موسوعة فنية صنعت أفراح الجنوب الغربي

عين الصفراء تستذكر العازف الشيخ لحبيب

النعامة: محمد أمين سعيدي

 حلّت الذكرى الرابعة لرحيل أحد أهم الشّخصيات بمنطقة الجنوب الغربي الجزائري، شخصية فنية سخّرت نفسها لخدمة التراث الشعبي الأصيل خاصة بمنطقتي الساورة والنعامة، فنان احترف مهنة العزف على آلة الغايطة فصنع بها البهجة والفرحة في جل أفراح المنطقة، خاصة ببلديتي عين الصفراء والصفيصيفة بولاية النعامة وحتى المناسبات الوطنية والدينية.

 فنان عرف كيف يحرّك أحاسيس ومشاعر فئة كبيرة من المجتمع، داعب العزف على آلة الغايطة التي كانت رفيقته لأكثر من 50 سنة، فاكتسح بها عالم الفن بالغرب والجنوب الغربي الجزائري، وأصبح هو ملكها رغم كل الظروف التي أحاطت به وانعكست على عالم الفن والتراث الشعبي الأصيل في ظل غزو الموسيقى الصاخبة، فأصبح محل طلب لإحياء أفراح المنطقة بهذه الآلة الموسيقية التقليدية البسيطة، بل أصبح مطلوبا حتى خارج الحدود خاصة بالشرق المغربي.
«الغايطة» رفيقه الدّائم
 إنّه الفنان الكبير وملك «الغايطة» الشيخ لحبيب اسمه الأصلي شادل لحبيب من مواليد 1926 بالعين الصفراء ولاية النعامة، تعلّم العزف على آلتي القصبة والغايطة على يد عمه وهو في ريعان شبابه، تنقّل إلى ولاية بشار أين أسس فرقة فنية محلية، تزوج سنة 1948 ببشار فأحيا زفافه بنفسه مع فرقته، وأصبح يبدع في العزف على هاتين الآلتين، خاصة بعد شرائه لآلة الغايطة سنة 1958 من أحد العازفين المعروفين بمنطقة غرداية حيث كان يحيي حفلا ببشار.
ومع فجر الاستقلال شارك الشيخ لحبيب في الاحتفالات بهذا النصر العظيم سنة 1962 في أول حفل فني له، وهنا أصبح صيته ينتشر شيئا فشيئا وأصبح بآلة الغايطة يعزف عدة طبوع محلية فنية منها: رقصة العلاوي التي تشتهر بها منطقة الجنوب الغربي، رقصة النهاري التي تشتهر بها منطقة أولاد نهار بتلمسان، الرقادة التي تشتهر بها عدة مناطق من الشرق المغربي خاصة منطقة بركان المغربية، ورقصة الحيدوس أو الصف المعروفة به مناطق الجنوب الغربي الجزائري والشرق المغربي..إلى جانب عدة تقاسيم بدون دف أو بندير تلقاها من الفنان المغربي حمو قاسو من منطقة «ييش».
إحياء التّراث المحلي
للإشارة، تتشكّل الفرقة الخاصة بالغايطة غالبا من الرئيس الذي يعزف على آلة الغايطة برفقة مساعدين أو ثلاثة على الأكثر، يضربون على آلة الدف أو البندير، وقد عمل معه في البداية الشيخ جيلالي شاطر من بلدية تيوت سنة 1968، وكحيل المجدوب سنة 1971 من عين الصفراء، الذي واصل العمل معه إلى غاية اعتزاله الفن وواصل بعد رحيله العمل مع ابنه الذي انتهج مسيرة والده، كما أن العازفين على آلة البندير يجب أن يجيدوا حساب الرقص أو الرشم مثلما يعرف، وهي حركات يقوم بها الراقص تتمثل في حساب العريشة (من 01 إلى 06 درجات أو ضربات)، وحساب السبايسية كذلك يتم التفاهم عليها بين الراقص والعازفين على آلة البندير.
كما يتولى الشيخ لحبيب تقديم الراقصين من الرجال، وتقديم تحياتهم وتهانيهم بهذه المناسبة أو هذا الفرح، مثل منشط الحفل أو مقدمه، وقد تعامل كثيرا مع الشاعر قبوشة محمد الذي أضاف لهذه الفرقة نكهة خاصة، لا سيما وأن أشعاره أو تهانيه كان يغلب عليها الطابع الفكاهي، وكان يشتهر نشاط هذه الفرقة خاصة في الفترة الصيفية موعد الأفراح، وبالضبط من شهر مارس إلى أكتوبر.
وعلى الفنان أو العازف أن يكون بلباس تقليدي محلي يعطيه هيبة ووقار، وهو عبارة عن عباءة صفراء (نوع التيصور) والعمامة أو الحواق خاصة التي تشتهر بها منطقة سيدي بلعباس ذات لون اصفر ذهبي، وسروال عريض..كما يجب على رئيس هذه الفرقة وضع رزنامة خاصة بمواعيد الدعوات الموجهة له، حتى لا يتخلف عن أحدها أو يبرمج موعدين في وقت واحد، حيث كان يحرص هو بنفسه على موافقة إحياء هذه الحفلات والانضباط فيها حتى لا يفقد ثقة محبيه، وهو ما جعله محبوبا من طرف كل سكان المنطقة بل وحتى من المناطق المجاورة كولايات بشار، سعيدة، البيض وتلمسان.
الشيخ لحبيب كان من خلال انتهاجه لهذا النوع من الفن وهو العزف على آلة الغايطة يهدف إلى إحياء التراث المحلي والمحافظة عليه، ولم شمل الأهل والأحباب، خاصة السكان المجاورين في مشاركة ابن حيهم فرحته من خلال السهرة المقامة، والتي غالبا ما تمتاز بالتضامن من خلال جمع مبلغ من المال للعريس، إضافة إلى تشجيع الشباب على الزواج.
شيخ عاشق لفنّه
عرف عن الشيخ لحبيب بأنّه إنسان طيب ومتواضع، يحب الصمت كثيرا ويعشق فنه، حيث كان يوصي ابنه شادل محمد بضرورة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي النادر، بعد أن علّمه أصول هذا الفن، على أمل إكمال مشوار أبيه خاصة بعد اعتزاله هذا الفن سنة 2008، وبذلك انتهج الابن شادل محمد طريقة أبيه وحافظ على أهم مساعد له، وهو الفنان كحيل مجدوب (العازف على آلة البندير)، فيما أدى تقدم السن وتدهور صحة الشيخ لحبيب إلى الابتعاد عن الساحة الفنية إلى أن فارق الحياة في 24 - 12 - 2017 تاركا وراءه إرثا ثقافيا وموسوعة فنية عمرها 51 سنة، مازالت تؤدّى معالمها في إسعاد وأفراح عرسان المنطقة، لتمر اليوم أربع سنوات على رحيل هذه الموسوعة الفنية التي صنعت أفراح سكان الجنوب الغربي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024