مدائن جزائرية

بــرج بوعريريج.. أصالة وحضارة

سهام بوعموشة

يعود تاريخ منطقة برج بوعريريج، إلى العصر الحجري الحديث، حيث وجدت محطات أثرية مثل العلمون، بوصفري.. تحتوي المنطقة قطعا من حجر الصوان المصقول وبعض القلل والفؤوس، وتمّ العثور بإقليم الولاية على آثار تعود للفترة النوميدية، وهي عبارة عن أحجار كبيرة الحجم لمعاصر الزيتون لتدخل منطقة برج بوعريريج مرحلة الاحتلال الروماني بعد هزيمة النوميديين.
مرت على مدينة برج بوعريريج حضارات وأقوام، ويعود أصل التسمية إلى عهد الأتراك العثمانيين عندما استعملوا البرج في المناطق المرتفعة للحراسة والمراقبة. وحسب مصادر تاريخية، كلمة البرج، تعني المكان المرتفع المطل على الجهات المجاورة والمنخفضة.
وقد نسب البرج إلى عروج، وهو الحارس التركي الذي كان يضع خوذة نحاسية فوق رأسه وعليها ريش في شكل عروج الديك وفي شكل خوذات عسكرية خاصة بالحراسة آنذاك، وسميت المدينة بالقلعة أو برج بوعريريج ثم تحوّل إلى التصغير برج بوعريريج، وقبلها كانت تسمى القلعة أو القلاع في المرتفعات.
وقد أطلق الأتراك كلمة برج على مدن عديدة منها برج زمورة، برج غدير، برج مجانة، برج قارة، برج مجاز.
وهناك رواية أخرى تنسب إلى الداي التركي عروج بربروس، بحيث أن الجنود كانوا يضعون ريشة فوق الخوذ لتظهر من أعلى برج الحراسة، وفي كلتا الحالتين فإن أصل التسمية تركي.
برج مجانة، حشم ومقدم تعود أصول الحشم إلى سهل غريس بمعسكر، وهم من العرب وقد جلبهم أحمد المقراني في 1563 إلى منطقة مجانة برج بوعريريج، بعد أن شاركوا معه ومع حسن بن خير الدين، في حملة عسكرية على وهران، وأظهروا شجاعة فائقة في القتال، وقد أصبحوا بعد ذلك يشكلون فرق الحرس الهامة التي استعانت بها عائلة المقراني لتوطيد نفوذها في المنطقة، وتكاثر عدد هؤلاء واستعان بهم الحاج المقراني في ثورته عام 1871.
لكن فشل الثورة جعل الإدارة الفرنسية تقرّر نفي قسم هام من هذا العرش إلى نواحي سطيف، والمسيلة، وهناك أعطيت لهم بعض الأراضي التي انتزعت من أعراش أخرى مثلما حصل مع السوامع بالمسيلة، ما أدى إلى ظهور مشكل عقاري استمرت تداعياته لفترة طويلة.
أولاد مقدم، ينتسبون إلى جدهم مقدم بن علي بن سعيد بن علي بن يوسف، بن داود بن يحيي بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الجبار بن عبد الرزاق، بن عبد الجبار بن مقدم بن محمد بن إبراهيم بن بليكين تميم بن احمد بن إدريس بن إدريس الأكبر.

البيبان ممر استراتيجي

البيبان أو أبواب الحديد، هي ممر استراتيجي بين جبال ونوغة وبابور للربط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب الجزائري.
تميزت منطقة البيبان أثناء فترة الحكم العثماني بامتدادها الاستراتيجي في إمارة بني عباس، وخاصة مشيخة مجانة، حيث التزم الأتراك بدفع إتاوات حق المرور عبر الممر مع تنكيس الأعلام وإخفاء الأسلحة بموجب الاتفاقية المبرمة بين المقرانيين والأتراك، ومازال أحد الممرات أو النفق عليه باب حديدي شاهد إلى اليوم، حيث يبدأ من مدخل حمام البيبان وينتهي في ولاية خنشلة.

