يا بن الشمس الذي لا يرحل، ألم تفكر يا يسري، أنّ الحروف التي كتبتها ليست مجرد كلمات ستنتهي في صفحة؟
هل كنت تظن أنّ الجثث التي تملأ الأفق هي النهاية؟
هل يمكنك أنْ تظن أنّ رصاصات الطائرات أو شظايا المدافع ستُطفئ نيرانك؟
تظن أنّ الصواريخ ستطويك كما تطوي الزمان، لكنك لست أرضًا يمكن أن تُسلب. أليس هذا ما تعلمته في غزّة؟ أنّ الدماء لا تموت، بل تصير أملًا جديدًا.
هل فكرت كيف أنّ روحك لا تخضع للزمن؟
أتعرف أنك لست جسدًا فقط؟
أنت كلماتك، قلبك، صدى أرضك، وعندما تسقط الأجساد، تظل الكلمات حية، تظل الحروف تتنفس في الرياح.
أتعلم أنه في اللحظات التي تظن فيها أنّ الموت يطرق بابك، ستكون روحك صخرة، وستظل بعينِك، من خلال كلماتك، تسمع صرخات الشعب في الأفق البعيد؟
أين تظن أنك ستختفي، إذا كانت الأرض كلها تحملك؟
هل تستطيع أن تفرّ من عبور الزمن الذي لا يموت؟
يا يسري، لماذا تعتقد أنّ موتك سيُكتب، وأنت الذي لم يُولد إلا ليصنع الحياة؟
ألم تُدرِك بعد أنّ المعركة ليست بين جسد ورصاص، بل بين فكرة وحجر، بين حلم وواقع، بين روح وشظية؟
فهل يظن الاحتلال أنّ بإمكانه القضاء على كل هذا؟
كيف تموت يا من كتبت فلسطين بدمك؟ كيف تختفي وأنت الذي تعلم جيدًا أنّ غزّة لا تعترف بالموت؟
غزّة التي خلقت من الأمل طاقة لا تنتهي. أتعلم، يا يسري، أنّ النهاية التي تتخيلها ليست سوى خطوة على الطريق؟
هل تعتقد أنّ موتك، لو وقع، سينهي هذا الحلم؟ أم أنك تدرك الآن، أنّ الحلم هو الذي لا ينتهي؟
ماذا لو كانت تلك اللحظات التي تخافها هي التي تحدد بداية عهد جديد مع هذه الأرض؟
ماذا لو أنّ كل قطرات دمك التي تظن أنها ستُسحب إلى الأرض، ستُصبح بذورًا لثورة جديدة؟
كيف يمكن لقوة محتلة أنْ تهدم تاريخك؟ وكيف ستجعل الزمان يطويك حينما تصير الحروف التي كتبتها مشاعل تضئ السماء للأجيال القادمة؟
هل تظن أنّ همساتك في قلب التاريخ ستكون مجرد أصداء؟
ألم تُدرِك بعد أنّ الأرض التي أنبتت الزيتون لا تُقتل؟
ألم تشعر أنّ قلبك الذي ينبض مع كل حجر في القدس لا يموت؟
غزّة ستعيد بناء نفسها، والشعب سيبني مستقبله على أنقاض الأعداء، وأنت يا يسري، ستبقى شمسًا لا تغيب، في كل زاوية، في كل حي، في كل مكان.
هل سيكون بإمكان أحد أنْ يسلبك هذا؟ ألم تكتبها على جدران الزمن أنّ غزّة لن تموت، وأنك لم تَكُن يومًا جزءًا من التاريخ الذي يكتب ليمحى، بل جزءًا من الخلود الذي يبقى؟
ألم تدرك يا يسري، أنّ موتك بصمت اليوم هو صدى الفجر القادم؟
كيف يمكن أنْ يموت الصمت الذي يسبق القيامة؟
لا يقتلك الموت يا رفيقي، بل تحيا كلماتك حين تنبت الجراح نوافذ جديدة في جدار الأرض.
هل توقعت يومًا أنّ الصمت الذي تراه اليوم سيصبح صرخة للغد؟
أنت يا يسري، لست ضحية، بل خالدًا. قلمك لم يكتب سوى الحقائق التي يتكلم عنها الحجر والشجر والبحر.
