الحروب السيبرانية تهدف لتزييف التاريخ

الذاكــرة مهمــة وطــن والكـلّ مســؤول علـــى حمايتهـا

فتيحة كلواز

في لقاء جمع صحفيي «الشعب» مع المؤرخ عمار بلخوجة والدكتورة مريم ضربان، استطاع التاريخ أن يضع «رداء» السرد الممل ليصبح التاريخ بأبعاده المكانية والزمانية والإنسانية والروحية، في كلٍ متكامل غالبا ما يغفل عنه رجل التاريخ في تعامله مع المتلقي، بل هو سبب «الهُوَّة» النفسية بين التاريخ كمادة علمية تدرس في مختلف الأطوار التعليمية، ما أوجد جيلا لا يرى فيها سوى نقطة أو مادة دراسية مملة.

بين الـ»أنا» والذاتية تاه التاريخ وسط فوضى رقمية، لذلك لا بد من الاعتماد على الذكاء الاتصالي حسب الدكتورة مريم ضربان بتكييف الرسالة على زمنها، فقد تحولنا من زمن الخطابات المكتوبة إلى ما نعرفه اليوم من تكنولوجيا وعصرنة، فاستعمال عوامل إبهارية تتناسب مع زمن الرقمنة يرفع عن التاريخ صفة «الملل» التي تنفر منها كل راغب في التاريخ، وحتى تساير الذاكرة البصرية مع ذاكرة الخطاب.
ورشات الهوية حيث يؤكد العلماء أنّ المعلومات تترسخ في ذهن الطفل عندما نتقمصه وجدانيا، بأن يشعر بأنه جزء من تلك الحالة، لأنّهم في عمر يحتاجون إلى الملموس ومعايشة تلك الظاهرة بلمسها، فنأخذه إلى الأماكن الأثرية وإلى مختلف المناطق المسقية بدماء الشهداء وكانت مسرحا مفتوحا على جرائم استعمارية يندى لها جبين الإنسانية، فكلما قارب الطفل تقمصه الوجداني من المحسوس كلما شعر بانتمائه أكثر، ويجب تكييف الرسالة حسب الجمهور المُخاطب.
في ذات السياق، قالت ضربان بضرورة تكييف الاحتفالات بالمناسبات التاريخية بالاتصال الحدَثي، من خلال إبعادها عن سياسة المطرقة في الاتصال أو السرد الممل، خاصة ونحن على مقربة من الاحتفال بستينية الاستقلال ومحطة مهمة من تاريخ الجزائر المعاصر.
عن حالة الاغتراب التي يعيشها الأجيال بعيدا عن المواطنة والوطنية بسبب التكنولوجيا، أوضحت المتحدثة أنّ الجيل الخامس والسادس حول المجتمعات إلى أفراد وأصبحوا يتباهون بالفردانية والكل يشعر أنه فرد وملك نفسه، واصفة حروب الجيل الخامس والسادس بحروب تريد استفراغ المواطن من قيمه وهويته وتاريخه وكل ما من شأنه أن يبني ذاته، لملئه بما يشاؤون.
فقد بدا الأمر بالتشكيك في زعماء وأسماء صنعت صفحات مشرقة من تاريخ هذه الأمة، لإحداث قطيعة بينه وبين الشهداء والماضي ككل ببراغمتية المقاييس، بإلغاء المجايلة وحديث الجد مع أحفاده وأفراد عائلته بسبب تفكك الأسرة، مؤكدة وجود فراغ لا بد من تعبئته عن باستغلال كل ما هو متاح.
وعن المتاح قالت الدكتورة أنّ التكنولوجيا أولها وما استغلته فرنسا لتأسيس سادية لجرائمها نستغله في فن إدارة الحنين، لأنّ الحنين المفرط وذكر مراحل تاريخية بكثرة يدل على وجود عدم تصالح مع الذات والحاضر، بالإضافة إلى الابتعاد عن وجدنة الأخبار خاصة في وجود مواقع تواصل اجتماعي تجعل من مستعملها مجرد سلعة.

الاعتراف أولا
في تدخله، قال المؤرخ عمار بلخوجة أنّ تقارب الشعوب لا يكون على حساب أيّ شعب، فرنسا الرسمية تدعو في كل مرة إلى تقارب جزائري وفرنسي بتجاوز مشاكل الذاكرة أو الحقبة الاستعمارية التي تسميها فرنسا بـ»حرب الجزائر»، لكن يوجد فرق كبير بين الذاكرة الجزائرية والفرنسية.
فالأولى مرتبطة ببطش واعتداء وحشي على شعب أعزل سلب أرضه وحريته وأصبح بين ليلة وضحاها مجرد «أنديجان» على أرض لا تعترف بغيره صاحبا لها، بل تلونت تفاصيلها تشبعت بدماء سالت على مدار قرن و32 سنة، أما الثانية فهي ذاكرة مرتبطة باعتداء وعنف تمجد جرائم استعمارية صنّفت كجرائم ضد الإنسانية، بل هي ذاكرة شرعنت تعذيب الجزائريين واستباحت قتلهم.
ولعل تصويت البرلمان الفرنسي في 1956 على قانون الصلاحيات الخاصة، يمنح السلطة الموجودة في الجزائر كل السلطة لاستعمال كل الوسائل القمعية ضد ثورة التحرير والشعب الجزائري، لذلك لا بد من تصفية الحسابات قبل المرور إلى مرحلة الصداقة بين الشعوب، والاعتراف بالجرائم الاستعمارية، لكن في المقابل كرمت فرنسا الاستعمارية الحركى بأوسمة استحقاق نظير خدماتهم لفرنسا ضد وطنهم وشعبهم.
وهو استفزاز واضح لا يمكن قبوله، حسب المؤرخ لذلك قبل عقد اتفاقيات الصداقة بين الدول يجب أن تشفى دول الاستعمارية كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا واسبانيا من داء قديم «الاحتلال» والاعتداء على الشعوب وحب تملكهم، بالابتعاد عن «النوستالجيا الكولونيالية».
وقال بلخوجة بضرورة الفصل بين المواقف السياسية، وتقبل التاريخ كما هو بكل ما فيه من أحداث ففي ثلاثين سنة كان هناك تخوف كبير من التاريخ، وننظر إلى الثورة كقيمة بكل ما عرفته من أحداث، إلى جانب إعطاء المناسبات التاريخية وإبعادها عن المناسباتيه فلا يجب الاحتفال بالحدث فقط.
ستورا كان مستشار التاريخ للرئيس ميتيران ثم يصبح بطريقة سهلة مستشارا لماكرون تجرأ على إعطائنا دروسا في التاريخ بالقفز بشطب كل ما له علاقة بالجرائم الفرنسية السادية في الجزائر، فقد كتب التاريخ بتلاعب وتحايل كبير، ولعل ما قام به الفرنسي مارسال ادموند لايجلان 1949 الذي نصب له تمثالا في منطقة «كاش-رو» وأصبح ينشر بأنّ الأمير من أوفياء السلطة الفرنسية ويحب نابليون الثالث، وهو ما جعل الحركة الوطنية تحارب هذه الأكاذيب، هو نفس ما يقوم بع ستورا.
وأكد بلخوجة ضرورة أحداث قفزة تاريخية كمجتمع مدني وسلطة وشعب في مختلف مناطق الوطن لأنّ كلّ واحدة منها تشربت دماء الشهداء، المهمة ليست منوطة بالسلطة فقط بل الجميع معني بها لأنّها مهمة وطن. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024