تضحيـات الشهداء إسمنت الذاكرة الوطنية.. مغدوري لـ “الشعــب”:

نراهن اليوم على تنمية الثقافة التاريخية

سهام بوعموشة

 الفرنسيـون تعمّـدوا التشويش على الذاكرة الوطنية وانتقصوا من الانسان 

إعطاء كل شهيد حقّه مستـوى يجب بلوغه 

هنـاك إرادة سياسيـة لإعادة كتابـة التاريخ الوطنـي بأقـلام جزائريــة

أبرز البروفيسور حسان مغدوري، من جامعة الجلفة، أهمية اليوم الوطني للشهيد الذي يخلد تضحيات شهداء الجزائر منذ 1830، باعتبار سجل فرنسا مكدسا بالجرائم، وشدد في حوار خص به “الشعب” بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، على التمسك بهذه المكاسب؛ لأنها إسمنت الذاكرة الوطنية لتحصينها من الأعداء المتربصين بسيادة الجزائر، وتأسف على أننا لم نعط الشهيد حقه، ليؤكد – في السياق - أن معركة اليوم متعلقة بتنمية الوعي، من خلال توسيع النقاش حول الثقافة التاريخية العلمية الصحيحة، ولم ينف جهود الدولة الجزائرية والمثقفين والمؤرخين في سبيل إعادة كتابة التاريخ الوطني، بأقلام وطنية ورؤية وطنية.

الشعب: تحتفل الجزائر اليوم الوطني للشهيد، وقريبا شهر مارس شهر الشهداء، إلى ماذا يرمز هذا الحدث التاريخي لجيل اليوم الذي لم يعايش الثورة؟

