المصباح الساحر

حياة قاصد- مارسيليا

وخرجت في نزهة إلى إحدى الأرياف الفرنسية، كان الجو ربيعيا ساحرا وكأن السماء في صفائها سرقت قطعة من ربيع الجزائر
نسيت غربتي وأنا أغوص في كهوف الانسانية  ..كان المكان تاريخا صامتا والباعة الفرنسيون يعرضون التحف القديمة ويتباهون بما ترك أسلافهم من آثار قيمة، أشياء عديدة أثارت إعجابي .
فعلا كانت مبهرة تلك الحضارة برموزها وكتبها وتحت بريق سماء المتوسط، ذلك البحر العظيم الذي كان ومازال قلب الإنسانية بما تعاقبت عليه أحداث وبطولات وأمجاد، اقتنيت تحفا أحسست أنها قيمة لكن واحدة من هذه التحف ملكت وجداني لقيمتها الإنسانية.  ليست لوحة لفنان معروف تساوي آلاف الدولارات، بل هي سوى رمز بسيط وجدت له مغزى واسع الصدى.
لا حظ البائع اهتمامي المتزايد بهذه التحفة الرائعة وابتسم قائلا: « أحييك سيدتي على ذوقك لا أحد اهتم بهذا المصباح القديم سواك »، وسألني إذا كان هذا المصباح يذكرني بطفولتي مثلا أو بأهلي ..أخبرته أنه في طفولتي كان ولى عهد هذا المصباح.
فكان السعر زهيدا أدهشني ذلك فقلت له: « أنت تبيع زمنا، وتمنحني عصرا بمبلغ لا يمكننا من خلاله اقتناء دقيقة واحدة»، نظر إلى مبتسما ومد يده وقال لي: « أنت تبحثين عن مرحلة لك فيها ذكريات »!، أجبته: « بل أبحث عن عصر كان فيه الإنسان قريب إلى الإنسانية، بعيدا عن التكلف، عن زمن البساطة عندما كان هذا المصباح قلب يلتقي فيه أفراد الأسرة ليتقاسموا النور ويحسون بقيمته.  كان الجميع سواسية في امتلاكهم زجاجة وكأنها مصباح دري، قال لي: « لأنك مختلفة خذي هذا المصباح هدية مني سيدتي».
قلت له: « لقد وهبته قيمة عالية وأنت تهديه ولم تحصر قيمته في قيمة مالية إن قيمته أكبر من ملايين الكون لدي، هو الزمن الذي عبرنا من خلاله أمواجا هادئة لنصل إلى فوضى المحيطات في زماننا البائس بما امتلك من آخر تكنولوجيا الأضواء، بالنسبة لي هذا المصباح كان النور، وأما ما هو قائما الآن فهو أضواء، لكنها فاقدة لجوهر النور».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024