استقبلت الثوار الجزائريين ووفرت لهم جميع ظروف العمل

هنـا القاهـرة.. هنـا “صوت العـرب”..

سهام. ب

كانت مصر قبلة ثوار جيش التحرير الوطني، ناصرت قضية الجزائريين بفتح مكاتب وتأسيس لجان بالقاهرة، كان أهمها مكتب المغرب العربي، وسخرت إذاعة صوت العرب لخدمة الثورة الجزائرية، وكانت قضية الجزائر تصل إلى كل العرب من المحيط إلى الخليج عبر إذاعة صوت العرب من القاهرة، وقدمت دعما إعلاميا لا نظير له إلى الثورة الجزائرية منذ الأيام الأولى لانطلاقتها.
يقول أحد أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ: “لقد خرجت ومعي بيان أول نوفمبر، وكنت أظن أنني سأصل القاهرة في الوقت المناسب بنية إذاعة البيان على أمواج “صوت العرب”، لكنني تعطلت في بارن بسويسرا بسبب إجراءات التأشيرة، الأمر الذي اضطرني إلى إرسال البيان بالبريد السريع ولم أدخل القاهرة إلا في 2 نوفمبر 1954، وقد أذيع بيان أول نوفمبر من إذاعة صوت العرب بالقاهرة مساء يوم أول نوفمبر، الذي أكد للعالم أن من بين أهدافه الخارجية هو تدويل القضية الجزائرية “.
اعتبر جمال عبد الناصر الثورة الجزائرية أنها قضية مصر وكل العرب، وأنها سند قوّي لمصر والأمة العربية في نضالها للاستعمار بكل أشكاله.
لقد سمحت الحكومة المصرية لكل الشخصيات الوطنية باستعمال أراضيها للنشاط السياسي قصد دعم القضية، وكلف توفيق المدني بتجهيز نشرة إخبارية يومية عن حوادث الثورة التحريرية وتوزيعها على كل الجرائد والصحف ووكالات الأنباء، وقدمت مساعدات عسكرية وعلى هذا الأساس كان اللقاء بين فتحي الديب وأحمد بن بلة قصد تحضير عمليات الإمداد بالسلاح والتخطيط لها وبحث الطرق والوسائل الممكنة لتأمين وصول السلاح إلى الجزائر.
فكانت تشتري من المهربين الدوليين عن طريق مصر وهم يقومون بعد ذلك بإيصالها إلى أماكن محددة داخل التراب الجزائري، في حالة فشل عملية من عمليات الشراء هاته يتم تزويد الجزائريين بالأسلحة من مخازن الجيش المصري نظرا لقرب المسافة بين ليبيا ومصر.
سمح للجزائريين باستعمال أراضيها لعبور الأسلحة الآلية من مصر وبمساعدة المصريين أنفسهم، هذا الى جانب الطريق البحري حيث كانت الأسلحة والمؤونة الحربية تصل إلى الجزائر باستعمال السفن المصرية.
وتأجير سفن أجنبية إذا اقتضت الضرورة لذلك، وكانت عمليات إمداد جيش التحرير بالأسلحة في بداية الأمر تتم بواسطة السفن المصرية، ففي ليلة 5 و6 سبتمبر 1955 أقلعت سفينة الإنتصار من مصر في اتجاه إحدى الموانئ الليبية الواقعة شرق طرابلس، حيث أفرغت حمولتها ليتم نقلها بالشاحنات إلى مخازن سرّية، ومنها تدخل إلى الجزائر لتوزّع على المجاهدين.
وفي مارس 1955 شحن اليخت “دينا” بالسلاح إلى المجاهدين الجزائريين بعد أن تم تأجيره من طرف مصر، خاصة وأن القيادة المصرية استبعدت قضية شحن السفن المصرية لما لها من تأثير سلبي عليها إقليميا ودوليا، في حال اكتشافها من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية.
ومن السفن الأجنبية التي اشتهرت بحمل السلاح إلى الثورة الجزائرية إلى جانب اليخت “دينا”، هناك “اليخت نمو” واليخت “جودهوب”، هذا الأخير هو الذي تمت بواسطته إيصال الأسلحة إلى الجبهة الغربية الجزائرية. هذا الى جانب السفينة الشهيرة اتوس التي كانت محملة بالسلاح في إتجاه الجزائر، لكن الفرنسيين اكتشفوا أمرها، وهذا ما دفعهم إلى تقديم شكوى شديدة اللهجة إلى مجلس الأمن ضد الحكومة المصرية.
وتواصلت هذه العملية خلال النصف الأول من عام 1957، حيث شحنت دفعات السلاح الموجهة للجزائر برا عن طريق الحدود الليبية المصرية والاعتماد في ذلك على بعض التجار الليبيين المختصين في عمليات تهريب الأسلحة، حيث سلمت أول شحنة يوم 6 فيفري 1957 إلى المناضل أحمد محساس.
