المختص في القانون الدولي الإنساني.. الدكتور بوزيد سراغني لـ “الشعب”:

مجزرة أكتوبر بشوارع فرنسا.. جريمة دولة كاملة الأركان

إيمان كافي

 تمر 62 عاما على مجزرة 17 أكتوبر 1961 التي ارتكبها محافظ شرطة باريس “موريس بابون”، في ظل الجمهورية الخامسة بقيادة “شارل دوغول”، حيث دعت جبهة التحرير الوطني، الجزائريين إلى التظاهر بباريس، احتجاجا على حظر التجول المفروض عليهم، من 08:30 مساء إلى 05:30 صباحا، فخرج عشرات الآلاف بينهم نساء وأطفال، على الرغم من منع السلطات الفرنسية، لكن الشرطة قمعتهم فاندلعت مواجهات دامية بشارع سانت ميشال، وحي سانت سيفرين، وتكررت المشاهد الدامية في أحياء أخرى من باريس، يقول أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة قسنطينة 1 الدكتور سراغني بوزيد، في حديث لـ “الشعب”.
 أشار القانوني سراغني إلى أنّ كتابات بعض المؤرّخين تذكر أنّ الشرطة اعتقلت نحو 14 ألف جزائري واحتجزتهم في مراكز الشرطة، وفي محتشدات أنشأتها لهم خصيصا، في قصر الرياضات في باريس، وقصر المعارض، وتعرّضوا هناك للاستجواب والإهانة والضرب والتعذيب والقتل، ورحّلت السلطات الفرنسية الآلاف منهم إلى الجزائر.
وأضاف أنّ المجزرة لم تتكشف إلا من خلال محاكمة “بابون”، حيث كلّف وزير الداخلية “جون بيار شوفانمون” لجنة بدراسة وثائق الشرطة التي أشارت إلى أن عدد القتلى من بين المتظاهرين ليس أكثر من 50. وبعد إنشاء لجنة تحقيق أخرى، استخلصت أن عدد القتلى كان 48 شخصا، مؤكّدة أن هذا الرقم “قد يكون أقل” من الحقيقة، بما أنه لم يتم التأكد من أن “جميع الأشخاص الذين رموا في نهر السين عثر على جثثهم”.
ويقول: “لأوّل مرة قدمت حصيلة أثقل في 1991، من طرف المؤرّخ الفرنسي “جون لوك إينودي”، في كتابه “معركة باريس”، الذي أكد أنّ أكثر من 100 إلى 150 جزائري قتلوا، أو اختفوا قسرا، وحمّل الشرطة مسؤولية قتلهم، كما وصف المؤرّخان البريطانيان “جيم هاوس” و«نيل ماكماستر” في كتابهما “الجزائريّون..الجمهورية ورعب الدّولة”، ما حصل بأنه أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر”.
وتقدّر الجزائر عدد الضحايا من 300 إلى 400 شهيد، ألقي بجثث العشرات منهم في نهر السين، فضلا عن المفقودين.
وأكّد محدّثنا أنّ المسؤولين عن الأحداث، مدير الشرطة “موريس بابون”، ورئيس الوزراء “ميشال دوبري”، ووزير الداخلية “روجي فراي” الذين فرضوا الصمت بشأن القضية، وأسقطت جميع التحقيقات القضائية التي فتحت وقتها، وعددها نحو 60 تحقيقا، ومُنع الصحفيون من زيارة المراكز التي كان يحتجز فيها الجزائريّون، وتجاهلت الجهات المسؤولة شكاوى أهل المفقودين في المظاهرات، كما أنّ أحزاب المعارضة السياسية كانت متواطئة في التستر والتعتيم، حيث أنها لم تدن المجزرة.
وبالعودة إلى تاريخ طرح هذا الملف، قال أستاذ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، إن فرنسا لم تعترف بجرائمها في الجزائر، وكانت تسميها “عمليات فرض الأمن”، فقد أنكرت، لسنوات هذه المجزرة. إلا أنه بعد انكشاف المستور في 1999، سارع رئيس بلدية باريس “بيرترون دولانوي”، في 2001، إلى تدشين نصب تذكاري في جسر سانت ميشال، تخليدا لذكرى ضحايا المجزرة، ثم أقرّ بها الرئيس فرانسوا هولاند، في خطابه بالجزائر في ديسمبر 2012، وكان ذلك أول اعتراف رسمي من فرنسا بتلك المجزرة.
وفي بيان بمناسبة الذكرى 60 للمجزرة، وصف الرئيس ماكرون الحادثة بالجرائم التي لا تغتفر، لكن على الرغم من ذلك لم يرق كلاهما إلى مستوى المطلوب، خاصة وأن أيّا منهما لم يقر بعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في تلك المجزرة، أو بدور الدولة فيها، ممّا يفتح الباب أمام ذوي الضحايا للمطالبة بالتعويضات.
واعتبر الدكتور سراغني أنّ أهم خطوة داعية إلى اعتراف الدولة الفرنسية بالمسؤولية عن قتل مئات المتظاهرين الجزائريين في هذه الأحداث، هي التي قام بها النائب عن الحزب الاشتراكي الحاكم “بارتيك بانوتشي”، إذ عرض مشروع قانون يعترف بمسؤولية فرنسا عن المجزرة.
وأكّد المختص في القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، أنّ ما حدث جريمة دولة منظمة، قتل فيها مئات الجزائريين على يد الشرطة الفرنسية، تعاقب عليها جميع القوانين الدولية ولا تسقط بالتقادم، وقال: “إنّنا نطالب بفتح الأرشيف الخاص بهذه المجازر والاعتراف بها كجرائم دولة”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024