أصداء مجازر ماي في الصحف المصرية

انسجام كامل مع المطالب الإنسانية الجزائرية

تحدث الأستاذ بوفروك، أستاذ قسم التاريخ بجامعة عنابة، عن الدور الذي أدته العديد من الصحف المصرية في فضح الممارسات القمعية الفرنسية في الجزائر، ونقلها للرأي العام المصري والعربي عموما.
سلط بوفروك الضوء على كيفية تعاطي بعض الصحف المصرية من مختلف التيارات السياسية مع مجازر 8 ماي، واختار عينة من الجرائد التي تمثل التيار الليبرالي ممثلة في جرائد “المصري” و«البلاغ” و«السياسة”، وجريدة “الأهرام”، وأيضا جريدة “المقطم”.
يقول الباحث في دراسته إن اختياره لهذه الجرائد كنماذج لإبراز مواقف الناشطين بالساحة المصرية مما يحدث بالجزائر من مجازر وانتهاكات فرنسية بحق الجزائريين، لاسيما وإن هذه المجازر تزامنت مع بروز مصر كقوة عربية تتزعم الوطن العربي وبخاصة بعد تأسيس جامعة الدول العربية في 22مارس 1945، وايوائها لعدد معتبر من الوطنيين.
مطالبة فرنسا بالحقيقة..
وقال الباحث إن صحيفة “البلاغ” حاولت نقل حقيقة ما جرى بالجزائر من قمع وقتل ممنهج من طرف الاحتلال الفرنسي للجزائريين العزل، ونشرت مقالا لإبراهيم عبد القادر المازني، عنونته بـ«حركة وطنية في الجزائر، يجب على فرنسا مواجهة الحقائق”، نقلت فيه خبرا وصلها مفاده ان حزب البيان المعروف في الجزائر بعدائه للفرنسيين اتخذ رجاله من الجبال منطلقا في يوم النصر، وأحدث اضطرابا في إحدى المدن بإقليم قسنطينة، وتسبب في قتل وجرح عدد معتبر من الفرنسيين، وهذه ليست أول غارة يقوم بها هذا الحزب، ولكن أشدها جميعا، يضيف صاحب المقال.
واشارت الجريدة إلى خبر اعتقال زعيم الحزب فرحات عباس، والزج به في السجن بعدما كان محل متابعة من الجنرال كاترو.
واستغربت “البلاغ” من بعض الأصوات، التي تصرح بأن الحزب يتلقى عونا من بعض العناصر الفاشية واصفة إياها بـ«المضحكة والسخيفة”، وتهكم صاحب المقال على هذه المواقف الفرنسية، ودعا الفرنسيين إلى ضرورة الإقرار بالحقيقة والاعتراف بالمطالب المحقة للجزائريين، ليدعو زعماء ميثاق الجامعة العربية إلى الاهتمام بهذه الحركات الوطنية التي لم تنعم بعد بالاستقلال الذي يؤهلها لتكون عضوا في الميثاق، وان يهتموا بتقصي أخبارها ومعرفة تطوراتها والاخذ بيدها لتحقيق الاستقلال.
وعن ردود الفعل عن المجازر الفرنسية في حق الجزائريين، نشرت جريدة “المصري” مقالا بعنوان “أهل شمال إفريقيا يطلبون لجنة تحقيق دولية”، نقلت فيه الجريدة نبأ إذاعة لجنة تحرير شمال إفريقيا في نيويورك بيانا تضمن عزم أهل شمال إفريقيا الطلب من هيئة الأمم المتحدة إيفاد لجنة للتحقيق في أعمال القمع الفرنسية. ونقلت الجريدة أن سكرتير اللجنة أدلى لمندوبي الصحف العربية والأمريكية بحديث وصف فيه حوادث الجزائر الأخيرة ويقصد مظاهرات 8 ماي 1945 بالمجزرة البشرية، وقال: “إن اغتيال 40 ألف جزائري و10 آلاف تونسي يجب أن ترفع إلى المحاكم المختصة لكي يلقى مرتكبوها الجزاء .
ويضيف: “إن الدول العربية وعدت بتأييد اللجوء إلى الأمم المتحدة، وقد حان الوقت لتجسيد ذلك ميدانيا، إن قضية الجزائر والمغرب العربي عادلة، وهي تتلخص في شعب يعاني الطغيان، ويتوق للاستقلال كغيره من الشعوب التي سبقته لذلك”.