ويؤكد فتحي الديب ضابط في المخابرات المصرية آنذاك في مذكراته بعنوان “عبد الناصر والثورة الجزائرية”، أن مصر لم تبخل ولا رئيسها بدعم الثورة عسكريا وماديا منذ انطلاقتها بالأسلحة والذخائر، فضلا عن التظاهرات التي كانت تقام في مصر لجمع التبرعات والدورات التأهيلية للممرضات الجزائريات، ففى 1958 استقبلت مصر الدفعة الأولى المكونة من 35 فتاة، واستمر تدريبهن 6 أشهر في مستشفى الهلال الأحمر.
وأدت مصر دوراً مهماً في دعم مشاركة الجزائر وتمثيلها في مؤتمر باندونغ لنصرة الجزائريين، ما أعطى للقضية الجزائرية دفعة قوية نحو التدويل، فتضامنت معها شعوب آسيا وإفريقيا وأوروبا.
ويوضح فتحي الديب أنه كان حلقة الوصل بين جمال عبد الناصر وثوار الجزائر الذين أطلقوا شرارة بدء الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، الذي احتل الجزائر 130 عاما، وأوضح أن المساعدات المصرية للثورة الجزائرية تنوّعت ما بين السلاح والمال والرجال، وأن المخابرات المصرية أدّت أعظم أدوارها على الإطلاق في تهيئة كل السبل لانطلاق الثورة.
ويضيف أن أوّل مرحلة في خطة اندلاع الثورة الجزائرية بدأت بعودة بن بلة إلى القاهرة يوم 9 أكتوبر 1954، بعد اجتماع في العاصمة السويسرية «برن»، حضره قادة الثورة، أبلغهم بن بلة، في هذا الاجتماع، بموافقة الرئيس المصري عبد الناصر على دعم كفاحهم ماديا، ووافقوا بالإجماع على خطة بدء الكفاح المسلح التي تمت مناقشتها في القاهرة مع بن بلة، وتحدد لها ساعة الصفر 30 أكتوبر.
 ويقول أيضا:«غادر بن بلة القاهرة إلى ليبيا 22 أكتوبر ليتابع عملية التنفيذ، وزوّده «الديب» بمبلغ 5 آلاف جنيه لشراء الأسلحة والذخيرة المتوفرة من السوق الليبية لمباشرة عملية التهريب، لحين تزويدهم بالكميات اللازمة من مخازن الجيش المصري”.
ويشير: “توالت المساعدات بعد ذلك لتشمل شحنات من البنادق والرشاشات وذخائر وأسلحة أخرى أدخلتها المخابرات المصرية إلى الجزائر عبر الحدود مع المغرب وليبيا، ولم يكن السلاح وحده هو العون والمدد الذي قدمته مصر، بل قدمت شهداء ربما لا تحوى الكتب عنهم شيئا”.
ومن القصص التي رواها الديب بتأثر بالغ، قصة الصحفي إلهامى بدر الدين، الذي استشهد على أرض الجزائر، وعمره 23 عاما.
ويكشف الضابط المصري في مذكراته عن كيفية الحصول على السلاح عبر تأجير مركب «إخوان إيلوكس» لحمله إلى الجزائر، ويذكر أنه سافر من يوم 15 جانفي 1957 إلى ألمانيا والسويد والنمسا تشيكوسلوفاكيا، بجواز سفر باسم محمد إبراهيم حسن، وبصفته حامل حقيبة دبلوماسية كان يتم تسهيل الحركة له بين دول أوروبا، وكان معه في هذه الرحلة جزائري يحمل جواز سفر باسم «وزانى حامد»، بينما هو في الحقيقة طبيب جراح اسمه «إدريس» ويقيم في مراكش بالمغرب، ويتولى مسؤولية شراء السلاح لجيش التحرير الجزائري.
ويشير «الديب» إلى أن سفره جاء بعد أن تلقى رسالة حملها «وزانى» من قائد ولاية وهران التابع لجيش التحرير، عبد الحفيظ بوصوف، يطالبه فيها بالتدخل بعد مراوغة تاجرين دوليين متخصصين في عمليات تهريب السلاح، أحدهما فرنسي ويدعى «فراى»، والثاني «دنماركي» ويدعى «أريكسون».
وجاءت المراوغة بعد أن وقّع «وزاني» على عقد معهما لصفقة من الهاونات والرشاشات والبنادق تشحن من مخازن مخلفات الحرب العالمية الثانية بألمانيا الغربية، وأودع مليون دولار لهذا الغرض في أحد البنوك السويسرية استلمهم من «بوصوف».
ويؤكد «الديب» أنه أطلع الرئيس عبد الناصر على البرقية، فكانت تعليماته إليه بالسفر، والتأكيد عليه بأهمية استخلاص المبلغ أو إتمام الصفقة مع ضمانات وصولها، وسافر الديب ومعه «وزانى»، ونجح في تنفيذ مهمته السرية والتخلص من التاجرين الدوليين «فراى» و«أريكسون» بحيل بارعة تنقل خلالها من ألمانيا إلى السويد ثم النمسا.
