فواعل المجتمـع المدني مدعــوة للمساهمـة فـي إفشـال المؤامـرة
يؤكد الأكاديمي المتخصص في الميديا الجديدة جامعة باتنة 1، البروفيسور ميلود مراد، في حواره مع “الشعب”، أن الجزائر تتعرض لمؤامرة من دول لم تهضم القرارات السيادية لبلادنا وقطعها لأي وسيلة من شأنها أن تضعها تحت وطأة الخنوع، ما يجعلها مستهدفة في قيادتها ورموزها ومشاريعها الاستراتيجية من خلال ما ينشره الذباب الإلكتروني من أخبار كاذبة تسعى من خلالها جهات معينة إلى ضرب استقرار الجزائر السياسي والاقتصادي والمجتمعي وزعزعته وإثارة البلبلة، وهو ما يستدعي وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة للتصدي لها يشارك في تنفيذها مختلف الفواعل من مؤسسات الدولة ومنظمات مدنية.
- تتعرض الجزائر في الآونة الأخيرة إلى حملة مسعورة من الأخبار الكاذبة والمغلوطة؟ ماهي قراءتكم لما يتداول وما الأهداف المرجوة من ورائها؟
البروفيسور مراد ميلود: الذباب الالكتروني أو الأخبار الكاذبة “ الفايك نيوز” موجودة وتستهدف الجزائر منذ وجود الانترنت، ولكن في الآونة الأخيرة وتحديدا في الثلاث السنوات الأخيرة تسارعت وتيرة نشر هذه الأخبار الكاذبة التي تروج لسياسات خاطئة تشكك في المسؤولين الجزائريين، تفبرك أخبار معادية عن رئيس الجمهورية ومضادة لسياسة معينة حتى تؤلّب الجماهير، وتعمل على استغلال الأحداث الموجودة في أي بلد آخر من أجل تأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، ضد بعض الوزراء، والمسؤولين، وإثارة البلبلة.
والملاحظ أنه دائما ما تكون هذه الاخبار الكاذبة قادمة من وراء البحار أو من دول جارة، مقارنة بتلك التي تروج من داخل أرض الوطن فهي قليلة جدا، وهو ما تثبته تحريات البحث لدى تتبعها، خاصة وأن الأفراد المروّجين لهذه الأخبار بالداخل لا يتحكّمون في التكنولوجيا ولا يتقنون استغلال منصات التواصل الاجتماعي، وفي الكثير من الأحيان نجدهم يتشاركون معلومات وصور مفبركة ولا يعرفون أنها كذلك.
ويجب أن نعلم اليوم أن أقوى الدول تستعمل الذباب الإلكتروني وتوجيه الرأي العام وفق استراتيجية محددة الأهداف، وهي نفسها الاستراتيجية الممنهجة التي تتعرض لها الجزائر لضرب استقرارها الاقتصادي والسياسي والأمني وزعزعته، من خلال نشر الأخبار الكاذبة وطرح الشك في نفوس الجزائريين، آخرها حادثة سقوط حافلة في وادي الحراش، تصريحات مفبركة لبعض الشخصيات الوطنية.
- ما هي انعكاسات هذه الحملات على الرأي العام الجزائري، وعلى ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وعلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي أو الاقتصادي للجزائر والمساس بصورتها دوليا؟
على المواطن الجزائري أن يعي جيدا أن نظرية المؤامرة موجودة وهي حتمية واقعية والجزائر اليوم تتعرض إلى هجمات سيبرانية وأخبار كاذبة تأتي من وراء البحار عن طريق الذباب الإلكتروني عن طريق أجهزة مخابراتية من دول جوار ودول ما بعد البحر الأبيض المتوسط.
اليوم لا بد من التسليم بأن الجزائر تتعرض إلى حرب سيبرانية أساسها وعمادها الأول الأخبار الكاذبة، وهذا راجع لعدة أسباب من حيث أن بلادنا اليوم لديها من المقومات غير المتوفرة في دول أخرى فهي تتمتع باستقلالية اقتصادية بفضل اتخاذها حزمة من القرارات والإجراءات للحد من الاستيراد والتبعية.
إلى جانب أن الجزائر الجديدة اليوم تسير بصفر مديونية وتتمتع بأكثر انفتاح كما أن القيادة الجزائرية برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعدت علاقتها مع الشعب الصورة النمطية للرئيس والمرؤوس، حيث أن كل الشعب ينادي رئيس الجمهورية بـ “عميّ تبون” على درجة القرابة هذه الصفة التي أطلقها المواطن الجزائري دليل على قربه له.
يضاف إلى ذلك أن الجزائر اليوم تعرف نهضة في قطاع التعليم العالي في المؤسسات الناشئة، وانفتاحا كبيرا بعد التخلص من هاجس الاستيراد في جميع مناحي الحياة من القمح وغيرها من والأشياء التي كانت تستورد سابقا.
وبالتالي، فالجزائر مستهدفة في هذه اللحمة الوطنية التي بين أطياف المجتمع الواحد، خاصة وأنها تعيش استقرارا كبيرا جعل الدول المعادية أو الدول التي تكنّ عداوة للجزائر ولا تستطيع الدخول إليها عن طريق الحدود البرية أوعن طريق الرصاص وطرق ووسائل أخرى، فلا سبيل لهم اليوم إلا الدخول عبر هذا الإعلام الوافد الذي تحركه لوبيات أو الذباب الالكتروني.
اليوم لا بد أن يقتنع المواطن أن هناك مؤامرة تستهدف الجزائر بضرب استقرارها وزعزعته والتشكيك في مؤسساتها ورموزها وإثارة النعرات الطائفية من أجل عدم استقرار البلد والزج به في صراعات قد تؤدي إلى دمار الجزائر.
