مخطط استعماري جهنمي لتفكيك المجتمع الجزائري

«قانون الحالة المدنية».. أكبر جريمة في حقّ أسماء الجزائريين

سهام بوعموشة

ارتكبت فرنسا الاستعمارية أكبر جريمة في حق الجزائريين، هي تحريف وتشويه ألقاب الجزائريين بقانون الحالة المدنية، الذي انشأته في 1881 لطمس هوية الجزائريين. شهد عهد تيرمان (1881-1891) إنشاء الحالة المدنية للجزائريين، لتفكيك النسيج الاجتماعي للجزائريين، وبنية الأسرة الجزائرية.

يؤكد المؤرخ أبو القاسم سعد الله، أن الأسماء العائلية والتلقيب والانتماء للقبيلة والبلدة والوطن، كان داخلا في الاعتزاز بالأجداد والمحافظة على الأنساب والارتباط بالتراث الحضاري للجزائريين.
ولكن الفرنسيين لم يرقهم ذلك، ولم يكن يتماشى مع مخطّطهم في طمس الهوية الجزائرية، الذي بدأ يتجاهل اللغة العربية وإهمال التعليم، وبذلك انقطع الجزائري عن ماضيه واستعد في نظر الفرنسيين لقبول حضارة أخرى والذوبان فيها، يضيف كبير المؤرخين في دراسته التي نشرت في الجزء الأول من كتاب الحركة الوطنية الجزائرية 1860 – 1900.
ويوضّح سعدالله أن الجزائريين، كانوا يتبعون الطريقة الإسلامية في الأسماء والألقاب. هناك الاسم الفردي، الذي هو عادة مشتق من أسماء الرسول
ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو مضاف إلى اسم الجلالة، وكان التلقيب بالشهرة عن طريق النسب العائلي أو القبلي أو المكان وأحيانا يكون الوصف المشتق من الصناعات والمهن كالتجارة والحدادة أو بالوصف المشتق من خلقة أو سلوك كالبصير والأعرج، ومن العائلات العربية والبربرية استعمال «آل» و»آيت»، و»بني» و»أولاد» التي تستعمل للجماعة والقبيلة وينقلها الأفراد أيضا.
وكان كبار كل عائلة يحفظون ما يسمى «زماما» أو سجلا تقيد فيه أسماء المواليد والوفيات، وأبرز الأحداث بالعائلة، وكانوا يحفظون فيه شجرة العائلة وأنسابها وفروعها.
ولكن القدماء كانوا يعتمدون على الذاكرة القوية فيحفظون أنسابهم أبا عن جد دون خلط لأنه متواتر بينهم.
ويشير سعد الله، إلى أنه ليس كل المواطنين يتوفرون على هذه السجلات العائلية، أو كانوا يحفظون تواريخهم وأنسابهم حفظا لا خلط فيه، حتى لا تضيع منهم المعلومات والترابط النسبي أحيانا، سيما مع الجهل الذي خيم على الجزائر منذ الاحتلال، ولم يكن الجزائري يعرف أو يملك بطاقة شخصية قبل 1830.
وقد فكر الفرنسيون في إنشاء الحالة المدنية على طريقتهم وفرضها أولا على أهل العاصمة (…) وكان المقصود بذلك هو التعرّف على الأفراد والعائلات وإحكام السيطرة السياسية والمالية، وليس المقصود به فائدة للعائلات الجزائرية من أيه جهة، رغم أن الضابط لاباسيه، كتب في 1848 ينصح بضرورة إنشاء الحالة المدنية الفرنسية؛ لأنه في صالح العائلات والفرنسيين معا، يقول المؤرخ.
ويشير أبو القاسم سعد الله، إلى أنه وقعت محاولات خلال الخمسينات بفرض الحالة المدنية الفرنسية في المناطق، التي تسيطر عليها المكاتب العربية الولائية في 1854، ثم ترك الأمر في يد ضباط تلك المكاتب وكذلك الشيوخ العرب في المناطق الريفية.

إجبار الآباء على التصريح..

