فــي حضـرة غيابكمـا

مدحت صالح - مصر

رائحة البخور تتسلّل إلى أنفي وأنا نائم في خَدرٍ لذيذ، أسمع على البُعد صوت أبي وهو يُرتل سورة الكهف.
يأتي صوت جَلبَه ما مِن المطبخ، أمي تُحَضّر الفطور كعادتها، ويأتيني معها صوت المذياع وهي تستمع إلى حلقة من برنامج من الجانى..
صوت التلفاز عاليًا، أخي الصغير يُشاهد برنامج سينما الأطفال..أخي الأوسط لابد أنه يفعل شيئًا ما كذلك..ما هذا؟
ما كُلّ هذه الأصوات والضوضاء!؟
كيف لي أن أجد طريقي إلى النوم مع كل هذه الضجة!!
تضايقت بِشدة حانقًا، وشُدَتْ أعصابى لأنتبه..وأفتح عينايّ.
لأجدني وحيدًا، والبيت ساكنًا صامتًا كالقبور، فقد رحل أبي منذ أعوام طويلة، وكذلك لحقت به أمي المُسنه بعد أعوام مِن المرض، وأخي الصغير كبر وتزوج وترك البلاد وأيضًا قد لحق بهما..مَرّت الأيام وقد صار من رحلوا أكثر بكثيرٍ ممن بقيَّ، مَر عليّ الكثير وتَغيرت وتَبدلت الأماكن والسنين..وتغيرتُ أنا أيضًا؛ فالطفل صار شابًا والشاب أمسى كهلًا وعُدت إلى هذا البيت مرة أخرى.
سقطت دمعة من عيني..وأُذِنَ لصلاةِ الجُمعة.
كم يكون حاضرنا جميلًا بكل ما فيه، ولكننا لا نَشعرُ بما كنا فيه مِنْ نعمة إلا بعد زوالها..تمتع بحاضرك مهما يَكُن فلا تعلم ماذا يُخبئ الغد.
(وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024