«الأشقّاء السوريون رفعوا شعار: «عقدنا العزم النهائي على أن نموت أو نحيا معاً»

سوريا.. قلب يخفق بثورة التحرير الجزائرية المباركة

فتيحة كلواز

لم يكن اختيار الأمير عبد القادر لبلاد الشام، وتحديدا دمشق، ملجأ ووطنا بعد نفيه من طرف سلطة الاحتلال الفرنسية اعتباطيا أو عشوائيا، بل مُؤسسا على روابط عميقة متجذرة بين بلدين جمعهما التاريخ والإنسان، ولعلّ المكانة التي احتلها مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، يعكس علاقة وطيدة جمعت بين الجزائر وسوريا، رسخها وأكدها دعم الأشقاء السوريين، سلطة وشعبا، لثورة تحريرية عقد العزم مُطلقو رصاصتها الأولى في الأول نوفمبر 1954 أن «تحيا الجزائر».

القسم المدوي في جبال الجزائر الثائرة رفعته سوريا شعبا، حكومة وجيشا لدعم ثورة وصل صداها أقاصي الأرض كانت مناصرة الأشقاء السوريون كفاح الشعب الجزائري من أجل استرجاع أرضه وسيادته، واضحة وجلية فلم يدخر هذا البلد الشقيق أي جهد أو طريقة لتقديم الدعم لإخوانهم الجزائريين، فكما كان السلاح والذخيرة وسيلة لشد عزم الجزائريين كانت المظاهرات والتنديد الصريح بالجرائم ضد الإنسانية للمستعمر اتجاه الجزائريين ليتصور الدعم بكل الأشكال الممكنة، مادية ومعنوية، حتى أصبحت أناشيد المجاهدين في أعالي الجبال الجزائرية مدوية عالية في شوارع المدن السورية المنتفضة شعبا وسلطة لإسماع صوت شعب يتعرض للنهب والسرقة والمحاولات المتكررة لطمس هويته ووجوده.  
وأعلنها الرئيس السوري، شكري القوتلي، مدوية عند لقائه الوفد الجزائري الذي زار سوريا في مارس 1957: «إن سوريا مشتركة معكم في القتال، إن أردتم سلاحاً أمددناكم بالسلاح، وإن أردتم مالاً عندنا ما نستطيع بذله، وإن أردتم رجالاً فرجال سوريا مستعدون لخوض الوغى إلى جانبكم، أقول لكم هذا علناً وجهراً لكي تسمع فرنسا قولنا، ولكي تعلم أننا قوم جد لا هزل، وأنا أكلم قائد الجيش السوري هنا أمامكم ليفتح مخازن الذخيرة حتى يأخذ منها المجاهدون الجزائريون ما يريدون، لقد عقدنا العزم النهائي على أن نموت أو نحيا معاً، وستكون لنا الحياة الحرة الكريمة بإذن الله.»
تأييد مُطلق
لأن الأمة العربية جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالدعم والمناصرة، فبعد تحقيقها للاستقلال من الاستعمار الفرنسي في 1946، كان تأييد سوريا للثورة الجزائرية مطلقا، انعكس في تعاطيها مع القضية الجزائرية، واستطاعت الحكومة السورية تسهيل عملية اقتناء الأسلحة، من خلال اتفاق مع العراق ولجنة السلاح الجزائري يقتضي فتح حدود بينهما لتكون منطقة عبور، حيث يشترط على سوريا التكفل بتأمين الأسلحة وضمان إرسالها إلى الجهة التي تعيّنها هذه اللجنة من أجل وصوله إلى الجزائر.
في الوقت نفسه طالبت سوريا بمقاطعة فرنسا من خلال سواء الإعلام والمظاهرات والمجلس النيابي، بغية بلورة موقف عربي فعال وواضح ومؤيد دون تحفظ لتحرير كل الأراضي العربية المحتلة، وبعد مؤتمر الصومام كثف مجلس النواب السوري جلساته من أجل متابعة تضاعف قمع الاحتلال الفرنسي للجزائريين بعد تصاعد الثورة التحريرية.
وبهدف دعم الوجود السياسي الجزائري دولياً، عملت سوريا على «استغلال أي حدث وطني بسوريا له طابع دولي للتحسيس بالقضية الجزائرية وإشراك الجزائر مباشرة فيه»، ولعل خير مثال على ذلك ما حدث في معرض دمشق الدولي «أكتوبر 1957» حيث استغله ممثلو الجزائر لدعم قضيتهم من خلال لقائهم مع الوفود الرسمية الأجنبية.
وشكلت «جماعة أسبوع الجزائر» بالعاصمة السورية دمشق وهي هيئة تجمع التبرعات المالية لتقدمها إلى مكتب جبهة التحرير الوطني الجزائرية بدمشق، وخلال «الأسبوع الجزائري في مارس 1957 مثلاً تسلم الوفد الجزائري 1,800,000 ليرة سورية و49،130،132 دولارًا بصكوك موقعة من الرئيس القوتلي نفسه، وفي السنة نفسها تسلم ممثل مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق صكاً آخر قدره مليار وخمسة ملايين فرنك»، كانت توضع في البنوك، ولعل أبرز هذه البنوك بنك الرافدين الذي كانت توضع فيه الأموال باسم رئيس مكتب دمشق المرحوم عبد الحميد مهري.