وتعود هذه الحملة من الأخبار المفبركة المتتالية لكون أن الجزائر اليوم أصبحت لها مواقف سيادية ولا تتراجع عن مواقفها سواء في تعاملها مع فرنسا أو مع دول الجوار أو مع دول إفريقية، حيث أصبحت تتسم بالندّية في تعاملها مع الدول الأوروبية في المنفعة، وفي تغيير الأسواق إلى غير ذلك، فاليوم الجزائر أصبحت تشكل خطرا كبيرا لأنها رفضت الخنوع في قراراتها التي تنبع من القرار الداخلي ومن السيادة الداخلية وباسم الشعب.
وسائــل وأساليــب متعــددة لضــرب استقـرار الجزائـر
- ما هي أبرز الأساليب التي تستخدمها الجهات المسؤولة عن نشر الأخبار المفبركة وممارسة التضليل الإعلامي؟
أصبحت هذه الأخبار الكاذبة حرب ممنهجة تشرف عليها مخابرات دول بهدف زعزعه الاستقرار الجزائري والتشكيك في رموزه في سياسته في اقتصاده واستغلال كل الظروف الحياتية للمجتمع الجزائري، والتي هي موجودة حتى في الدول الأوروبية ومحاولة التشكيك في النوايا، في الأحزاب السياسية، في الاستراتيجيات المطروحة والمرسومة لتحسين وتغيير الأوضاع لما هو أحسن.
وهي حرب ممنهجة ومستمرة كما قلنا، فالأخبار الكاذبة غير الممنهجة تجدها تظهر فترة معينه فقط وينطفئ بريقها، مقارنة بـ “الفايك نيوز” التي تأتي متوالية وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية السياسية العسكرية وفي أوقات متقاربة وممنهجة، ما يشير إلى تحالف لوبيات وتنصيب مخابر مركزة تركيزا كبيرا على الجزائر لزعزعة استقرارها.
التصدي والمجابهة مسؤولية الجميع
- ما هي الاستراتيجية التي على الدولة اتباعها لمواجهة هذه الحرب والتصدي للأخبار المفبركة؟ والآليات الكفيلة بتحقيق ذلك؟
طبعا مجابهة الأخبار الكاذبة تستدعي استراتيجية متكاملة وشاملة، ولكن هذه المسؤولية ليست على عاتق الدولة ومؤسساتها فقط، بل يتعين انخراط كل فواعل المجتمع الجزائري المساهمة في ذلك، سيما مؤسسات المجتمع المدني، بداية بالخطاب المسجدي، وسن مقاييس معينة تربوية وتعليمية في المدارس الابتدائية والجامعات حول التربية الإعلامية، وكيفية تربية النشء على تلقي واستخدام هذه التكنولوجيا.
بالإضافة إلى الأدوار الأخرى الكبيرة لمؤسستي الأمن والدرك الوطنيين، والتوعية والتحسيس بمخاطر استخدام أو تداول الأخبار الكاذبة، وكيفية التحقق منها، سواء تعلق الأمر بالصورة أو الخبر، وإذا ما كان حديث الصدور لأن هناك أخبار قديمة يعاد نشرها من خلال فبركة بعض الصور من دول أخرى ونسبها إلى الجزائر وهكذا...، ناهيك عن الإكثار من اللقاءات الجمعوية، الملتقيات العلمية، واللقاءات الجوارية، فلا بد من توضيح للرأي العام من خلال ما ذكرته سالفا بالبرامج التي تظهر مدى نجاعة الأخبار من عدمها.
- هل تعتقد أنه بات من الضروري تحيين السياسة الاتصالية بالجزائر لضمان أكثر شفافية ودقة في متابعة الأخبار الزائفة ووضع حد لها؟
اليوم أصبح ضروريا تحيين السياسة الاتصالية في كل المؤسسات، انطلاقا من البلديات الدوائر، حيث لابد أن تكون وظيفة في المؤسسات تعنى بالإدارة الاتصالية أو ما يعرف بالاتصال المؤسساتي، حيث يتعين تجنيد أفراد يتولون إدارة العملية الاتصالية في كل مؤسسات المجتمع، وتتولى تنوير الرأي العام المحلي العالمي وتوضح صدق المؤسسات واستراتيجيتها.
فاليوم نحن بحاجة إلى اتصال مؤسساتي حقيقي يقف وراءه أشخاص ومديريات أو مصالح في كل المؤسسات والجمعيات تعنى بالاتصال الفعال والناجع الذي يحسن صورة المؤسسة خارجيا ويدافع عنها في نفس الوقت.
المجتمــع المـدني..عنصر فعّال في التوعية
- ما هو دور المنظمات المدنية في التوعية ومكافحة التضليل الإعلامي، وتعزيز الوعي لدى المواطنين؟
لا شك أن دور المنظمات المدنية والمجتمع المدني في التوعية من التضليل الإعلامي كبير جدا ويمكن أن يكون أكثر من الأدوار الأخرى، انطلاقا من كونها الأقرب للمواطن، وهي التي تحتك احتكاكا مباشرا بالمواطن، ولذلك لابد أن تكثف خرجات الدورات التكوينية، اللقاءات الجوارية التوعية عبر وسائل الإعلام التوعية حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي بحكم أنها أكثر استخداما للملصقات والفيديوهات فكل وسائل الاتصال متاحه من أجل التوضيح للرأي العام المحلي، ولمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي باستهداف الجمهور الافتراضي، ما هي حدود الأخبار الكاذبة والأخبار الصحيحة، ما هي آليات الكشف عنها قبل أن يتم يتداولها ويتكلّم عنها المواطن، بحيث لا بد أن تكون هناك حملة كبيرة جدا موجهة للتعريف بالأخبار الكاذبة وبمخاطرها.