كان حـاضرا في عهد زخـرفة القـصـور الرومانيـة

رخام سكيكدة..جودة عـالـيــة وسمعـة عـالمـيــة

خالد العيفة

 منجم فلفلة..سبعة 07 أنواع من أجود الرخام في العالم

 تعزيـز الاقتصــاد المحلي وخلق فرص عمل جديـدة

اكتسب رخام سكيكدة شهرة عالمية ذاعت من مكة المكرمة إلى البيت الأبيض الأمريكي، ويتم تسويقه حاليا إلى دول أوروبية مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال..وهو من بين أهم الموارد الطبيعية التي تزخر بها ولاية سكيكدة، إلا أن الاستفادة المثلى من هذا المورد تستدعي مزيدا من تطوير “الصناعة التحويلية”، لتحويله من مادة خام إلى منتج ذا قيمة مضافة عالية، وسيساهم هذا التطوير في تعزيز الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل جديدة، سواء في مراحل الاستخراج أو التصنيع أو التسويق..

نوعية الرخام الرفيعة تؤهل سكيكدة لتكون الأولى في الإنتاج، لاسيما وأن منجم فلفلة يوفر سبعة أنواع من الرخام تعد من أجود الأنواع، وهو بنفس التركيبة الكيميائية والفيزيائية للرخام الإيطالي؛ لهذا فهو ينافس الرخام الأوروبي، وخاصة الإيطالي، فولاية سكيكدة تحتضن أكبر منجم رخام في إفريقيا، مع أن نسبة الاستغلال الحالية به لا تفوق 30 بالمائة، ولقد أشارت أبحاث أن رخام “فلفلة” استغل بشكل كبير خلال الفترة الرومانية من أجل إنجاز أعمال الزخرفة وتشييد القصور.
يقع مقلع فلفلة حوالي 25 كلم شرق مدينة سكيكدة، إذ يتربع على مساحة قدرها 127 هكتار، ومن أنواع الرخام بالمقلع، نجد الرخام الأبيض، الرخام الرمادى الفاتح والغامق، الرخام الرمادى المبلور، ريسيدا البنى والأخضر.
توقعات مكتب دراسة أمريكي، رجحت أن احتياطي منجم فلفلة قد يفوق 06 ملايين متر مكعب، الأمر الذي يسمح باستغلاله لأزيد من قرن من الزمن، ما يؤهل مدينة سكيكدة لأن تكون الأولى في إنتاج الرخام إفريقيًا على الأقل، ناهيك عن توفر منجم فلفلة على سبعة أنواع من الرخام الأبيض تعد من أجود الأنواع، لولا نسبة الاستغلال الحالية – كما سبق القول - لا تفوق 30 %، وبإمكان الولاية سكيكدة النهوض اقتصاديا في هذه الصناعات، لتوفرها على ثروات أخرى غير الرخام، على غرار المعادن النبيلة مثل الزئبق والفضة والنيكل والكوبالت والرصاص والذهب.

تطوير شعبة الرخام..أمر رئاسي
تولي السلطات العليا للبلاد، أهمية كبيرة لقطاع المناجم لدوره الهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكانت القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، من وقف الاستيراد الكلي لألواح الرخام المصنعة ونصف المصنعة، دافعا حيويا يسمح بتطوير شعبة الرخام على المستوى الوطني، ومن جهة أخرى، فإن قرار منع الاستيراد مدروس ولن يشكل أي ضرر على مشاريع البناء والتجهيز، وذلك لوجود مخزون هام من المادة الأولية المنتجة محليا.
مقومات شعبة الرخام بالجزائر، تتمثل في احتياطي 140 مليون م3 من الرخام ذي الجودة العالية عبر 38 موقعا، وأكدت كريمة طافر كاتبة الدولة المكلفة بالمناجم في هذا الإطار، أنه سيتم إعادة بعث النشاط بمنجمي الرخام المتوقفان ببوحنيفية بولاية معسكر، منذ سنة 1995، تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
ومن أجل تطوير شعبة الرخام، سيتم خلال شهر ماي المقبل، إمضاء اتفاقية شراكة بين مجمع سوناريم والفيديرالية الإيطالية للرخام، سيتم بموجبها استحداث مدرسة خاصة بالتكوين في مجال الرخام لفائدة عمال المجمع، يؤطرها خبراء من إيطاليا في مجالات استخراج ومعالجة وتحويل المرمر مع إشراك قطاع التكوين والتعليم المهنيين وخبراء محليين أيضا.

سكيكـدة في الصـــدارة..

