حُـكم عليها بالإعدام مرتين في 1957

”بـايــة”.. الفتاة الـتي أرعبـت الاحـتـلال الفـرنسي

سهام بوعموشة
من اليمين إلى اليسار : باية حسين جوهر أكرور من اليمين إلى اليسار : باية حسين جوهر أكرور

باية حسين، فتاة حكم عليها بالإعدام مرتين في 1957، تعرضت للتعذيب وحشي من جلاديها وهي مراهقة، يذكر التاريخ شجاعتها في المحكمة حينما سألها رئيس المحكمة، لماذا وضعت القنبلة التي قتلت عشرات من بني جلدته، حينها أجابت بكل ثبات جوابا جعلته يتلعثم.  
لقبتها جريدة
“L’echo d’Alger” بـ ”باية المرعبة”، وهي تروي للمحكمة بصوتها الطفولي عن العملية بدون أن ترمش، ودون أن تندم على شيء وتغادر المحكمة بابتسامة بريئة.

تركت مقاعد الدراسة لتلبي نداء الوطن، وتشارك في عديد العمليات المسلحة، ولكن العمليتين الأكثر أهمية الملعب البلدي برويسو، وملعب الأبيار.
قالت في إحدى حوارتها: “وجد كل الجزائريين أنفسهم مقذوفا بهم في الكفاح ضد الظالم، وشعروا أنهم معنيون بالمعركة التي ينبغي القيام بها، لقد ولدنا وطنيين وإحدى أولى العبارات التي حفظناها كانت تحيا الجزائر، والجزائر جزائرية، الجزائر مسلمة”.
أهلها من إيغيل إيمولا كانوا فلاحين بدون أرض، اضطروا للرحيل نحو العاصمة.
ولدت باية حسين في 28 ماي 1940 بقصبة الجزائر، وسط عائلة مناضلة متواضعة جدا، كانت الأصغر لأخوين آخرين، المرحوم محمد الأكبر، وأحمد، يتيمة الأب منذ الخامس من عمرها.
كانت أمها تشتغل في بيوت العائلات الفرنسية لتأمين قوت أبنائها الثلاثة، ترعرعت في نهج الموغوبيين بأعالي القصبة، التحقت بمدرسة مارنقو بباب الوادي.
اطلعت على الواقع الاستعماري منذ سن التاسعة من قبل أخيها الأكبر المناضل، الذي سجن ببول غزال Paul Gazelle الكئيب، مات مشلولا في 1979، بفعل أثار حرب التحرير الوطني.
لاحظ مسؤولو جبهة التحرير الوطني، الذين يناضلون بجنب أخويها ذكاءها وجرأتها، وحبها النضال، فكلفت ببعض المهام الصغيرة كنقل الرسائل والأسلحة في محفظتها الصغيرة، في الوقت الذي كانت ما تزال تلميذة، نقلا عن شهادة عقيلة حسين نشرها عمار بلخوجة في كتابه “باية حسين1940-2000 في قلب جميع المعارك”.
أصبحت بسرعة مكلفة بالإتصال، إلا أن القنبلة الموضوعة من قبل المتطرفين يوم 10 أوت 1956، في رقم نهج 3 نهج تيبت، أحصي حوالي 50 ضحية كلهم جزائريون، منهم النساء، الأطفال والشيوخ.
كانت أول عملية باستعمال القنبلة في ميلك بار  Milk BAR من قبل جميلة بوحيرد يوم 30 سبتمبر 1956، وفي اللحظة نفسها وضعت حسيبة بن بوعلي قنبلة في كافيتريا، وفي شارع موريطانيا من قبل زهور ظريف، وفي 26 جانفي 1956 وضعت جميلة بوعزة قنبلة في الكوك هاردي، وغيرها من الفدائيات.
اتصل بباية وهي لم تبلغ السادسة عشرة، قبلت الانخراط في فرقة الصدام بلا تردد،  وكان سعيد تواتي يشرف على الفرقة.
تعرفت باية بهذه الفرقة على جوهر أكرور، بوعلام رحال، محمد بلامين وحميدة هادي، كانت مهمة الفرقة تتمثل في وضع قنبلتين واحدة في ملعب الأبيار، والثانية في ملعب بلكور.
انفجرت القنبلتان يوم 10 فيفري1957، مثلما كان مبرمجا، وخلفتا وراءهما 10 قتلى وحوالي 50 جريحا، تسعة أيام بعد ذلك أوقف كل أفراد فرقة الصدام.
توصل تحقيق الشرطة بسرعة إلى النتيجة، وعثر على قطع أحد المعاطف الذي استخدم لتمرير القنبلة في مواقع العملية.
بفضل المعطف تمكنوا من التعرف على من قاموا بالعملية، فإحدى القطع كانت تحمل أحد أرقام محل التنظيف على رقعة قماش برقم 1125 .A
مثل الرجال الأربعة لفرقة الصدام أمام المحكمة الدائمة للقوات المسلحة يوم 19 مارس، حضرت باية وجوهر بصفتهما شاهدتين، ولكونهم قاصرتين حوكماتا فيما بعد في ديسمبر.
بقيت في السجن ست سنوات تقريبا، حكم عليها مرتين من طرف محكمة الجنايات المختصة بالأطفال بالجزائر العاصمة، ووهران بسبب المشاركة في معركة الجزائر.و استثنت المقصلة الفتيات المراهقات.
وصلت إلى سجن سركاجي، بعد إعدام أول شهيدين الأخوين فراج وزبانة يوم 10 جوان 1956، وصادف وصولها السجن إعدام فرناند ايفتون في فيفري 1957.
بقيت في سجن سركاجي 19 شهرا قبل تحويلها إلى سجن وهران، كانت الإعدامات خلال الأشهر السبعة الأولى مرة كل شهر عند الفجر.
كان يعدم ثلاثة مناضلين كحد أدنى، وخمسة كحد أقصى، ثم تؤخذ المقصلة إلى وهران أو قسنطينة لتنفيذ حكم الإعدام لمناضلين آخرين، في الأشهر تسارعت عملية الإعدامات جماعة مرة في الأسبوع ليصبح يوميا، طوال شهري جانفي وفيفري 1958، باستثناء الأحد.
تقول باية في رسالة مفتوحة وجهتها إلى رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد في 19 جويلية 1980 عندما كانت نائب بباب الواد:« الطريقة الوحيدة لتسجيل قرارنا بمواصلة المعركة، كانت تتجسد بالنسبة إلينا نحن المساجين في الأناشيد الوطنية والدينية، وخاصة في يوم من إضراب الجوع الذي إذا كان لديكم الصبر على العد تواصل عمليا خلال شهرين دون انقطاع، باستثناء أيام الأحد طبعا جانفي-فيفري “1958.
وتضيف: “هذا الإضراب نفسه عن الطعام سيكون سلاحنا النهائي، لتحقيق مطالبنا الخاصة بالمبادئ السياسية، لم نكن سجناء الحق العام، كنا سجناء سياسيين من جبهة التحرير الوطني، مطالبنا تحققت بفضل التضحيات اللإنسانية، أحتفظ شخصيا ويحتفظ كل الأخوات وكل الإخوة بالآثار المرعبة على المستوى الجسدي والمعنوي”.
حولت باية إلى “كاين” بفرنسا، وفي هذا السجن ألفت أشعارا جميلة غير منشورة، ذكرتها جميلة عمران مين في كتابها” نساء في المعركة”، نذكر منها:
عندما لم يكن أحد يعرف لماذا تم سجننا.. عندما كانت كل واحدة منا لا تعرف بماذا تهتم وأن ذكرياتنا المألوفة تتلاشى وتمحى…وأن كل واحدة كانت تسأل القدر دخلت إلى سجننا…عندما لا شيء بدا في الأفق كان ذلك في “كاين” عندما لم يعد أحد يتذكر كيف كان منزله، كيف كان مؤثثا وحيث كان يتم استخراج الصور لإسترجاع الذاكرة…كانت الصور تختفي في الضباب الأسود من الصحراء ومن المنفى…من السجن من القرميد وحيث البكاء لم يكن سهلا…وحيث أرواحنا شيئا فشيئا صارت عقيمة في ذلك الحين دخلت إلى سجني…عندما لا شيء بدا في الأفق.

