تضمنت رؤية أمنية متكاملة ترسم ملامح عقيدة راسخة.. ميزاب:

افتتاحية “الجيش”.. رسائل الجزائر المنتصرة

علي عويش

 بناء منظومة ردع مستقلة بمنأى عن الاصطفاف أو التبعية 

لوفاء عنصر مكوّن لهوية الجندي الجزائري ومحرّك لسلوكه وتكوينه المهني 

الجزائر.. فاعل محوري وركيزة توازن في كل معادلات الاستقرار الإقليمية 

رقم أساسي في مقاربة الأمن الإنساني بدعم الاستقرار الاجتماعي ومنع الأزمات قبل وقوعها

 أكّد الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، أنّ افتتاحية العدد الأخير من مجلة الجيش، تشكّل تحوّلاً نوعياً في التعبير المؤسساتي لوزارة الدفاع الوطني، حيث تجاوزت مرحلة التوثيق التقليدي للديناميكيات الميدانية لتقدّم رؤية متكاملة للمقاربة الدفاعية الجزائرية، من خلال لغة محسوبة، ومؤشّرات دقيقة ترسم معالم مقاربة دفاعية متكاملة تمزج بين الاحتراف القتالي والتكامل الأمني والتماسك الوطني.

 وأوضح ميزاب في تصريح لـ “الشعب” أن الجيش الوطني الشعبي لم يعُد يتعامل مع التحوّلات الجيو-ستراتيجية بمنطق رد الفعل، بل انخرط في مقاربة فاعلة تعكس فهماً عميقاً ووعياً متقدّماً لموقع الجزائر ودورها في الخارطة الأمنية الإقليمية والدولية، جعل منها فاعلاً محورياً وركيزة توازن لا يمكن تجاوزها في أي معدلة استقرار تخصُّ مناطق بالغة الحساسية مثل الساحل، ليبيا والفضاء المغاربي.
واستطرد محدّثنا قائلاً إنّ تراكم القدرات الدفاعية النوعية للجيش الجزائري، وانفتاحه على تطوير منظومات مواجهة التهديدات غير التقليدية، كالحروب الهجينة والهجمات السيبرانية والصراعات غير المتماثلة، يضع الجزائر في موقع الدولة القادرة على حماية سيادتها ومصالحها الحيوية بكفاءة عالية، وهو توجّه يعكس خياراً واضحاً يرتكز على “بناء منظومة ردع دفاعية فعّالة ترتكز على مبدأ الاستقلال السيادي الكامل في القرار والتخطيط والتنفيذ، بعيداً عن منطق الاصطفاف والتبعية”.
وتابع قائلاً إنّ افتتاحية مجلة الجيش ذهبت إلى أبعد من مجرّد عرض للأنشطة التدريبية، بل قدّمت قراءة عميقة لمفهوم الجاهزية العملياتية في السياق الأمني الجزائري، فالمقاربة التي تعتمدها المؤسّسة العسكرية - حسب ميزاب - تقوم على التحوّل من الجاهزية الكلاسيكية إلى الفعالية العملياتية متعدّدة المستويات، تستند إلى التمارين بالذّخيرة الحيّة كآلية تدريب على الردع الفوري في بيئة تُحاكي السيناريوهات القتالية الحقيقية.
ويرى محدّثنا أنّ التنسيق المحكم بين القوات البرية، الجوية والبحرية يُبرز توجّهاً نحو بناء جيش عملياتي قادر على الانتشار في جبهات متزامنة بمرونة تنظيمية عالية، ما يعكس وعياً متقدّماً بمتطلّبات المعركة الحديثة خصوصاً في ظل التهديدات السيبرانية والجوية والفضائية.

