ليرى شعبك المجيد سبيله
من ظلام الجدران طلعت فجرا        
لانتصار الأحرار دق طبوله
من جديب الأسى رفت ربيعــا            
فيه للعرب ألف ألف جميلة
من وراء القضبان أرسلت إعصارا     
وأتت الأسلم تسري عليلة

ثم الكلمات الشهيرة لشاعر المرأة الجزائرية نزار قباني:
الاسم جميلة بوحيرد
رقم الزنزانة تسعون
في السجن الحربي بوهران
والعمر اثنان وعشرون
عينان كقنديلي معبد
والشعر العربي الأسود
كالصيف
كشلال الأحزان
تاريخ ترويه بلادي
يحفظه بعدي أولادي
تاريخ امرأة من وطني
جلدت مقصلة الجلاد
امرأة دوخت الشمسا
جرحت أبعاد الأبعاد
ثائرة من جبال الأطلس
يذكرها الليلك والأطلس
يذكرها زهر الكباد
ما أصغر جان دارك فرنسا
في جانب جان دارك بلادي!

فجميلة بوحيرد هي المجاهدة الجزائرية التي خلّدت بطولاتها أيضا الشاشة العربية، وعرض لها انتاج سينمائي بعنوان «جميلة» فيلم مصري تاريخي أنتج في مصر، إخراج  يوسف شاهين وتأليف كل من عبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني ونجيب محفوظ.
الفيلم إلى جانب عرضه لحياة جميلة لا سيما لدى اعتقالها من قبل المستعمر الفرنسي، فهو يسلّط الضوء كذلك على بطولات الجزائريين ودور المرأة خلال الثورة التحريرية، تم انتاجه بعد عام واحد فقط من اعتقال جميلة بوحيرد، ومنع من العرض من قبل الاحتلال الفرنسي، حتى لا يفضح بشاعة ما يرتكبه في حق الابرياء ومن يدافعون على عرضهم وأرضهم..

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024