نقوش وكتابات تؤرخ للإنسان  الأول بالمنطقة

يوجد بالمنطقة بقايا عديدة وبعض الأسلحة المصنوعة من الحجر، وأوان من الحجر والفخار وبعض النقود والنقوش والكتابات التي تدل على مرور الإنسان البدائي بالمنطقة، وتتواجد هاته البقايا بدائرة الحمادية، ومجانة، ورأس الوادي، وبرج زمرة، وبليمور، ودائرة برج الغدير، والتي تشتمل على العديد من المساجد العتيقة كمسجد أولاد لعياضي، العتيق والجديدة كمسجد البشير الإبراهيمي.
وتزخر منطقة القلة، بغاباتها الكثيفة، وأراضيها الوعرة. وتشتهر أيضا بمجاهديها الذين ساهموا في تحرير الجزائر.
حمام البيبان وابانيان، يقع هذا الحمام في المدخل الغربي لولاية برج بوعريرج، وتحديدا ببلدية المهير، يقدم فوائد كبيرة للمرضى، بفضل المياه المعدنية الطبيعية التي تصل حرارتها لأكثر من 40 درجة مئوية، وهي صالحة لعلاج الأمراض الجلدية، والتهابات المفاصل والعظام والروماتيزم وغيرها.
يوجد ببرج بوعريريج أيضا حمام آخر في الجهة الشمالية وهو حمام “ابانيان” بقرية أولاد حالة، بلدية الماين.
يوجد بقرية الصمة، والتابعة لبلدية بن داود، في أقصى جنوب غربي ولاية برج بوعريريج، موقع اثري للإنسان الأمازيغي القديم والذي عمر بالمنطقة لعقود، وسكن تلك الكهوف والجبال المتواجدة بالمنطقة.
توجد بوسط الصخور جدارية تشبه إلى حدّ كبير جداريات بمنطقة الطاسيلي في الجنوب الجزائري، توجد بها كلمات واسطر كاملة من أحرف “التيفيناغ” مكتوبة باللون الأحمر، صمدت آلاف السنين في وجه الظروف الطبيعية والمناخية الصعبة التي تسود المنطقة، أنه موقع أثري لم يستكشف بعد، ومغارات لم يدخلها أي أحد إلى يومنا هذا، والتي يستلزم دخولها عتاد خاص وحديث، كونها مظلمة جدا، مع احتمال وجود مفاجآت هناك وأخطارا، وحتى وجود حيوانات وزواحف تعيش بداخلها.

زمورة منطقة العلم والعلماء

تشتهر منطقة زمورة، التي تبعد بحوالي 40 كلم عن برج بوعريريج، بالعلم والعلماء، ومنهم الشيخ العلامة أحمد بن قدور، والذي شرح كتاب “سيبويه”، وله تعليقات كثيرة على “مجموع المتون”، والعلامة الشيخ عمر أبي حفص الزموري، ومنهم العلامة الشيخ “علي أبوبكر “، كما أنها تعتبر أقدم من عاصمة الولاية نفسها، والتي تعود للعهد الروماني.
”زمورة” مدينة مغرقة في التاريخ، حيث سكنها الرومان والأتراك ويعيش بها حاليا الكثير من العائلات التركية، تشتهر “زمورة” بمساجدها الكثيرة، ودور العلم، تعد مركزا علميا مهما في ولاية البرج، وقد زارها “ديغول” إبان الاستعمار الفرنسي، وعزز تواجد القوات الاستعمارية هناك لا لشيء سوى لأنها كانت منطقة استراتيجية بالمفهوم العسكري، كما أن الجيش الإنكشاري أسّس أول قواعده بها، وبالجزائر العاصمة وبقسنطينة.
وتشير المصادر التاريخية، إلى الرسالة التي بعثها الباب العالي إلى قائد الجيش الانكشاري بالمغرب العربي، والتي قال له فيها ركز جيشك في ثلاث مناطق وهي “الجزائر وزمورة وقسنطينة”.

زوايا تخرّج منها كبار أعلام المنطقة

تتوفر ولاية برج بوعريريج على العديد من الزوايا والمساجد العتيقة الموجودة عبر مختلف بلدياتها، والتي يمكن استغلالها في إطار السياحة الدينية، حيث لا تخلو مناطق برج بوعريريج من زاوية أو مدرسة قرآنية أو كتّاب.
ومن أهم الزوايا الموجودة بها، زاوية القليعة بتاسامرت، وزاوية سيدي احسن، بغيلاسة وسيدي مخلوف، بالمنصورة والربيعيات والحمادية وعبد الرحمان الجيلالي، بتفرق وزايتا اولاد عبد الواحد بلعيساوي، برأس الوادي، وزاوية أحمد بن علي، ببلدية الرابطة، وقد تخرج منها كبار الشيوخ وأعلام منطقة برج بوعريريج.
إلى جانب ذلك تزخر الولاية بالمساجد العتيقة، حيث يوجد مسجد تيزي اورير، بمنطقة برج زمورة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث هجري، ومسجد اولاد سيدي ابراهيم، الذي بناه الولي الصالح ابراهيم ابوبكر، في القرن الثامن هجري، والذي يعد من المساجد التي بنيت بشكل هندسي مميز ونسيج زخرفي معماري رائع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024