في ردهة الصّمت

ليندة كامل

كأن الذين أعرفهم ماتوا....كأن الذين لا أعرفهم أيضا ماتوا... وحدي أصافح الوجوه المتراصة كأكوام الرمل، في صحراء الشرود، هناك وحدي أرى العالم يتلاشى وأنا الذي بدأ يتلاشى في ردهة الصمت. تمر على شاشة بصري صورهم المتنافرة، وجوههم الضاحكة، والمستبشرة، وجوها عابسة وغاضبة، وأخرى متناحرة كل هذا يجري أمامي كـــ «فلاش»  أو ربما كفيلم قصير ثم تأتي النهاية التي تحصر في جثة مسجاة فوق كنبة من الخشب تدثرها البكاء، ولحاف من الحزن بدت لي وسط ذلك الحشد من الناس أنها هي المتوفاة، كيف لا أفكر هكذا؟!  والموت بات سارقا محترفا قد يأتيك في أي موضع أنت فيه وكم كثر الموت المفاجئ يندس ويخطف الأرواح خطفا.
لقد أخبرها أنه «سيرحل» ثم رحل فعلا هل كان يدرك معنى الرحيل حقا؟ لقد تركها في زحمة البؤس وبعقل شبه واع تحاول أن تستدرك الموقف.. الموقف الصاعق والقاسي على أي عقل أن يتحمله تركها وكلها استعداد لعودته لا لرحيله الأبدي، كن يلتفّن حولها ويتبجحن في إعطاء الدروس لتتقبل صاعقة الفقد، وهي شبه واعية تتمتم «اجعله في الجنة»، وكنت أءردد في نفسي، وكيف لا يكون في الجنة وأنت تحملين وزره بعد أن ترك لك كومة لحم، أردت أن أواسيها أو أواسي نفسي، ببعض الكلمات التي راحت تنتحر تباعا بين شفتيّ أمام مقصلة الدموع، وغرقت معها في البكاء على شخص لا أعرفه لا بل عرفته، اليوم، من خلالها تقوي نفسها كي لا تنهار تماما لذاك الحزن المقيت تخبر الحاضرات عن تفاصيل تحدث غالبا قبل موت الشخص يتكرر المشهد مع كل زائرة ويفتح الجرح مع كل كرّ» جهزت نفسي لاستقباله انتظر عودته من الحمام رفقة ابني الصغير، لكنه أبطأ المجيء « حدسها المنصهر في أشغال لا تنتهي لم ينبهّا أنه قد ذهب كي لا يعود أخبرها جارها أنه تعرض لوعكة وهو يداري فجيعته بين طيات لسانه، صوت تلك المرأة وهي تضغط على يدها «لا تحزني ربي اختاره ليختبرك كوني قوّية .. « أي قوّة تلك التي ستجلب لها القدرة على تحمل كل هذا الوجع وسط هذا السواد الذي يعصر قلبها، من أين جاءتك القوّة ! لتكسري الصمت بكلامك ذلك...! من أين لك جرأة الكلام أمام صمت الحزن. كنت أشعر بكل قطرة دمع تنزل من عينيها كنت أبكي معها بل كنت أنا من يبكي أتذكر قسوة هذه الحياة حين تصفعك في عز ابتسامتها لك أراهم كلهم أراها وحدها وأبقى وحدي دونها ألمس هذا الوجع في صمت أتعثر في تفاصيله القاتلة انه الصمت يجعلنا أكثر خشوعا وإنصاتا لمثل هذه المواقف بدل ثرثرة تحدثها الأخريات ربما كن في عرس يرقصن على تعلم الفرح، ينصرف الجميع وأبقى وحدي أنا وهي ننتظر الأيام دونه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024