يؤلفّون أساطير بحثا عن فردوس موعود

سيتحرّرُ الوطن وأسرانا وسيتحرّرون

بقلم: علي شكشك

بعد أكثر من سبعة عقود من إعلان دولة الكيان الصهيوني، وبعد عدّة قرون من بداية جذور الدعوات لإنشاء هذا الكيان، فإنّ المشهدَ والمعادلة مازالتا كما هما، أكذوبة وأكاذيب تُفرض بالقوّة والبلطجة الدولية، وتفرضُ معها مسوِّغاتها ومنطقها، وتُتَوسَّلُ أسسٌ لكلِّ هذا..

 نفس المقولات القديمة ما زالت تَتوسَّلُ حجراً قديماً يسندها في “يهودا” و«أورشليم”، أو قطعةً فخاريّةً في التراب المقدس أو نقشاً غائراً أو بارزاً على أيِّ جدار، أو ورقةً ما، تسقطُ من الجحيم، ومنذ بداية تلك الجذور استهلّت البعثاتُ الاستكشافية الجغرافية أعمالَها المثابرة الدؤوبة لإثبات شيءٍ مقصودٍ سلفاً.
واستمرت هذه المحاولات وتفاقمت مع بسط الاحتلال كاملَ هيمنته على أرض الفلسطينيين، كما نشطت الدراسات على الوثائق والحفريات والتاريخ، دون أن يقعوا إلا على ما يثبت عكسهم ويكرّسَ الحضور الفلسطينيَّ بكافة مظاهره التاريخية اليبوسيّة والآرامية والأموية والكنعانية، فقد نسوا في غمرة انشغالهم بالأكذوبة أن الكتاب المقدّس يسميها “أرض كنعان”، وأنَّ أورشاليم التي يلوون ألسنتهم بنطقها هي مفردةٌ عربية آرامية قديمة..
أمّا والأمرُ كذلك، فلا بدَّ من نسيجٍ كاملٍ من الالتفاف والبطش، يهدفُ إلى إسكات التاريخ الفلسطيني واختلاق لـ “الكيان القديم” كما يقول المؤرّخُ اليهودي كيت وايتلام، ولأنّ الشواهد والوثائق لا تفضي إلى ذلك كان لابدّ من بطشٍ كبير وتزويرٍ أكبر، كان لابدّ من أسرِ كافة الشواهد التي تنطق باسمنا، وتحويرها ونفيها في الظلام، وكان لابدّ في المقابل من ترويجٍ بالخداع وبقوّة السلاح والابتزاز لمقولات جاهزة تقوم مقام الحقيقة وتفعلُ فعلَها في الوعي وتُكرّسُ مفاهيمَ لا تبحثُ عن دليل، بقوّة الإلحاح والادّعاء وانطباع الصّورة والطقوس، وخلق انطباعاتٍ شَرطيّةٍ تتلبّسُ البشريةَ وهي تتجوّل في متحف الهولوكوست في القدس كدلالة على حقيقة الوعد لشعب الله المختار في “أرض كنعان”.
ولتحقيق كامل الانطباع، كان لابدَّ من أسر كلِّ الحالة الفلسطينية وتحويل مفرداتها إلى سبايا بحسب ضرورات الهدف، فمفرداتٌ في المتاحف، ومفرداتٌ في المنافي ومفرداتٌ تحت الأرض ومفرداتٌ في السّجون، ولن تستقيمَ حالتُهم تلك بدون هذا الأسر الكامل، بل هم مضطرون لأسر بعض وثائقهم وبعض آيات التوراة لإثبات حالتهم المرجوّة، ولو أدّى الأمرُ إلى “صلب” الرسول الذي جاء يكشف نفس هذا النهج القديم الجديد، ويعلن حقيقة الوعد وينهي معهم العهد ويرسم طريق الملكوت، تلك العادة القديمة في الأسر التي حاولوا بموجبها أسرَ الفكرة الجديدة بتكذيب وتصفية النبي المسيح الجديد وأسر ومصادرة كامل مقولته عبر التاريخ، ذلك أنها حالةٌ تقتات وتتأسّسُ على جوهر الأسر، أسرِ الآخر، والتي بدأت باعتباره “جوييم”، هذه الحالة التي تتبلورُ الآن على شكلِ كيان ستتبدّدُ وتتلاشى تلقائيّاً حين تتوقف عن هذه العادّة، التي أصبحت هي، كيف ستتنفّس وتبقى إن توقفت عن أسر ومصادرة الأرض والوعي والشعوب، تلك حالةٌ مستعصية، ولا بدّ من إنقاذهم من أسرهم وتحريرهم من أغلالهم التي كبّلوا بها ذاتهم وأسروا أرواحهم، حين يتحرّرون من شهوة أسر التاريخ والمكان وشهوة بناء المستوطنات والجدران وشهوة أسر الوثائق والوعي، حين يصبحون بشراً عاديين، حينها سيتحررُ الوطنً وأسرانا، وسيتحرّرون هم أيضاً ويتبدّدون.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19787

العدد 19787

الأحد 01 جوان 2025
العدد 19786

العدد 19786

السبت 31 ماي 2025
العدد 19785

العدد 19785

الخميس 29 ماي 2025
العدد 19784

العدد 19784

الأربعاء 28 ماي 2025