كلما تساقطت شظايا المدافع، نبتت فكرة جديدة، فهل يمكن لهذا الشعب أن يموت؟
الجواب لا، لأنك لم تمت بعد، وكلما اشتد الخراب، ارتفعت الأعمدة مثلما ارتفعت غزّة بعد كل حصار، ومثلما ارتفعت روحك من تحت الركام.
يا يسري، لماذا تظن أنّ المعركة انتهت؟ المعركة بدأت، ولا يتوقف السكون في قلب الأرض إلا بعودة الحياة.
أنت شهدت وأنت الحلم الذي لم يمُت، ولن يموت أبدًا.
يا يسري، كيف للظلام أنْ يُحطم الضوء إذا كان الأمل كله ينبض في قلبك؟
كيف يمكن للخراب أنْ يعيد الأرض إلى الصمت وأنت تزرع الكلمات على جدار الزمن؟
أنت لست مجرد فرد في مسار التاريخ، بل أنت رائحة الزيتون التي تفوح في الرياح، وعين الوطن التي لا تغفل عن الخيانة.
ألم تتعلم يا رفيق الكَدح والقلم، أنّ الشعوب لا تموت إلا حين تُسلب منها ذاكرة مقاومتها؟
لكنك، يا يسري، قد كتبت في قلب كل حجر، في جوف كل شجرة، في عطر كل زهر، أنه لا زوال للذاكرة التي تنبت على أرضك.
حتى لو كان جرحك عميقًا، فالأمل الذي زرعته فيه سيظل يثمر حياة جديدة في كل زهرة تعانق أشعة الشمس.
هل توقعت أنّ لحظات الخوف التي مررت بها ستكون الحروف التي تروي للعالم كيف أنّ غزّة لا تموت؟
حتى وإنْ أظلم الليل في عيوننا، فما زالت نجوم الأمل تُنير دروبنا، وتظل غزّة رغم قسوة الحصار تقاوم ليل الظلم، وتهزّ الأرض تحت أقدام الاحتلال.
كيف يظن الأعداء أنّ الجدران ستقف دون أنْ تسقط؟
هم يظنون أنّ القصف سيكسر الروح، لكنك تعلم يا يسري، أنّ الأرض لا تنكسر، بل تنبعث من جديد.
كل ذرة من تراب غزّة، كل حجر من جدارها، هو شهادة على أنّ الحياة في قلب هذا الشعب لن تُطفأ.
ألم تلاحظ كيف أنّ الموت في عيونهم، هو في الحقيقة حياة جديدة لنا؟
إنّ كل قطرة دم تسيل على أرضنا هي بذرة جديدة في فجر جديد، وكل دمعة تفيض من عين أم فلسطينية هي شمس تشرق في قلب الظلام.
يا بن الشمس، نحن لا نموت، نحن نعيد الولادة، نخلق الأمل من بين الأنقاض، ولا شيء، لا شيء يمكن أن يُطفئ هذه الشعلة.
هل تظن أنّ الحروب ستسلبنا هويتنا؟ هل تصدق أنّ شظايا المدافع ستطمس تاريخنا؟
يا يسري، نحن تاريخ لا يُمحى، نحن رموز لا تُسلب، نحن كلمات محفورة على جدران الزمن.
عندما تتساقط الشظايا تفتح لنا نوافذ جديدة، وعندما تُغلق أبوابنا، تفتح أبواب أخرى مشرعة على الأمل.
غزّة لن تموت، لأننا نحبُّ الحياة، وكلما حاولوا إخماد شعلتنا ارتفعنا مثل الزهور التي تزهر بعد كل ربيع.
نحن أفق جديد لا يُمسح، نحن رواية لا تُنهيها الحروب، نحن حلم لا يُقتَل.
فلتكن أيادي الاحتلال قاتمة، لكنّ عين الوطن لا تنام.
يا يسري، لم تمت، ولن تموت.
قلمك لم يُكتب إلا لتكتب لك الحياة، لتكتب لنا الكرامة، لتكتب لغزّة التي لا تنحني، ولا تختفي.
فلسطين ليست قضية عابرة، هي نهج حياة مستمر، وسردٌ غير منتهي.
كلما قتلوا أنبتنا، وكلما سلبوا كنوزنا بُعِثنا.
الاحتلال يظن أنّ بمقدوره قتل روحنا، لكنّ روحنا هي التاريخ، والتاريخ لا يموت.