المجتمــع المــدني و معادلـة الدهماء

فتيحة كلواز

بين دهماء وعامة، تاه النضال السياسي ليستقر بين يدي من لا يعرف عنه سوى الصراخ والمعارضة من أجل المعارضة بعيدا عن أية أهداف إستراتيجية للحفاظ على أمن واستقرار البلد، بل الواقع اليوم يعكس النتائج الوخيمة لمنح «الدهماء» كما يسميها أبو حامد الغزالي زمام الأمور من أجل قيادة حركة أو فكر أو تيار، فها نحن اليوم و منذ تسعة أشهر ما زلنا نبحث عن «طيف» أو «شبح» يحرك جماهير غفيرة  في الشارع يومي الجمعة والثلاثاء كنا نعتقد أن جوهره «جزائري» و «وطني».
بعد الخطوة التي أقدم عليها البرلمان الاروبي في محاولته البائسة التدخل في الشأن الداخلي أبان» الشبح» أو «الطيف» عن نفسه لتتكشف ملامحه واضحة وتُظهر إلى العيان بعضا ممن يمثلون المجتمع المدني الباحث عن «التغيير» لنتأكد أنهم مجرد «لعبة خشبية تحركها أيادٍ لها أجندتها الخاصة بمستقبل الجزائر وأمنها، بلا هوية أو روح تلاعب بها من كانوا بالأمس أعداء للشعب الجزائري، أعداء لدرجة أنهم فكروا في إبادته عن بكرة أبيه في 1870. ( قانون كريميو). هكذا وبلا وعي أصبح البعض منهم أهم سلاح تشهره هذه الجهة الخارجية التي تعمل في الظل ضد الجزائر.
الأكيد أن هذا المجتمع المدني الذي وظف لإستراتيجية لا تخدم المجتمع الجزائري في شيء كانت مطالبه الشرعية في جزائر قوية وآمنة مع بداية الحراك في 22فيفري غطاء لمطالبه في الأسابيع الأخيرة والتي تتلخص في مفهوم واحد هو الفراغ ومستقبل بلا معالم، وهو بالضبط ما تبحث عنه بعض الأطراف في الجهة الأخرى من خلال ما تقوم به من مناورات سياسية كان آخرها ما قام به البرلمان الاوروبي الذي ناقش وضع حقوق الإنسان والأقليات وحرية ممارسة المعتقد في الجزائر.
المدهش في الأمر أن البعض ( الدهماء ) ينساق دون وعي منه إلى «نداءات الاستغاثة» التي ترسلها بعض المجموعات من هنا وهناك تحت غطاء «مجتمع مدني» إلى الضفة الأخرى لإنقاذهم من «الغول» الذي يبحث عن وجبة عشاء يكونون هم طبقه الرئيسي والغريب في الأمر أنهم يصدقون قصة هذا «الغول» فيخونون هذا ويتلاعبون بشرف ذاك، يصنعون من «الآخر» بطلا لمرحلة يعتبرونها حاسمة هي بالنسبة لهم إما « استقلال» أو «موت»، ما يمكن اعتباره  تعبير ضمني عن وجود أو لنقل وجود بشري يبحث عن نفسه بعيدا عن الجزائر، وفي هذه النقطة بالضبط تساءل أستاذ علم الاجتماع السياسي محمد طيبي عن الحواضن الحقيقية لبعض القوى في المجتمع المدني في الجزائر؟.
التلاعب الحاصل في الشارع في مفهوم الوطنية التي لخصها البعض في كلمات محددة هي أن تكون «ضد» أي مقترح تنادي به «السلطة» حتى وإن كان بعيدا عن أية حسابات ضيقة، ونكران تام للحركة الوطنية يفسر الهجمة الشرسة التي طالت شخصية الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية في السنوات السابقة حيث وصف» بالماسونية»، وهي من جعلت من مصالي الحاج «خائنا «ومن هواري بومدين «ديكتاتورا»، وهي نفس التركيبة التي جعلت جهاد العربي بن مهيدي محل شك وأسماء أخرى كثيرة تعرضت إلى التشويه حتى وصل بالبعض إلى حد رفع صفة الإجرام عن المستعمر وإلصاقها بالمجاهدين.
العبثية التي وصلنا إليها نعيشها بكل تفاصيلها في كل ما تعيشه الجزائر اليوم تظهر في الإقصاء والتعنت في قبول الآخر، في رفع شعارات تضر بالجزائر كبلد وليس أشخاص أو جهات معينة، في رايات تقسم الجزائر إلى أقليات منحت البرلمان الاروبي اليوم الجرأة للتطاول على الشأن الداخلي، في لغة فرنسية يتكلمها أصحابها للتعبير عما يريده الشعب رغم علمهم اليقين أن اغلب أطيافه لا تتكلمها ولا تتعامل بها لأنها وبكل بساطة بقايا استعمار ما زال يلعب لعبته القذرة تحت الطاولة،.... إن اختلفت أسماء أصحابها من «فرانسوا» إلى «محمد» بقي الهدف نفسه هو جزائر «مسيحية» وإن كان تاريخها يثبت أن شعبها مسلم وإلى العروبة ينتسب،»متوسطية» لإعطائها انتماءً أوروبيا وإن كانت الجغرافيا تؤكد أنها إفريقية، فرنسية اللسان وإن كان لسانها في الواقع يتحدث العربية والامازيغية.
كل ما يجري اليوم نتيجة حتمية لتمييع النشاط السياسي بأن تصبح الدهماء أو الغوغاء العاجزة عن وضع مشروع دولة لاعبا أساسيا في اللعبة السياسية بل وتفرض نفسها كطرف مهم في الحوار الوطني، كل ذلك من خلال رداء «المجتمع المدني» الذي تلبسه ولأنها تعاني العمى والوعي السياسي صارت وعاءً حاضنا لاستراتيجيات وضعها «الآخر» فقط ليواصل مشروع أطلقه أصحابه ذات يوم من سنة 1830 عنوانه» الجزائر امتداد فرنسي».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024