لم يتوقف الدعم السوري للثورة على الجانب المالي فقط، بل فتحت باب التطوع لكل السوريين مدنيين وعسكريين للجهاد مع الجزائريين جنبا إلى جنب على الأراضي الجزائرية، نصرة لقضيتهم العادلة في استرجاع سيادتهم على أرضهم الطاهرة، وانضم الأشقاء السوريين إلى صفوف الثورة ودعموها بضباط سامين ساهموا في تدريب وتوجيه أفراد جيش التحرير الوطني.
وشكل وحدة سوريا ومصر في الجمهورية العربية المتحدة عاملا محفزا لإعلان قيام أول حكومة جزائرية مؤقتة في 19 سبتمبر 1958، وكانت سوريا أول المعترفين بها من خلال اعتراف الجمهورية العربية المتحدة في 23 سبتمبر 1958، سهلت الحكومة السورية عملية جلب الأسلحة واقتنائها، وقامت بفتح حدودها مع العراق وجعلتها منطقة عبور للأسلحة الآتية من العراق، وهذا بناء على الاتفاق الثنائي بين الحكومة السورية.
الاعتراف بالحكومة المؤقتة
ولم ينحصر الدعم المادي في الناحية المالية وتزويد الثورة الجزائرية بالأسلحة سواء من مخازن الجيش السوري أو عن طريق فتح حدودها لنفس الغرض، وإنما تجسد هذا الدعم في أرض المعركة حيث فتحت سوريا باب التطوع لكل السوريين سواء الوسط الشعبي أو الوسط العسكري، وبالتالي أصبحت الرغبة في الجهاد لدى السوريين أمراً ضرورياً، لأنه نصرة لإخوانهم الجزائريين الذين هم بأمس الحاجة إليهم أكثر من أي وقت مضى.
 ومن هذا المنطلق توافد على أرض الجزائر بعض الإخوة السوريين الذين انضموا إلى صفوف الثورة المباركة، ودعموها بضباط سامين ساهموا بدرجة كبيرة في تدريب وتوجيه أفراد جيش التحرير الوطني في الجبال وتلقينهم الأساليب الحربية الجديدة.
وإذا كان السلاح بالنسبة للجزائريين قضية ضرورية، فإن المواد الغذائية هي الأخرى كانت ذات أهمية، ودعمت سوريا جبهة التحرير الوطني بكمية كبيرة من القمح بحوالي ألفي قنطار من القمح السوري مجاناً، ففي «جوان 1958 توجه وفد جزائري مهم برئاسة احمد توفيق مدني إلى سوريا بهدف الحصول على كميات معتبرة من القمح ونقلها إلى الجزائر.
 واستمر الدعم العسكري بالسلاح والعتاد لثوار الجزائر، وتدريب فرق من أعضاء جيش التحرير بما فيها التدريب على الطيران العسكري، وكان الطلبة الجزائريون هناك يعاملون كسوريين ويشاركون الاحتفالات والأعياد الوطنية الرسمية كجنود وضباط سوريين مرتدين الزّي العسكري السوري، ويشاركون حتى في الاستفتاءات الوحدوية مثل الاستفتاء على الوحدة بين سوريا ومصر».
ثورة ترصّ الصفوف العربية
وراء السلطة السورية، وقف شعب وقفة رجل واحد انتصارا للقضية الجزائرية وتحررها من احتلال عمّر على أرض الجزائر الطاهرة أكثر من قرن، سفك فيه دماء الأبرياء من الجزائريين «متفننا» في صناعة الموت واقتلاع الجزائريين من جذورهم.
واستطاع الشعب السوري على اختلاف مشاربه وأيديولوجياته السياسية وأطيافه الفكرية بلورة حقيقة واحدة حول الثورة الجزائرية في كونها الاسمنت الموحّد للبنيان العربي وداعمة لأساسات البيت العربي، وثورة ضد هينة الامبريالية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وافتكاك الانتصار فكان بمثابة القوّة الداعمة للأمة العربية والإسلامية، ما جعل سوريا سلطة وشعبا تعمل كل ما في وسعها من أجل إعلاء صوت الجزائر.
ولعلّ حضورها القوّي في الشعر السوري دليل على أن الأشقاء السوريين طوعوا حتى الكلمات لتنطق «جزائري»، فكانت دواوين الشاعر السوري سليمان عيسى عن تعامل السوريين مع الثورة الجزائرية حيث أكد في أبيات كثيرة أنها تكتب تاريخ الأمة العربية من جديد، وقال في أحد أبياته «في عروقي أنت في آهاتنا في كلّ خاطر، يا دويّ الصيحة الحمراء في قلبي الجزائر، لا تعاتبني تمنّيت لو أني جرح ثائر، طلقة حمراء لحن في فم الثّوار هادر، في الهضاب الشمّ حيث الموت عرس وبشائر».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024