الدكتور أحمد جعفري لـ “الشعب”:

دعامة أساسيـة في بناء الدولـة الجزائرية الحديثـة

حوار: إيمان كافي

تفخر الجزائر بمحطات تاريخية هامة وفاصلة عبر تاريخها الناصع، مثلت دعامات أساسية في بناء الدولة الجزائرية الحديثة واسترجاع سيادتها، من تلك الدعامات والأسس الفارقة، نقف اليوم عند الحكومة الجزائرية المؤقتة بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لتأسيسها، يقول الدكتور أحمد جعفري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة غرداية في حواره لـ “الشعب”.


«الشعب”: هل لك أن تحدثنا عن ظروف تأسيس هذه الحكومة؟
د.أحمد جعفري: إن تأسيس الحكومة المؤقتة بتاريخ 19 سبتمبر من سنة 1959، أحاطته ظروف داخلية وخارجية، جعلت من تأسيسها حتمية لا مناص منها، خاصة إذا علمنا أن مؤتمر الصومام وضع أرضية استباقية للتأسيس، تمثلت في لجنة التنسيق والتنفيذ التي تولى جُلُّ أعضائها مسؤوليات وإدارة هياكل هذه الحكومة.
ففي الداخل ومنذ مؤتمر الصومام، ثم معركة الجزائر، أصبح التنسيق بين قادة الداخل والخارج أصعب ما يكون، كما أن إمداد الثورة بالسلاح والمؤونة أضحى أشد ما يكون صعوبة، يضاف إلى ذلك ما خلفته بعض قرارات مؤتمر الصومام حول أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري، إضافة إلى استشهاد العربي بن مهيدي ومقتل عبان رمضان كعضوين بارزين في لجنة التنسيق والتنفيذ. أما خارجياً، فالوفد الممثل لجبهة التحرير الوطني في الخارج، تم قرصنة طائرته وسجنه. بالمقابل، كان ديغول يدّعي عدم وجود طرف جامع ليفاوضه حول تقرير المصير، كل ذلك مجتمعا، إضافة إلى ظروف أخرى، جعلت من تأسيس الحكومة المؤقتة حتمية لا خياراً.

-  لماذا سمّيت بالمؤقتة ولم تكن نهائية؟
 أمّا عن مدلول مُسمَّى الحكومة المؤقتة وليست النهائية، يعود إلى أن هذه الحكومة جاءت ظرفية لتأدية أهداف محددة هذا من جهة، ومن جهة أخرى إعطاء جانب من الديمقراطية، باعتبارها شملت تيارات جذورها وتوجهاتها كانت إلى وقت قريب معاكسة لجبهة التحرير، ولا أدل على ذلك وجود فرحات عباس على رأس أول حكومة مؤقتة.

-  ما هي الرمزية التي تمثلها؟ وأين نلمس كفاءة وعبقرية أعضائها؟
 إن رمزية الحكومة تنبعث من الظروف التي تأسست فيها والأهداف التي وضعت لأجلها وهي رد ميداني على مناورات ديغول السياسية وجرائمه العسكري. والأكثر من ذلك، نجد أنها تحمل رسالة مفادها، أن الدولة الجزائرية موجودة قبل 1830، وهذه الحكومة تمثل امتدادا وركيزة أساسية في مرحلة التشكل والبناء الجديدة، والتي لا يؤمن فيها الجزائري إلا باسم وطنه وحكومته المدافعة عن كيانه ووجوده.

-  ما هو الدور الذي لعبته هذه الحكومة؟ وما أثره على مسار الثورة التحريرية؟
 لا شك أن الدور الدبلوماسي والتعريف بالقضية الجزائرية يأتي على رأس تلك الأولويات؛ فمنذ إعلان التأسيس سارعت الدول العربية والإفريقية إلى الاعتراف بها ومباركة تلك الخطوة من قبل جبهة التحرير. وقام حينها فرحات عباس بجولات مكوكية قادته إلى عدة عواصم عالمية وإقليمية ممثلا للدولة الجزائرية الوليدة. فمن القاهرة، حيث تم الإعلان عن التأسيس، إلى تونس التي احتضنتها لثلاث سنوات، إلى قبول دعوة الملك المغربي محمد الخامس، ثم زيارة فرحات عباس ليوغسلافيا، فضلا عن مشاركة الحكومة وحضورها لمختلف مؤتمرات عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الإفريقية، إضافة إلى رؤيتها للبلاد المغاربية في إطار تقرير المصير المشترك.
ونلمس أثر الحكومة المؤقتة أيضا، في قبول إدراج القضية الجزائرية في أشغال هيئة الأمم المتحدة.
على الصعيد الداخلي، كانت الحكومة المؤقتة وراء إضراب الثمانية أيام- 28 جانفي 1959، وأيضا وراء إسقاط فكرة الجزائر فرنسية والجزائر جزائرية فيما عرف بمظاهرات 11 ديسمبر 1960.
إنّ الزخم الإقليمي والدولي الذي حظيت به الحكومة المؤقتة، أجبر ديغول على الاعتراف بها ضمنيا على الأقل. كونها أضحت السبيل الوحيد للتفاوض باسم الجزائريين، والأكثر من ذلك أنها تمثل جميع التيارات السياسية والفكرية.
إن إنجازات الحكومة المؤقتة أكبر من أن تُعد وتجسّد ذلك في حضورها جميع المحطات الهامة والتحولات التي عرفتها الدولة الجزائرية المستقلة، من تنظيم جماهيري وتمثيل ديبلوماسي وحنكة تفاوضية.
إن الجهد الذي بذلته الحكومة المؤقتة في سبيل استرجاع السيادة الوطنية وتحت تلك الظروف الصعبة، أحق أن يدرّس للأجيال وأن يستفاد منه في تسيير الأزمات في مجتمعنا اليوم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024