ويؤكد أنه طلب من عبد الحفيظ بوصوف، قائد ناحية وهران موافاته باسم شركة مغربية يثقون فيها ليتم الشحن من الإسكندرية باسمها كشحنة تجارية عادية، وبالفعل زوّده «بوصوف»، باسم الشركة المغربية المرشحة، وفي مصر كانت شركة «الشرقية للملاحة والتجارة» هي المعنية بتصدير الخضر، وهى شركة أسسها «الديب» خصيصا يوم 28 جوان  1956 برأسمال 20 ألف جنيه لتمتلك مراكب تجارية، وتكون ستارا لعمليات تهريب السلاح للجزائر.
يشير فتحي الديب إلى أن مدير «الشرقية للملاحة والتجارة» استخرج إذن تصدير عادي لطلبات رفع المياه والبصل، وأنه لجأ إلى الدكتور عبد المنعم القيسوني، وزير الاقتصاد آنذاك، لتسهيل الإجراءات حفاظا على السرية، ويؤكد أن عملية الشحن تمت بإشرافه شخصيا، وفي صباح 3 جوان 1957 أبحر المركب.
 ويكشف «الديب»: «أرسلت خطابا حمله رسول خاص إلى ملحقنا العسكري في مدريد لأضعه في الصورة ولما يجب أن يقوم به الإخوة الجزائريون في ميناء الوصول، محددا له الصناديق المعبأة بطلبات المياه والبصل»، ووصل المركب يوم 13 جوان وكانت المفاجأة في انتظارها، حيث صادرتها السلطات الإسبانية”. ويسرد الديب في كتابه كافة التفاصيل الخاصة بدعم مصر لثورة الجزائر حتى نجحت ونالت استقلالها.
أوّل شحنة سلاح قدرت بـ 8 آلاف جنيه
ويؤكد الإعلامي المصري محمد حسنين هيكل أن الثورة الجزائرية تلقت أكبر شحنة من السلاح المصري.
كانت أوّل شحنة سلاح وصلت الجزائر مقدمة من مصر قدرت ب 8000 جنيه، وأهم التدريبات العسكرية الفعّالة لجيش التحرير الوطني خارج الجزائر كانت تتم بمصر.
وقام جمال عبد الناصر بتجنيد 5000 شرطي مصري من بورسعيد إلى الإسماعيلية، وتوجيهها بذخيرتها فورا للمجاهدين، ويشير بن بلة إلى أن 350 أو400 قطعة من البنادق الإيطالية وصلت أيدي الثوار من مصر عن طريق ليبيا، ويقول بن بلة في هذا الصدد:
«لقد حملنا شحنة من السلاح في مركب “فخر البحار الذي كان يستخدم كمركب للسياحة آنذاك كانت المهمة تقوم على نقل السلاح من مصر إلى ليبيا ثم تنقل بعد ذلك عبر الصحراء إلى الجزائر عن طريق الجمال، أو السيارات”.
ويضيف: “كان علينا بعد ذلك أن نرتب عملية نقل السلاح وتهريبه إلى الجزائر، وكانت هذه أول عملية نقل السلاح نقوم بها من مصر إلى الجزائر وكانت هذه العملية في شهر فيفري “1954.
وأبحر اليخت جود هوب في 20 جانفي 1956 متجها إلى ليبيا وعلى متنه حمولة موجهة إلى المجاهدين الجزائريين والتونسيين وكانت الشحنة تشمل على الأسلحة كمية الذخيرة شملت 303 بنادق رشاشة لانكاش، وبنادق رشاشة فيكارز، و300 بنادق يدوية، و 150 40 11 200 خراطيش، و 303 مخازن لبنادق رشاشة أشرطة تثبيت خراطيش 9 ملم.
ونظرا لتسرب الأخبار، وترويج الإشاعات في ميناء الاسكندرية أوقفت مهمة اليخت جدهوب في أفريل 1956، وعينت قيادتها باخرة يونانية تدعى ديفاكس اقتنتها السلطات المصرية لصالح الثورة الجزائرية، وبما أن حمولتها عالية أكثر من 500 طن، وهي مجهزة بوسائل ملاحة متطورة بالنسبة إلى تلك الفترة، وبإمكانها أن تقتطع مسافات طويلة، قامت بتسييرها الشركة المصرية البحرية التجارية في الشرق، وجاءت قيادتها من يخت جود هوب التي اكتسبت على متنها خبرة وبعض الشهرة بخصوص تحكمها في عمليات النقل الخطير لصالح الثورة الجزائرية.
في شهر أفريل سلم المناضل الأمين دباغين كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة نقلت عن طريق الشاحنات إلى ليبيا ومنها الاوراس والشمال القسنطيني.
واستمرت الإمدادات المصرية عبر الحدود التونسية الجزائرية ومن هذه الإمدادات شحنات استلمها العقيد اعمران في 10 أفريل 1957 وتضمنت الأسلحة الكمية الذخيرة 792بندقية موزر، ورشاش متوسط، ومدفع ضد الطائرات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024