حظي مقلع الرخام المتواجد بسكيكدة بزيارة كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة، المكلفة بالمناجم، كريمة طافر التي كانت مرفوقة بوفد ضم الرئيس المدير العام لمجمع “سونارام” وإطارات من الوزارة ومن المجمع ولاية سكيكدة، حيث تنقلت إلى مقلع الرخام ببلدية فلفلة شرقي مدينة سكيكدة، واستمعت إلى عرض آخر مفصل حول وضعية الشركة الوطنية للرخام ونشاطاتها المختلفة، قدمه الرئيس المدير العام لمجمع سونارام، وتم التطرق خلال اللقاء إلى نشاط المناجم بالولاية والمشاكل التي تعترض تطويره وكيفية رفع هذه العراقيل التي تعيقه سواء على المستوى المحلي أو المركزي.
وتنقل الوفد خلال هذه الزيارة، إلى وحدة تحويل الرخام بمدينة سكيكدة، أين تم تقديم عرض حول نشاط الوحدة مع معاينة نشاطها عبر مختلف ورشاتها المتمثلة في سلسلة الإنتاج من وصول كتل الرخام إلى غاية الحصول على المنتوج النهائي، كما تم الاستماع مطولا للشروحات المقدمة من طرف إطارات وعمال الوحدة بخصوص عمليات التحويل والإنتاج وكذا لبعض انشغالاتهم المهنية.
وكانت كاتبة الدولة المكلفة بالمناجم، قد أوضحت أن الإستراتيجية الجديدة ستتم بالتنسيق مع المجمع الصناعي المنجمي (سونارام)، وستشمل مجالات التكوين والتسويق وإدارة الأعمال، بهدف استعادة الرخام الجزائري للمكانة التي لطالما احتلها في السوق المحلي والدولي، مؤكدة على أن “المؤسسة الوطنية للرخام” تواجه بعض المشاكل التي سيتم تداركها، بمرافقة قطاع المناجم، من خلال هذه الإستراتيجية التي ستعتمد بشكل أساسي على التكوين ورفع قدرات الإنتاج، خصوصًا في ظل تعليمات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لتطوير هذه الشعبة وتقليص فاتورة الاستيراد، مع التوجه نحو تصدير المنتجات مستقبلاً.  

سكيكدة..مركز عالمي للرخـــام

وفي الإطار، يؤكد الأستاذ بجامعة 20 أوت 55 سكيكدة، عمار شلابي، على ضرورة أن تحقق الجزائر الاكتفاء الذاتي في هذه المادة، لا سيما وأنها تملك احتياطا كبيرا من النوعية الجيدة قبل التوجه لتصديره إلى الخارج، مع إمكانية رفع قدرة إنتاج مقلع سكيكدة للرخام الذي وصل سنة 2019 إلى حوالي 11 ألف متر مكعب، علما بأن مقالع الرخام عبر الوطن لا توفر سوى 15 بالمائة من احتياجات السوق المحلية من هذه المادة، حيث يتم حاليا استيراد 500 ألف طن سنويا من الرخام والغرانيت.
وتشتهر مدينة سكيكدة - يوضح شلابي - بتنوع منتوجات الصناعة التقليدية، ويأتي على رأسها صناعة الرخام، رخام مناجم (فلفلة) الذي استٌعمل في تزيين القصور الرومانية في العهد القديم، كما أن الرخام الجزائري المعروف باسم “قريكوسكريتو” وهو رخام أبيض.
 وأفاد الخبير الدولي في معهد “ريناسانزا ليسل” الإيطالي موريزيو مارتينالي، حين حلّ بسكيكدة للإشارف على تربص في مجال نحت الرخام، أن “ولاية سكيكدة يمكن أن تصبح مركزا دوليا للرخام في منطقة المغرب العربي وجنوب البحر الأبيض المتوسط وخاصة في مجال حجارة التزيين”..
وتعتبر صناعة الرخام والسيراميك من بين القطاعات التي تحاول النهوض وتبذل قصارى الجهد كي تسهم في النمو الاقتصادي للبلاد، وهو ما لاحظه الدكتور شلابي، خاصة مع تميز وإبداع المنتجين المحليّين..
ولقد أكد خبراء أمريكيون مختصون أن الرخام الجزائري كان مستعملا بشكل واسع بالولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية، كما كان مطلوبا جدا منذ العهد الروماني..وحسب دراسة قام بها وفد من الجمعية الأمريكية، فإن الرخام الجزائري استخدم في تزيين البيت الأبيض ومركز روكفلير الشهير.
أما أهمّ مشكل يواجه مصنّعي الرخام والسيراميك في الجزائر، حسب شلابي، فهو نقص الأسواق، زيادة على “عقدة المنتوج الأجنبي”، حيث ما يزال بعضهم يعتقدون أن اقتناء المنتج الأجنبي مفضل على نظيره المحلّي، حتّى ولو كان المحلي أفضل على مستوى الجودة، ويفسر لجوء بعض المؤسسات لاستعمال الرخام الأجنبي المصنّع، بكونه أقل سعرا من المحلي، حتى ولو كانت نوعيته رديئة.

