الوشـــــاح

رشيدة شعيبي

مُسَافِرَة ....بَيْنَ طَيَاتِ العُبُور، تَقْتَاتُ فِي صَبَاحٍ بَارِد مِنْ بَقَايَا نَبْضٍ، تَهَاوَى فِي أَرْضِ الصَمْتِ المَقِيت، بَعْدَمَا ذَبُلَتْ زَنَابِق لَهْفَتِها، وحَصَدَتْ آخِر السَنَابِل مِنْ حُقُولِ البَقَاء، رَمَتْ بِهَا فِي كَفِ خَرِيفٍ أَتَى فِي غَيْرِ مَوْعِدٍ.
مُوجِعُ هُو السَفَرُ بِلَا رُوحٍ اعْتَادَتْ أَنْ تُشَارِكَهَا صَخَبَ الحَيَاة.
تُحَدِقُ فِي إِحْدَى الغَيْمَات النَاحِبَة،
المُشْرَعَة العَيْنَيْنِ، وَفِي خَطَوَاتِ المَدِينَة الحَزِينَة، كَيْفَ تَرْكُضُ إِلَى الخَلْفِ هَارِبَة..
تَنْفُث ضَبَابَ أَنْفَاسِهَا فَيَلْتَصِق بِزُجَاجِ النَافِذَة، تَكْتُبُ بِأصْبَعِهَا السَبَابَة اسْمَهُ عَلَى صَفْحَة الزُجَاج، ثُمَ مَا تَنْفَكُ تَمْحُوه، تَنْتَابُهَا رَعَشَات بَرْدٍ خَفِيفَة، فَتَنْتَفِضُ مِثْل عُصْفُورٍ بَلَّلَهُ المَطَر، تُخْفِي وَجْههَا فِي وِشَاحِهَا الأَزْرَقْ، فَهُوَ الوَحِيدُ الذِي فَضَلَتْ أَنْ تَأْخُذَه مَعَهَا فِي سَفَرِهَا، لِأَنَه هَدِيَةٌ مِنْهُ ويَحْمِلُ عِطْرَه، طَالَمَا رَافَقَهَا هَذَا الوِشَاح وعَانَقَهَا ورَبَّتَ بِحَنَانٍ عَلَى كَتِفَيهَا.
اليَوْمَ تَتْرُكُ كُلَ الأشياء الأخرى وتُغَادِرُ .
ثَلْجٌ أَسْوَدٌ يُكَحِلُ عَيْنَيْهَا، مِلْحُه فِي شِفَاهِهَا، تَتَجَاهَلُه، تُرِيدُ مَرْسَى لِسَفِينَتِهَا التِي مَلَتْ مِنَ شَطَحَاتِ المَّوْجِ بِهَا، خَمْسُ سَنَوَاتٍ مِنَ الوُعُودِ كَانَ هُوَ يَصْنَعُ خُيُوطَهَا وَهِي تَحِيكُ حُلْمَهَا، وعود بَدَأَتْ بِقُدُومِهَا إِلىَ هَذِه المَدِينَة وأَنْتَهَتْ بِمُغَادَرَتِهَا، مَا يَدْفَعُهَا لِلأَمَام أَنَهَا إلىَ جَانِبِ الوِشَاح، أَخَذَتْ مَعَهَا شَهَادَتَهَا التِي ثابرت مَنْ أَجْلِها.
لَمْ يَخُنْهَا عَقْلُهَا مِثْلَمَا خَانَهَا قَلْبُهَا، لَكِنها مقتنعة أن الِإنْسَان لاَ يَحْصُل عَلَى كُل الأَشْيَاء الجَمِيلَة التِي يُحِبُهَا، تُرِيدُ اَن تَعُود إِلَى نَفْسِهَا، تَفْتَقِدُها كَثِيرًا الآن....
تَحِنُ إَلى ثَوبِها الزَهْرِي المُعَطَر بِعَبقِ اليَاسَمِينِ، إِلى ضَحَكَاتِ الطَفْلَة فِيهَا ومَرَحَها، إِلىَ بَنَاتِ الجَيرَان، إِلى فِنْجَانِ قَهْوَةٍ فِي صَبَاح رِيفِّي نَقِّي وهَادِيء
نَظَرَت عَبْرَ الزُجَاجِ لِترَى خَطَوَات المَدِينَة تَبْتَعِد وتَبْتَعِد إلَى أَنْ غَابَتْ عَن نظَرِهَا وسَلَك كُلُ مِنهُماَ طريقاً عكسَ إتجاه، طريقاً مختلفاً.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025