البروفيسور حسان مغدوري: هذا اليوم يخلد تضحيات الجزائر على امتداد الفترة الاستعمارية من 1830 إلى 1962، وإن كنا نكتفي بهذه الفترة الزمنية من منطلق أنها تمثل فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، غير أننا إذا ما استطلعنا تاريخ الجزائر منذ الجذور، نجد أن الجزائر كانت دائما في مواجهة اعتداءات وغزاة، وفي كل مرة، كانت التضحية هي القيمة السامية التي يتسلح بها الجزائريون في الدفاع عن هذه الأرض.
الفترة الاستعمارية خلفت وراءها تضحيات جسام قدمها الجزائريون من أجل الذود عن الوطن، ويمكن القول إن معركة سطاوالي في 14جوان 1830، كانت البداية لسقوط أول شهيد من أجل أن تحيا الجزائر، وبالتالي، فالجزائريون قرروا بأن هذه العملة النفيسة هي التي يستندون عليها دوما في الدفاع عن الأرض، وفي حماية كرامة الإنسان، وفي المحافظة على الاستقلال وعلى السيادة الوطنية.
إذا نظرنا إلى فترة القرن التاسع عشر، وهي تعج بالمقاومات الشعبية، نجد أن الجزائريين الذين سقطوا في ساحة الشرف من أجل استقلال الجزائر، قد بلغوا الملايين، هذا إذا ما استرشدنا بأرقام ديمغرافية، نقول إن الشعب الجزائري كان في حدود 10 مليون مع سنة 1830، على أنه هناك إحصائيات تحاول أن تقلص هذا العدد إلى ثلاثة ملايين، غير أننا إذا اعتمدنا على ما ذكره حمدان خوجة بصفته كان خزنجيا، بمعنى كان يملك السجلات والأرقام وكان قريبا من السلطة، فهو يقدر الشعب الجزائري في حدود 10 ملايين، علما أن تلك المرحلة التاريخية لم تكن فيها الوسائل من أجل التدقيق في هذه الأرقام، لكن مع نهاية القرن الـ19، نجد بأن عدد الجزائريين تدحرج إلى 2.5 مليون، وهناك يطرح السؤال أين ذهبت الديموغرافيا؟!.. هذا كله لأن الجزائريين إما سقطوا في حروب طاحنة ضد الاستعمار الذي اختار سياسة الإبادة كأسلوب من أجل استقدام مهاجرين من أوروبا وفرنسا، بقصد توطينهم في هذه الأرض، وهم الذين أصبحوا يشكلون ما يعرف بـ “الكولون”... كثير من الجزائريين ماتوا في ظروف اقتصادية واجتماعية عسيرة، ليس فقط إلا لأنهم احتفظوا بمقومات الجزائر على صعيد اللغة والدين والثقافة، هروبا بهذه الهوية وبتقاليدهم وعاداتهم، وجدوا أنفسهم مضطرين للعيش مثلما يسميهم القانون الفرنسي الجائر “الآنديجين” أو ما يعرف بـ«الأهالي”، وهم رعايا في بلدانهم.
 فإذا أردنا أن نقتطع مواضع من الجرائم التي ارتكبها الاستعمار، يكفي أن نتحدث عن إبادة قبيلة العوفية مع بداية الاحتلال في منطقة الحراش، إبادة قبيلة الصبيح في نواحي الظهرة، وما يعرف بمحرقة الفراشيش في 1843، على يد بيليسي، ونذكر الشهداء الذين سقطوا في مدينة الأغواط في ديسمبر 1852، والذين تحولوا مثلما ينعتهم بعض المؤرخين إلى “بلاط” وقد استخدم الفرنسيون في هذه الفترة المبكرة أسلحة محظورة، منها ما يعرف بـ«الكلوروفوم”.
 ثم ننتقل إلى محطة الحرب العالمية الثانية، يوم سقط من الجزائريين 45 ألف شهيد تقريبا، في أقل من شهر، حيث استخدم الفرنسيون كل الوسائل البشعة في إطار حملة إبادة ضد التيار الوطني، الذي بدأ يتصاعد خاصة بعد بيان 10 فيفري 1843، هذه العنجهية تتكرر بشكل مفضوح في الجزائر خلال الثورة التحريرية، ولا أدل على ذلك ونحن في هذه الفترة الزمنية أحيينا الذكرى الـ63 للتفجيرات النووية برقان، وما خلفّته من خسائر، مازالت للأسف الشديد ضحايا يسقطون إلى اليوم بفعل هذه الإشعاعات النووية.
إذن.. سجل فرنسا مكدس بالجرائم، ونحن إذا كنا نحيي هذه الذكرى، فإنما نخلد تضحيات أولئك الذين قدموا أغلى ما يملكون.. أرواحهم.. الرسالة التي يحملها هذا اليوم مقدسة، وعلينا أن نقدس هذه التضحيات، ونتمسك بهذه المكاسب باعتبارها السند الذي يشكل الاسمنت في الذاكرة الوطنية، فنحدد مواقفنا حيال المستقبل في ضوئها.

- كيف يمكننا المحافظة على رسالة الشهداء في ظل الحملات المغرضة ضد الجزائر، ومحاولة تشويه تاريخها ؟

 ساحة المعركة اليوم انتقلت إلى حقل الذاكرة، وهناك مدارس وتيارات ومخططات تحاول النيل من هذه الذاكرة بالنسبة للشعوب، لاسيما مع هذا التطور التكنولوجي الحاصل في العالم، وما استجد من أدوات الاتصال والإيصال، غير أنه يجب أن ننتبه في هذه المعركة على أن الرهان الكبير هو تنمية الوعي، وهذا الأخير لا يكون إلا من خلال توسيع النقاش حول الثقافة التاريخية العلمية الصحيحة. وعلينا كذلك، أن ننخرط بصفتنا مثقفين ووسائل إعلام ومؤثرين، إذا كنا نحمل محتويات تندرج ضمن هذا السياق، من أجل تنمية الوعي، فالمعركة اليوم هي معركة الوعي، ومازالت هذه البلدان التي حصلت على استقلالها بالأمس، تنتظرها تحديات أكبر من التحديات التي عشناها في الحقبة الاستعمارية، لأن عدو الأمس، كان واضحا، بينما عدو اليوم يتحرك من تحت البساط إذا جاز هذا التعبير، وعلى ذلك، فعلينا أن ننتبه إلى أن الرهان الكبير تنمية الثقافة التاريخية والوعي بالنسبة لهذه الأجيال، حتى نتمكن - في اعتقادي - من تحصين الذاكرة، وبالتالي يمكن أن نحدد وجهة الفعل الصحيح نحو المستقبل فيما يحافظ على أمانة الشهداء.