استراتيجيـة للتكويـن والتسويق وإدارة الأعمال

يرى عمار شلابي أنه لا بديل عن وضع إستراتيجية بالتنسيق مع المجمع الصناعي المنجمي (سونارام) في مجالات التكوين والتسويق وإدارة الأعمال، ستمكن من استعادة الرخام الجزائري للمكانة التي لطالما احتلها، وعلى السلطات العمومية العمل الجاد على حل المشاكل التي تعاني منها المؤسسة، من خلال الاستعانة بتقنيين من الخارج للمساعدة في الرفع من إنتاج الرخام بهذا المقلع، مع إشراك الخواص للرفع من قدرات إنتاجها خصوصا وأنه قد تم إسداء تعليمات من أجل تطوير هذه الشعبة بهدف تقليص فاتورة الاستيراد وكذا تثمين منتجاتنا والتوجه إلى التصدير مستقبلا.
ويضيف شلابي أن قطاع المناجم استراتيجي، يساهم في الاقتصاد الوطني، ويستوجب وضع قانون جديد ينظم النشاطات المنجمية يتضمن مواد جديدة لتسهيل الاستثمار الخاص والأجنبي، ويتعين التكوين وتأهيل اليد العاملة في تخصصات شعبة الرخام وبقية التخصصات في قطاع المناجم.
وتسعى الجزائر إلى تعزيز وتشجيع علاقات الشراكة والاستثمار في مجال استغلال مقالع الرخام والغرانيت وتحويلهما محليا، من أجل ترقية وتثمين الموارد المنجمية الوطنية وتطوير الإنتاج الوطني للمنتجات المنجمية، فضلا عن تخفيض الواردات وتموين السوق الوطنية من هذه المواد، وعليه يجب منح أولويّة للتخصّصات المُتعلقة بالتكوين في صناعة الرُّخام استعدادا للمرحلة المقبلة، خاصة بعد تجميد الحكومة الاستيراد وفتحها المجال للاستثمار المحلي في الصناعة المنجمية.

وحدة الرخام بسكيكدة..العودة..

 أعيد فتح وحدة الرخام بسكيكدة، بعد 12 سنة من التوقف بسبب الانفجار الذي وقع بمركب تمييع الغاز في جانفي 2004، وتم إعادة بعث الإنتاج مجددا، حسب مسؤولي مؤسسة الرخام لسكيكدة، ضمن البرنامج الوطني لإعادة تأهيل المؤسسات.
وقد استفادت الوحدة من 670 مليون دينار، منها 70 مليون خصصت لبناء مستودع و600 مليون دينار وجهت لاقتناء تجهيزات وآلات جديدة، تمّ تركيبها من طرف مختصين ومهندسين من ايطاليا، وسطرت المؤسسة هذه السنة إنتاج 200 ألف متر مربع مع خلق مناصب شغل جديدة بتوظيف 20 إطارا جديدا، مع إلزام أية مؤسسة أجنبية تتعامل مع المصنع بتكوين العمال التابعين له.
ويمتد منجم فلفلة على مساحة إجمالية قدرها 100 هكتار، وتتوفر المنطقة على مادة رخامية هامة ذات نوعية عالية، منها رخام أبيض وبني معروف خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأشارت أبحاث أن رخام فلفلة قد استغل بشكل كبير خلال الفترة الرومانية من أجل إنجاز أعمال الزخرفة وتشييد القصور.
كما يوجد مشروع استغلال مادة الغرانيت بالمنطقة رهن الدراسة في ورشة تجريبية، فيما تتواصل في الخارج المشاركة في ملتقيات بغية اكتساب التكنولوجيا الخاصة بهذه المادة التي تشكل بالجزائر ميدانا جديدا، حيث أن المرحلة الأولى من مشروع الغرانيت تتمثل في تطوير محاجره.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19773

العدد 19773

الخميس 15 ماي 2025
العدد 19772

العدد 19772

الأربعاء 14 ماي 2025
العدد 19771

العدد 19771

الثلاثاء 13 ماي 2025
العدد 19770

العدد 19770

الإثنين 12 ماي 2025