شجاعة

يشير المؤرخ بلخوجة في كتابه، أن محاميتها الأستاذة نيكول دريفيس تتذكر يوم المحاكمة تقول: “أمام المحكمة العسكرية يزدحم جمهور قوي، وقد استقبلت في المحكمة بالصراخ”إلى الموت، إلى الموت”، ترافعت مع إعترافي بالجريمة للبحث عن الظروف التخفيفية..

وتضيف: “ كانتا صغيرتين(باية حسين وجوهر أكرور)، إحداهما لم تكن قد بلغت بعد سن الرشد، الرجال الأربعة حكم عليهم بالإعدام، ونفذ فيهم يوم 20 جوان 1957، شهدت باية الفخورة المتمردة أثناء محاكمة رفاقها في السلاح، عندما شرحت الطريقة التي أخفت بها القنابل في شال ربطتها حول صدرها، عنفها الرئيس:

-  هل وجدت هذا أمرا طبيعيا؟.
-  نعم السيد الرئيس، أجابت.

- تصرفت من تلقاء ذاتك، بدون ضغط، لماذا؟.
 لأنه كان لدي إحساس أن عملي سيصلح لشيء ما، لم نقتل سوى عشرة، وأنتم الآخرون تقتلون الآلاف والآلاف، أجابت بشجاعة واحتقار.

