الخبـير الإقتصـادي محفـوظ كاوبـي لــ «الشّعب»:

المؤسّســات الصّغــيرة.. ركيـــزة أساسية لبنــاء اقتصـاد متوازن

خالدة بن تركي

توفــير الدّعــم المالــي والتقنـــي وتسهيـل الإجــراءات الإداريـة

 تلعب المؤسهسات الصغيرة والمتوسّطة، دورا أساسيا فى دعم الاقتصاد الوطني، حيث تمثل نسبة هامة من النسيج الاقتصادي وتوفير فرص عمل، خاصة في ظل السعي إلى تقليص التبعية للمحروقات وبناء اقتصاد متنوع، وقد أولت الجزائر في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بهذه المؤسّسات من خلال توفير الدعم المالي والتقني، وتسهيل الإجراءات الإدارية، باعتبارها رافدا أساسيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

صرّح الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي لـ»الشّعب»، أنّ المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة تكتسب أهمية من حيث قدرتها على خلق فرص العمل، وتحفيز روح المبادرة والابتكار، فضلا عن مساهمتها في تنشيط السوق المحلي وتحقيق التوازن الاجتماعي، كما أفاد بأنها تعد أداة فعالة لتعزيز التنافسية ودعم التكامل بين مختلف القطاعات الاقتصادية.
وقال كاوبي، إنّ النسيج الاقتصادي يظهر اختلالا واضحا، حيث تشكّل المؤسّسات الصغيرة حوالي 87 بالمائة من إجمالي المؤسّسات، مقابل 10 بالمائة فقط للمؤسّسات المتوسّطة، في حين لا تتعدى نسبة المؤسّسات الكبيرة 3بالمائة، وأفاد أنّ هذا الخلل في الهيكلة يطرح إشكاليات عديدة عند الحديث عن التنمية الاقتصادية، مؤكّدا أنّ تحقيق التنمية يتطلب ما يسمى بـ «الهندسة المؤسساتية»، أي توازن في نسب توزيع المؤسّسات حسب الحجم.
وأوضح، أنّ المؤسهسات الكبيرة تلعب دور «قاطرة» تدفع النمو، وتهيكل القطاعات المختلفة: الصناعية، الفلاحية، التجارية والخدماتية، وتخلق بيئة ديناميكية تمكّن المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة من العمل ضمن سلاسل القيمة، سواء من خلال المناولة أو التكامل الإنتاجي.
ويعد هذا التفاعل بين المؤسّسات الكبرى والصغرى أحد العوامل المحفّزة لتحسين الإنتاجية وتعزيز الابتكار، حيث تستفيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من نقل المعرفة والتكنولوجيا، وتطوّر قدراتها التنافسية من خلال الانخراط في منظومات إنتاجية متكاملة، ممّا يساهم في خلق نسيج اقتصادي أكثر تماسكا.
وأردف قائلا: «إنّ دولا مثل الصين أو إيطاليا، رغم امتلاكها نسبا معتبرة من المؤسّسات المصغّرة، إلّا أنها تمتلك في المقابل مؤسّسات كبرى رائدة في قطاعات استراتيجية كالصناعات البتروكيميائية، تكنولوجيا المعلومات، التنقيب والمناجم، وهي التي تضمن الاستقرار والقدرة التنافسية للاقتصاد».
وتابع الخبير، الجزائر بفضل الإرادة يتحول اقتصادها بشكل متزايد نحو الاعتماد على المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة كأحد روافده الأساسية، نظرا لدورها في بعث الحركية الاقتصادية، وخلق فرص عمل، وتحقيق التنوع الإنتاجي، وقد أصبحت هذه المؤسسات تمثل قاعدة واسعة للنسيج الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على القطاع النفطي، من خلال دمجها في سلاسل الإنتاج والتعاون مع الشركات الكبرى، تساهم هذه الأخيرة في بناء اقتصاد أكثر تنوعا ومرونة.
وأشار كاوبي إلى أنّ المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة تحتاج إلى بيئة مناسبة، نظرا لضعف قدرتها على المقاومة، خاصة في سنواتها الأولى، مؤكّدا حاجتها كذلك إلى تخطيط وتنظيم فعّال، واستغلال أمثل للإمكانات المتاحة، إضافة إلى تطوير قدراتها في التسيير والتحكّم في تقنيات الإنتاج الحديثة.
كما شدّد على أهمية توفير الدعم التقني والمالي لهذه المؤسّسات، من خلال آليات تمويل ميسّرة وبرامج مواكبة تعنى بتكوين رواد الأعمال وتأهيلهم، مشيرا إلى أنّ تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يساهم في تهيئة المناخ المناسب لنمو هذه المشاريع، وضمان ديمومتها على المدى الطويل.
وأشار الخبير إلى التحول الرقمي الذي يمكن أن يلعب أيضا دورا هاما في دعم نجاح الشركات الصغيرة والمتوسطة وضمان استمراريتها، فاعتماد هذه الشركات على التقنيات الرقمية يساهم في رفع كفاءتها، وتوسيع قاعدة زبائنها، ويمنحها القدرة على التكيف مع متغيرات السوق، ممّا يعزّز من قدرتها التنافسية ويزيد فرص بقائها في بيئة أعمال متغيرة.
وفي هذا السياق، فإنّ كثير من المؤسّسات في الجزائر تتسم بطابع عائلي، يقول الخبير، ممّا يجعلها قريبة من محيطها وتتمتّع بمرونة في العمل، لكن بساطة طرق إدارتها وضعف استخدامها للتكنولوجيا يشكّلان تحديا، وهو ما يفتح المجال لتحسينها، وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أهمية دعم هذه المؤسّسات من خلال تحسين طرق الإدارة، وتنظيم السوق بشكل أفضل، وتطوير السياسات العامة لمساعدتها على النمو والتطور.
وأكّد الخبير الاقتصادي، أنّ المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة ليست مجرّد تصنيفات أكاديمية مبنية على عدد العمال أو حجم الأعمال، بل هي أدوات حقيقية للنمو وخلق القيمة، شريطة أن تكون ضمن منظومة اقتصادية منظمة، ديناميكية، ومبنية على تكامل بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين.
وعليه، وفي ظل التحديات القائمة، تبقى المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة عنصرا فعّالا في معادلة التنمية، ما يتطلّب تضافر جهود الجميع لتوفير بيئة مناسبة، وتنظيم فعال، يعزّز من قدرتها على المساهمة الحقيقية في بناء اقتصاد قوي ومتوازن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025
العدد 19762

العدد 19762

السبت 03 ماي 2025
العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025