الصالح العام بعيدا عن الأنانية

مبدأ حرر الجزائر وسيحرر الإدارة من فسّادها

فتيحة كلواز

 تعرض لصدمتين كانتا بالنسبة له منعرجا حقيقيا في حياته، جعلتاه ينتقل من مرحلة الطفولة إلى النضج في دقائق قليلة وهو لم يتجاوز عمره حينها 14 سنة.
في لقاء جمعه مع صحفيي «الشعب»، سرد عضو الأمانة الوطنية للمجاهدين صالح بولعوير، الخطوات الأولى للإدارة الجزائرية التي وضعت أسسها الأولى سنوات الثورة، بالرغم من غياب الإطار التنظيمي والهيكلي لها.
اصطدم الطفل صالح مع حقيقة المستعمر الذي ألقى القبض عليه بسبب عملية فدائية، حيث قامت السلطات الفرنسية بتعذيبه ثم أطلقت سراحه بعد تأكدها من انخراطه فيها، صورة أخيه صالح بوجهه المتورّم وأثرُ الكدمات عليه، وضعت نقطة النهاية المعنوية لمرحلة الطفولة ليبدأ أخرى مرتبطة تفاصيلها بالثورة التحريرية.
وما زاد تمسكه بالقضية ووعيه بتحديات تلك الفترة، الصدمة الثانية التي عاشها بعد انتقالهم من المدينة إلى «الدشرة».
وهناك وفي كل ليلة دأب أخوه «بلقاسم» على كتابة الرسائل للمجاهدين، تشبع حينها الطفل بمبادئ الرجولة والشموخ الرافض للاحتلال، لتنمو داخله بذور الوطنية وتزرع فيه عزة الحر على أرضه، فكان الاحتكاك المباشر مع هؤلاء الرجال الذين فضلوا وحشة الجبال وقسوة أحراجها ومسالكها، فقط من اجل الوطن، وهو ما شجعه على الإفصاح عما بداخله ورغبته في الالتحاق بالمجاهدين في الجبال.
كاتب الناحية
لم يعد التحاقه بالثورة التحريرية مجرد رغبة طفل، بل هو إصرار رجل يلح على رفع أثار احتلال دنس الأرض وسلب الجزائري حريته، لتأتي سنة 1958 ويصبح جزءاً من الثورة التحريرية، بعد انتقاله للعيش في العاصمة. هناك وعند بلوغه 16 سنة، بحث بكل جدية في الانتقام من المستعمر، ليصله خبر من الولاية الرابعة، المنطقة الثانية، عن بحث لخضر بورقعة عن مناضلين وعن الراغبين في محاربة العدو في العاصمة، بعد إلقاء القبض على قادة معركة الجزائر، لإعادة إحياء العمل الفدائي بالعاصمة، ليتجند في خلية فدائية هدفها الأول زرع قنابل يدوية في عمليات قريبة من العدو.
بعد اكتشاف أمرها التحق بالمجاهدين بالجبال في الناحية الرابعة بالمنطقة الثانية، ليصبح بولعوير كاتب الناحية الرابعة، حيث كان يجتمع مع المناضلين ليلا لكتابة الرسائل مواضيعها مختلفة، ينقلها مجاهدون يمثلونهم من منطقة الى أخرى. وقال في عرضه إنها كانت إرادة وضع تنظيم خاص بعيدا عن الإطار التنظيمي والهيكلي المعروف حاليا أو الذي وضع بعد الاستقلال مباشرة.
وكانت تصلهم حينها مقررات ورسائل وتعليمات يتم تبليغها بطرق معروفة بينهم وكانت تتكون من مسؤول الناحية ومساعده وممرض وكاتب الناحية الرابعة أو المتحدث، فكانوا يجتمعون في المخبأ يشعلون شمعة، يكتب على ضوئها في كراريس «روديا» صفراء اللون، الى جانب إرسال بعض الماشية للمجاهدين في الجبال، أما عقد الزواج فكانت الظروف لا تسمح بذلك، رغم أن الولاية الثانية كانت تعقد قران الراغبين في الزواج.
الصالح العام... الحل
في سياق حديثه، قال بولعوير إن المجاهدين كانوا يتحصلون على الأسلحة من الاشتباكات مع قوات الاحتلال، لكن كان المستعمر يقوم بتفخيخ الذخيرة حيث تنفجر بمجرد الضغط على الزناد ما يؤدي الى تفجير السلاح وإصابة المجاهد بإصابات بليغة في يده قد يكون البتر مآلها الأخير، فكان هو ورفقاؤه يقومون بتفكيك الرصاص وتفريغها من البارود ونزع المفجر إن وجد، وكان عملا مضنيا ومتعبا، فكل رصاصة من الذخيرة كانت تفكك.
أكد ضيف «الشعب» في حديثه، على ضرورة تغليب الصالح العام على الخاص في الإدارة، لأنه السبيل للحد من الفساد الذي عاث فيها لسنوات طويلة.
كما كان المجاهدون، على اختلاف مشاربهم ومناطقهم، مجتمعين على جزائر واحدة ومقاومة حتى النصر، يجب أن يكون الصالح العام المحرك الأول لكل الممارسات داخل الإدارة الجزائرية من أجل بلوغ الأهداف المرجوة لبناء جزائر جديدة قواعدها الأساسية الشفافية والوضوح.
ولأن تجربته التي خاضها، من خلال توليه مناصب مختلفة في الإدارة، جعلته يقتنع أن الثقة تكفي لتجعل المواطنة السلوك الغالب على علاقة الفرد مع مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة وأن المجهودات المبذولة في الميدان من طرف السلطة تؤكد رغبتها في مد جسور الثقة بينها وبين المواطنين، في معادلة يكون فيها الوطن النتيجة الوحيدة لأي عملية رياضية دقيقة. فإن كان الفيلسوف الرياضي برتراند راسل وضع قانون تساوي الجزء والكل في المالانهاية، فإن الجزائر أسست لوطن لا يموت بموت الرجال ولا يسقط بطعنات غادرة، حبه فطرة يولد عليها كل جزائري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024