تحفظ الذاكرة الفلسطينية مئات الأسماء، لكنها لا تحظى بجنازات ولا قبور، إنهم الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال الصهيوني، في سياسة عقابية ممتدة منذ عقود. وقد ناقشت الإعلامية مريم سليمان هذا الملف مع منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، الأخ حسين شجاعية.
بدايةً، أكّد شجاعية أن الاحتلال الصهيوني يسعى من خلال احتجاز جثامين الشهداء إلى محاولة السيطرة على الفلسطيني حيًّا وميتًا؛ حيًّا عبر الاعتقال الإداري، والتنغيص على الحواجز، والاستيطان، وميتًا من خلال سياسة احتجاز الجثامين، وحرمان العائلات الفلسطينية من حقها الأساسي والإنساني في دفن أبنائها، وفي أن يكون لهم قبور تُزار في الأوقات والمناسبات الدينية.
الاحتلال يحاول الضغط على العائلات الفلسطينية، في محاولة لردع الشارع الفلسطيني عن مقاومة الاحتلال عبر هذه الأساليب، التي ثبت فشلها على مدار سنوات الاحتلال الطويلة. وأكد أن سياسة احتجاز جثامين الشهداء تُعدّ شكلًا من أشكال العقاب الجماعي للعائلات، حيث يمنع الاحتلال آلاف العائلات الفلسطينية من حقها في دفن أبنائها، أو حتى رؤيتهم والحزن عليهم. وبالتالي، هناك مئات العائلات الفلسطينية حتى اللحظة لا تعلم بمصير أبنائها الشهداء المحتجزين، والذين تُقدّر أعدادهم بالمئات، منذ عشرات السنين، في مقابر الأرقام أو داخل ثلاجات الاحتلال.
وعليه، فإن هذه السياسة الممنهجة تستهدف الشارع الفلسطيني والعائلات الفلسطينية، وتندرج بوضوح تحت مفهوم العقاب الجماعي المحظور دوليًّا. وأضاف شجاعية أن احتجاز جثامين الشهداء يُعدّ انتهاكًا صارخًا لكافة الأعراف والمواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف، والقانون الدولي الإنساني، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بل وحتى تعاليم الشرائع السماوية. ففي جميع هذه الاتفاقيات والأديان، ثمة حرمة للميت، ودعوات دائمة لدفنه بطريقة تليق بكرامته الإنسانية. لكن الاحتلال الصهيوني يتجاوز هذه المبادئ كافةً، ويضرب بها عرض الحائط، رافضًا الالتزام بالمواثيق التي تُقرّ بحق العائلات الفلسطينية، وسائر العائلات المنكوبة، في دفن أبنائها وفق ما تقتضيه الكرامة الإنسانية.
أكد شجاعية أنه منذ بداية حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو مناطق 48، شهد عدد الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال ارتفاعًا غير المسبوق. وأشار إلى أن عدد الشهداء المحتجزين الموثقين لدى الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء بلغ 712 شهيدًا، بينهم أكثر من نصف العدد استُشهدوا منذ بدء الحرب.
وأضاف أن هناك تقديرات، استنادًا إلى مصادر صهيونية، تشير إلى وجود أكثر من 1500 شهيد فلسطيني من قطاع غزة محتجزين في معسكر سدي تيمان، إلا أن هذه الأرقام تظل غير دقيقة بسبب غياب المعلومات الرسمية حول شهداء غزة. كما أشار إلى أن الاحتلال سلّم 614 شهيدًا إلى قطاع غزة، دُفنوا في مقابر جماعية كمجهولي الهوية، دون معرفة أماكن احتجازهم السابقة، مما يفتح ملفًا جديدًا يتعلق بالمفقودين في القطاع، ويؤكد تفاقم الأزمة الإنسانية والحقوقية المرتبطة بجثامين الشهداء.
أوضح شجاعية أن من بين الشهداء المحتجزين هناك 65 طفلًا دون سن الثامنة، و10 شهيدات، و80 شهيدًا من الحركة الأسيرة. وأشار إلى أن الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء تعمل حاليًا على توثيق الحالات والتواصل مع عائلات الشهداء، إضافة إلى المتابعة القانونية للضغط على الاحتلال، رغم تعنّته وربطه الملف الإنساني بملف سياسي يتعلق بصفقة تبادل الأسرى في غزة.
كما لفت إلى أن الاحتلال يعرقل الجهود القانونية، وآخرها قرارات باحتجاز جثامين شهداء من مناطق 48، على غرار الشهيد الأسير وليد دقّة، وهو ما لم يكن معمولًا به قبل الحرب. وبيّن أن عدد الشهداء المحتجزين من مناطق 48 ارتفع إلى 11 شهيدًا.
وأكّد شجاعية أنه لا بد أن يكون ملف احتجاز جثامين الشهداء حاضرًا في جميع الفعاليات الدولية والعربية والفلسطينية، لأنه يمسّ كل فلسطيني. فنحن نتحدث عن أكثر من 2200 شهيد محتجز. لذلك، يجب أن يكون هذا الملف على سلّم أولويات المجتمع الفلسطيني، والمؤسسات الفلسطينية، وأصحاب القرار، من وزارات، وقنصليات، ومؤسسات رسمية، خاصة وزارة الخارجية.
وأضاف أن هناك شهداء من جنسيات أخرى محتجَزة جثامينهم لدى الاحتلال الصهيوني؛ منهم ستة أو سبعة شهداء من لبنان خلال هذه الحرب، بعضهم من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إضافة إلى شهيدَين أو ثلاثة من اللبنانيين، وشهيد يحمل الجنسية الأمريكية من أصل مغربي، وآخر كندي. وأكد أن الاحتلال لا يفرّق بين جنسية أو مكان، بل يتعامل مع الشهداء بصفتهم ارتقوا داخل الأراضي الفلسطينية، وبالتالي يحتجز جثامينهم.
وختم بالقول: لقد بات الارتقاء داخل الأراضي الفلسطينية تهمة في نظر الاحتلال. فكل من يرتقي، سواء كان مقاومًا أو لا، يتم احتجاز جثمانه. فعلى سبيل المثال، قبل أسابيع، استُشهد طفل قرب رام الله دون أي ذنب، وكان عمره 14 عامًا، وتم احتجاز جثمانه. كما تم احتجاز جثمان طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف لمدة 11 يومًا.
مشددًا على إنها سياسة تُمارَس على الشعب الفلسطيني، وتكثّفت بشكل كبير جدًا في الآونة الأخيرة.