في الوقت الذي يتصاعد فيه التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، تبرز تحولات جديدة في المشهد، تتجاوز البؤر العشوائية والمخططات الهيكلية، لتصل إلى مرحلة تحويل المواقع العسكرية للاحتلال الصهيوني إلى مستوطنات رسمية، كما هو الحال في مستوطنة في جنوب محافظة الخليل.
وكان الاحتلال الصهيوني قد قرّر، نهاية شهر ماي الماضي، بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، من بينها ثلاث مناطق عسكرية مقامة على أراضي المواطنين في الخليل، وبيت لحم والأغوار الشمالية، وذلك خلافاً لما هو معتاد في التوسع الاستيطاني عبر البؤر العشوائية، أو قرارات المصادرة بحجج “أملاك دولة، أو مناطق أمنية، أو أملاك الغائبين”.
وتُقام مستوطنة جديدة حالياً في موقع نقطة مراقبة عسكرية للاحتلال، وذلك ضمن سياسة صهيونية ممنهجة تعتمد السيطرة على كل ما هو فلسطيني، وتحويل أي مساحة في الضفة إلى مستوطنات، وفق المدير العام للنشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية أمير داود.
ومن جهة أخرى، يوصف يتجاوز ما يحدث في غزة اليوم حصار الطعام التقليدي في زمن الحرب، حيث يبدو المشهد أعمق وأكثر تعقيداً، تسيطر عليه منظومة متكاملة تستخدم الجوع كأداة سياسية لكسر إرادة شعب بأكمله، في خطوة أولى نحو تهجيره. انطلاقا من البذور التي تُمنع من الدخول، إلى قوارب الصيد التي تُستهدف في البحر، وصولاً إلى المخابز التي تتحول إلى أهداف عسكرية. كل عنصر في السلسلة الغذائية يصبح جبهة في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على القطاع المحاصر.
وهذا التوظيف المنهجي للطعام سلاحاً ليس ابتكاراً حديثاً، بل امتداد لنمط استعماري راسخ عبر التاريخ. كما تشير الأبحاث المعاصرة في دراسات الاستعمار البيولوجي، فإن السيطرة على الموارد الحيوية، من الطعام والماء إلى البذور والتربة، شكلت محوراً أساسياً في آليات الهيمنة الاستعمارية على مدار العصور.
ولم تكن المجاعة الحالية في غزة منفصلة عن سياق تاريخي طويل لاستخدام الجوع سلاحاً في القطاع المحاصر. منذ فرض الحصار على غزة في عام 2007، خضع 2.3 مليون فلسطيني لنظام صارم من السيطرة على الغذاء.