-  هل وفينا الشهيد حقّه من خلال الكتابات التاريخية؟

 هناك جهود جبارة قامت بها الدولة الجزائرية والمثقفون الجزائريون والمؤرخون في سبيل إعادة كتابة التاريخ الوطني بأقلام وبرؤية وطنيتين، يجب أن نفهم أن الفرنسيين عمدوا إلى التشويش على الذاكرة الوطنية، ومحاولة إبادتها مثلما أبادوا الإنسان، وتأسست مدرسة خلال الفترة الاستعمارية وهي تمثل اتجاها فكريا يكرس فكرة الجزائر فرنسية، ويحاول أن يبحث في هذا التاريخ ويصنع التاريخ بالكيفية التي تشرعن الاستيطان، ومن جهة أخرى، تنفي وجود كيان جزائري ودولة جزائرية وفعل جزائري في الماضي، وحتى مساهمة جزائرية في التراث الإنساني.
هذا التيار استمر على فترة امتداد الاحتلال، وأخذ أشواطا متعددة كانت تتكيف بحسب مستجدات كل مرحلة، لكن للأسف الشديد هذا التيار أفرز إنتاجا غزيرا من الكتابات التاريخية التي تقدم تاريخ الجزائر في خطاب مغلوط، على أن الخطاب الذي أنتجته هذه المدرسة يلتف حول الحقائق ويحاول إقصاء دور الإنسان الجزائري.
وبالمقابل، يقدم فعل الإنسان الوافد وهو المستوطن على أنه هو الفعل الإشعاعي، ويعتبر أن كل الفعل الجزائري كان متعثرا أو منتكسا، بحسب ما تقدمه الروايات الفرنسية.. جهود المؤرخين الجزائريين تقوم على مستويين، أولا، هو محاولة البحث عن مصادر كتابة تاريخ الجزائر التي للأسف الشديد تم السطو عليها من طرف العسكريين سواء في فترة الاستعمار أو من طرف أولئك الذين قرروا نقل الأرشيف إلى دور الأرشيف الفرنسية، وكما تعلمون أن هذه الوثائق يتعلق بعضها بفترة ما قبل الاحتلال، وبعضها يتعلق بفترة الاحتلال، وبعضها يمثل ما دوّنه العسكريون الفرنسيون نقلا عن الجزائريين، فيما يعطي الصورة التاريخية للجزائر في تلك المرحلة.
فهذه المادة، للأسف الشديد، مازالت بعيدة المنال عن المؤرخين والباحثين الجزائريين، لكن كإرادة هناك إرادة ثقافية وسياسية من طرف الجزائريين في إعادة كتابة التاريخ الوطني بما يكشف الحقائق التاريخية ويقدم المسار التاريخي وفق منظوره الصحيح، الذي وقع فعلا وليس مثلما أراد الاستعمار أن يصوغه.
أعتقد أن الإرادة موجودة لإعطاء هذا الشهيد حقه، لكننا بكل أسف لم نصل وإلى حد الآن إلى بلوغ المستوى الذي نعطي الشهيد كل حقه في ما قام به سواء في فترة الاستعمار أو أولئك الشهداء الذين سقطوا من أجل الجزائر على امتداد مراحل التاريخ وعلى امتداد الجذور.
هذا هو الرهان الذي ينتظرنا في كيفية تذليل العقبات المنهجية بالنسبة للمؤرخين لاسيما فيما يتصل بالمصادر، واعتقد انه مادامت الإرادة قائمة مثلما خلصنا الجزائر وحررناها من حيث الجغرافيا، كذلك المسؤولية تقع علينا اليوم في تحرير هذا التاريخ من المغالطات والأطروحات، التي كرستها مدرسة التاريخ الاستعماري ويحاول أذنابها اليوم كما قلت السير في هذا الاتجاه.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024