من الأمن الصّلب إلى دعم مؤسّسات الدّولة

 وبيّن ميزاب أنّ هذا الطّرح يؤكّد على أنّ الجيش الوطني الشّعبي لا يهيّئ نفسه لمواجهة خطر كلاسيكي محدود، بل يبني قدراته على التعامل مع تهديدات مركّبة، عابرة للحدود، متغيّرة في طبيعتها، وأكثر تعقيداً من أي وقتٍ مضى، وهو ما يعكس خياراً سيادياً واضحاً يقوم على بناء منظومة ردع مستقلّة في قراراتها وتخطيطها وتنفيذها بمنأى عن الاصطفاف أو التبعية، وأضاف قائلاً إنّ الافتتاحية سلّطت الضوء على تطوّر العقيدة العسكرية الجزائرية من خلال دمج البُعد الرمزي المستمد من قيم التحرير الوطني.
وجدّد ميزاب التأكيد على أنّ افتتاحية الجيش تعكس تحوّلاً نوعياً في النظرة إلى الدور الوظيفي للمؤسسة العسكرية، ويتجلى هذا التحوّل - حسب المتحدّث - في تأكيد مجلة الجيش على دعم المؤسسة العسكرية للدبلوماسية النشطة، ومشاركتها في جهود التنمية والأمن الإقليمي، خصوصاً في الفضاء الإفريقي.
وتابع محدّثنا يقول إنّ الرّسالة واضحة، مفادها أنّ المؤسّسة العسكرية الجزائرية لم تعد تنشط في مجال الأمن الصلب فقط، بل أصبحت طرفاً فاعلاً في مقاربة الأمن الإنساني، من خلال دعم الاستقرار الاجتماعي والمساهمة في منع الأزمات قبل وقوعها.
وفي سياق أوسع، شدّد الدكتور ميزاب على أنّ المقاربة الدفاعية الجزائرية لا تتوقّف عند المفاهيم الكلاسيكية للتهديدات، بل تجاوزتها لتشمل تحدّيات مركّبة ذات طبيعة غير تقليدية، مؤكّداً - في السياق ذاته - على أنّ استثمار الخبرة الجزائرية المتراكمة في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود وتنسيق العمليات، يمثّل أحد المرتكزات الاستراتيجية الجديدة التي يمكن تحويلها إلى نموذج أمني يمكن تصديره إلى دول الجوار الإفريقي، ضمن سياق أشمل يهدف إلى تعزيز الدور الإقليمي للجزائر عبر أدوات ناعمة وفعّالة.
هذه المقاربة - يضيف ميزاب - تجعل من الجيش شريكاً فعّالا على عدّة جبهات حيوية، على غرار الوقاية من الأزمات الأمنية والسياسية، دعم منظومات الأمن الغذائي والطاقوي، إلى جانب المساهمة في تثبيت العمق الاستراتيجي للجزائر في فضائها الجغرافي، خاصةً في إفريقيا عموما، ومنطقة السّاحل من خلال العمل التنموي والتنسيق الأمني متعدّد الأطراف. وبهذه المفاهيم - يواصل ميزاب - يعيد الجيش الجزائري صياغة موقعه كمؤسسة محورية في صناعة الاستقرار الوطني والإقليمي وفق رؤية سيادية متكاملة.

احترافية عالية تغذّيها قيم الوفاء

 وأشار ميزاب إلى أنّ افتتاحية مجلة الجيش وضعت البُعد الرمزي في قلب العقيدة العسكرية الجزائرية، مؤكّدةً - أي الافتتاحية - على أنّ الوفاء ليس مجرّد قيمة معنوية، بل عنصر مكوّن لهوية الجندي الجزائري ومحرّك لسلوكه وتكوينه المهني، مستنداً في هذا التحليل إلى مضمون الافتتاحية التي حملت عنوان “احترافية عالية تغذّيها قيم الوفاء”، مذكّراً بمجموعة القيم المستمدّة من تاريخ التحرير الوطني التي يتم توظيفها كمبادئ موجِّهة في التخطيط، التدريب، وصنع القرار داخل المؤسسة العسكرية، وهي مبادئ يرى المتحدّث أنّها لصيقة ولا تنفصل عن السياق السيادي للدولة، ولا عن مشروعها التحرّري الممتد، بل تستند إليه في تحديد أولويات الدفاع، وبناء الإنسان العسكري الذي يحمل في تكوينه روح نوفمبر بقدر ما يحمل في تدريبه أدوات القتال العصري.
وعرّج الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، للحديث عن السّياق الزمني الذي صادف صدور افتتاحية الجيش في عددها الأخير، مشيراً إلى أنّ مضامين الافتتاحية والرسائل التي حملتها لم تكُ خبط عشواء، ولم تأت اعتباطياً، بل تأتي في مرحلة تتّسم بتزايد التهديدات وتداخلها، سواء في الساحل أو في مناطق التوتّر الإقليمي، إلى جانب وجود محاولات خفية وأخرى معلنة تحت مسمّيات أخرى لضرب استقرار البلاد.
وقال: “في هذا السّياق، لا يمكن قراءة خطاب المجلة كمجرّد تحليل أو توصيف، بل كرسالة سياسية وأمنية محمّلة بالدلالات المباشرة والمدروسة”، حيث تضمّنت الافتتاحية تطمينات للداخل بأنّ المؤسّسة العسكرية التي تشتغل بمنطق استباقي “جاهزة وتملك زمام السيطرة”، وتعمل وفق منطق مدروس لا انفعالي، وهو ما يعزّز الثّقة بين المواطن والدولة، وفي نفس الوقت، تُرسل الافتتاحية رسائل للخارج وإشارات واضحة بأنّ الجزائر لا تقبل الابتزاز وتتحرّك بناء على مقاربتها الأمنية، لا تحت الضغط، كما جاءت الافتتاحية - حسبه - داعمةً للقرار السياسي، موضّحاً بأنّ المؤسسة العسكرية تتبنّى رؤية تنموية للأمن، وتعتبر أنّ الاستقرار لا يُبنى بالقوة وحدها، بل بالتنمية، العدالة والتكامل الإقليمي، وهي خيارات تعكس التقاء الإرادة السياسية بالمقاربة الأمنية، وهو ما يعزّز تماسك الدولة في مواجهة التحديات القادمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19795

العدد 19795

الخميس 12 جوان 2025
العدد 19794

العدد 19794

الأربعاء 11 جوان 2025
العدد 19793

العدد 19793

الثلاثاء 10 جوان 2025
العدد 19792

العدد 19792

الإثنين 09 جوان 2025