ونشرت الجريدة مقالا بعنوان: “حملة عزام باشا على الفرنسيين “، نقلت فيه تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية في المؤتمر الصحفي الذي عقده في المكتب العربي بواشنطن، تحدث فيه عن المجازر التي اقترفتها فرنسا بحق الجزائريين، وأشار إلى أن القوات الفرنسية قتلت 3500 عربي في شهر واحد بالجزائر، واتهم عزام باشا، السلطات الفرنسية برفضها السماح للعرب بالتحقيق في هذه الحوادث، وإصرارها على القيام بنفسها بحفظ النظام، وأوضح أن مركز تلك الثورة مدينة سطيف بمقاطعة قسنطينة.
ونقلت الجريدة أيضا نشاط الوطنيين الجزائريين، حيث نشرت مقالا حول المذكرة، التي قدمها المناضل الشاذلي المكي سكرتير حزب الشعب الجزائري ومندوبه إلى المشرق العربي والي رؤساء المؤتمر البرلماني الدولي، الذي انعقد في القاهرة، جاء فيها:
«إن الشعب الجزائري المقاوم مازال يرزخ تحت الفظاعة، ففي يوم 8 ماي 1945، غداة يوم النصر، قتل الفرنسيون 45 ألف من الجزائريين، وقد تعودت فرنسا أن تتخلص من عواقب هذه الجرائم، وتتلخص قضيتها في كون أقلية أوروبية ماسكة بزمام الأمور في الجزائر، وبقية الشعب فهو يعيش تحت القمع والعنصرية والظلم في مختلف المجالات، وشنت حربا ضروسا على مختلف مقومات الأمة الجزائرية، وبخاصة اللغة العربية والإسلام”.
 وختم مذكرته قائلا إن ما يطلبه الجزائريون هو الاستقلال وتطبيق الميثاق الأطلنطي وميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على حق شعوب المستعمرات في تقرير مصيرها بنفسها.
ونشرت صحف الأحرار الدستوريين مقالا في عددها الصادر يوم 17 ماي 1945، بعنوان “الظلم في بلاد الجزائر”، وهي برقية من برقيات رويترز أشارت فيها إلى الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية الفرنسية بمدينة قسنطينة والقاضي بإعدام 13 متهما وسجن 25 آخرين، واكدت الجريدة على رفض هذه الممارسات اللإنسانية.
من جهتها، قالت جريدة “البلاغ”: “كعضو في الجامعة العربية، لا يمكن أن ترضى ضمائرنا بحال أو تقر قلوبنا بحال أو تقبل عقولنا بحال هذا الوضع الأليم، الذي تضع فيه فرنسا 25 مليونا من إخواننا العرب في الشمال الإفريقي “. وعلقت الجريدة: “كيف تعبث بلاد الحرية بالحرية وكيف تنكرت بلاد الإخاء للإخاء، وكيف تدوس بلاد المساواة هذه المساواة بالأقدام”.
نشرت “البلاغ” مقالا في عددها ليوم 26 جويلية 1945، وسمته بعنوان “اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب”، أدان فيه الممارسات القمعية الفرنسية ضد الوطنيين والمتظاهرين الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية يطالبون السلطات الفرنسية بتنفيذ وعودها تجاههم بمنحهم الاستقلال نظير الجهد الذي بذلوه لدحر قوات المحور بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
وقال: “لما وجدت فرنسا الجريحة الطريحة تحت أقدام الاحتلال النازي.. راحت تصب جام غضبها على الجزائر، فتقذف بطائراتها وبوارجها الجماهير الهاتفة للحرية، المجاهدة في سبيل الحق الطبيعي، بالقنابل والنيران، وتصب عليهم وابلا من الحميم والجحيم، وتطاردهم في كل مكان وتهاجم قواتها 44 قرية إسلامية، وتعتقل الآلاف من أعضاء الجمعيات العاملة المؤمنة، وتحكم المحاكم العسكرية على عشرات من المجاهدين بالإعدام في الجزائر...”.
وخصصت جريدة “المقطم”، مقالا بمناسبة الذكرى الثانية للمجازر بعنوان “يوم الجزائر”، نقل فيه حيثيات الاجتماع الذي أقامه مكتب حزب الشعب الجزائري بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، احتفاء بالعيد الوطني وذكرى مجازر 8 ماي 1945، بحضور شخصيات عربية ومغاربية، وفي مقال آخر بعنوان: “العيد الوطني للجزائر أو ذكرى العدوان عليها “تحدثت عن وضعية الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية وأسباب المجازر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024