أجبر الآباء عندئذ على التصريح بعائلاتهم لاسيما في المناطق الحضرية، لكنهم رفضوا عدم الإعلان عن نسائهم وبناتهم، وبالتدريج تقدمت العملية بدون مقاومة كبيرة، بينما قاومت الأرياف بتأثير المرابطين حسب رواية الفرنسيين، مفادها أن المرابطين كانوا يقولون للناس إن الهدف من عملية التسجيل هو نقل الأولاد إلى فرنسا، وأن ذلك يؤدي إلى هتك الأسرار العائلية.
في 1860، وضع الفرنسيون قائمة بالأسماء الشائعة في الجزائر، وترجمتها إلى الفرنسية، ووصلوا إلى وجود 180 اسما عدا الأسماء المترادفة أو المشتقة، ولكنهم في الترجمة حرفوها عن مواضعها، وتحرفت بذلك الأسماء الجزائرية الجميلة وهي عادة أسماء دينية وتاريخية وأدبية لها دلالاتها.، يؤكد سعد الله.
وكانت الجهات القضائية الفرنسية (قضاة الصلح) هي التي تلح على المسلمين الجزائريين بتبني اسما عائليا (لقبا)، وكانت تطالب الإدارة بتطبيق الحالة المدنية الفرنسية، لأن ذلك يسهل في نظرها التعرف على المتخاصمين والجناة ويدقق الأحكام، لذلك فرض العسكريون إستعمال سجل للمواليد والوفيات على القياد ابتداء من 1868، وبعض الجهات نفذت العملية بشكل جيد.
وبعد سيطرة المستوطنين على الأوضاع وبروز قانون وارنييه، في 1873 حول الأرض، زاد الإلحاح على ضرورة الإستظهار بالاسم العائلي عند التداول على الأرض بالبيع والشراء وظهور ذلك في الوثائق بالنسبة للأرض الجماعية، والإستظهار بالاسم الفردي لمالك الأرض فرديا، وبناء على ذلك قدم الحاكم العام شانزي في1816 ثم 1874، مشروعا يجبر الأهالي على ذكر الاسم العائلي سواء كانوا ملاك أو غير ملاك.

 3 ملايين جزائري في الحالة المدنية

استغرقت العملية الأولى حوالي عشر سنوات (1885-1894)، وشملت المناطق المدنية التي يسيطر عليها المستوطنون أي الساحل والتل، وحسب الحاكم العام كامبون، العملية انتهت بنجاح وكلفت الدولة مليون فرنك، وبناء على الإحصاء فإن الجزائريين الذين مسهم قانون الحالة المدنية بلغ 3.069.268، ولم يبق سوى سكان المناطق الجنوبية، وقد امتد إليهم القانون في مراحل لاحقة.
ويشير ابو القاسم سعد الله، إلى أن مقاومة الجزائريين لقانون الحالة المدنية هو خوفا من إلزامية الخدمة العسكرية أو من الضرائب الجديدة، ويقول: «بعض الآباء كانوا يخفون أسماء أولادهم خوفا من الخدمة العسكرية، وهذه ظاهرة عشناها في طفولتنا».
ويبرز المؤرخ، أن كبار الإداريين كانوا يريدون طمس المعالم الجزائرية والقضاء على الهوية الوطنية والإسلامية من خلال قانون الحالة المدنية، ويذكر في هذا الصدد كميل صابتيه، الذي كان يلح على تنفيذ هذا القانون لأنه في نظره سيؤدي إلى تجريد الجزائريين من هويتهم الوطنية، ويحضرهم للاندماح، وأيضا يريد فرنسة الأسماء الجزائرية لصالح الزواج المختلط.
ويضيف سعد الله: «لقد عبث الفرنسيون بالأسماء الجزائرية بطريقة تثير الأسف والتقزز، أجبر القانون رب العائلة على اختيار لقب العائلة ويطلق عليها النقمة والكنية، وإذا لم يفعل فإن الموظف الإداري يضع له لقبا كيفما شاء ولو كانت فيه سبة له، وإذا احتج طالبوه برفع قضية تكون مصاريفها عليه».
ويشير إلى أن الموظفين الفرنسيين كانوا يعطون للجزائريين أسماء الحيوانات والنباتات وأحيانا الأوصاف المخلة بالأخلاق.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024