قابلت باية بسجن بربروس في انتظار محاكمتها، فتيات لا يكدن يتجاوزن سنها، منهن زهور زيراري، مليكة قريش، زهرة ظريف، جاكلين قروج، أني ستينر، غنية بلقايد، فطومة سليماني، فطومة طالبي، فلة حاج محفوظ، مليكة، لويزة إيغيل أحريز، دانيال مين، كولييت قريقوار(المعروفة كشاعرة باسم أنا غريكي)، وأخريات.
يبقى سجن بربروس، الذكرى الأكثر صدمة وألما بالنسبة إلى هؤلاء السجينات بسبب جناح المحكوم عليهم بالإعدام، عايشن رعب تنفيذ الإعدامات، كن يرافقن بصيحات الله اكبر وبالأناشيد الوطنية شهيد اللحظة.
كان جناحهن يقع في الطابق الأرضي، في نفس مستوى ساحة الشرف المكان الذي كانت تتم فيه الإعدامات، فقد كن يستطعن منذ الفجر سماع باب الساحة الذي يفتح، والشاحنة التي تأتي بالمقصلة.
افتتحت محاكمة باية وجوهر في 22 ديسمبر 1957، مثلت القاصرتان أمام محكمة الجنايات للجزائر، رافعت عنهما المحامية نيكول دريفيس رفقة المحامي روني ستيب.
كادت عائلات الفتاتين الحاضرة في القاعة أن تعاقب من قبل جمهور هيستري، التهديد نفسه طال للمرة الثانية المحامية دريفيس عضو مجموع محامي جبهة التحرير الوطني.
تقول المحامية دريفيس: “ كانت سهرة عيد الميلاد يوم 22 ديسمبر، كنت متأكدة أن المحكمة ستكون رحيمة…لم تكن كذلك وطلبت عقاب الإعدام لهاتين الفتاتين، أما بالنسبة إلي كنت مرعوبة”.
وتضيف: “كانت دائما في ذاكرتي هذه الفتاة المتمردة، والذكية جدا التي كنت أكن لها كثيرا من الحب والتعاطف”.
أصيبت والدة باية حسين التي كانت حاضرة في المحاكمة، بنزيف دماغي عند قراءة الحكم وماتت شهورا بعد ذلك.

جحيم في سجن وهران

في 20 مارس 1958، أبطل حكم الإعدام الصادر في 22 ديسمبر1957، لم تكن محكمة الجزائر مؤهلة لمحاكمة القصر في بداية أوت 1958، رحلت باية حسين وجوهر أكرور إلى السجن المدني لوهران، أين ستعاد محاكمتهما من قبل محكمة للقصر.
حكم عليها في 20 جانفي 1959 بالأشغال الشاقة مدى الحياة، عرفت الجحيم بسجن وهران معزولة في زنزانة رطبة وباردة دون فراش، طعامها الوحيد يوميا قطعة من الخبز وهي تضرب باستمرار، وتشتم.
في إحدى لقاءاتي بالمرحومة جوهر أكرور، أخبرتني بأنهم كانوا ينامون على الخامسة مساء، ولم يكن لهم الحق سوى في ساعة خروج إلى الساحة، أعطي لهم ممرا كبيرا مغطى بالاسمنت الخشن لغسله بهدف إهانتهم.
وتضيف لـ«الشعب” أن أرجلهم وأيديهم تسيل دماء، لكن رغم ذلك يضحكون نكاية في العدو.
لم يكن لهما الحق في أية مراسلة، ولا أي اتصال مع الخارج ولو مع محاميتهما.
وفي الأخير، حولا إلى سجن ميزون كاري Carré Maison بالحراش، وفي 1960 حولت باية حسين إلى سجن كاين، أين كتبت قصائد شعرية جميلة ظلت غير منشورة، بدأت تدرس في سجنها وتحصلت على البكالوريا.
لم تغادر سجن “كاين” إلا بعد إمضاء اتفاقيات ايفيان في 19 مارس 1962، لتستقر في تونس خوفا من انتقام منظمة الجيش السري الإرهابية، وفي آخر جويلية إلتحقت بالجزائر، لتحصل بعد بسنوات على شهادة ليسانس في العلوم السياسية.

نضال..

غادرت باية حسين السجون الفرنسية في 1962، لتواصل بعد استرجاع السيادة الوطنية معركة الكفاح من أجل حقوق المرأة والحق في التعبير.
تزوجت في 1964 وصار لها ثلاثة أطفال، اشتغلت صحافية ثم انتخبت برلمانية في 1979 أم 1977، قادت معركة حقوق المرأة وحق حرية التعبير، عينت في 1988 ملحقة ثقافية بقنصلية الجزائر في بروكسل، توفيت في أول ماي 2000.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024