حكمة وثقة وفاعلية قوية في نشاط دبلوماسية أبناء الأحرار
مخلوف: فرنسا لا تزال في حبس أحلامهـا الكولونياليـة الساذجة
قوتال: الردّ الجزائري التزم بتوجيهات الرئيس لحماية سيادة الدولة
«الجمهورية الخامسة» سقطت في الحضيض جراء تعاملاتها غير العقلانية
يبدو أن ما يجري من تدهور في العلاقات الجزائرية- الفرنسية، دخل منعطفًا غير مسبوق منذ الاستقلال سنة 1962، بعد تسريب باريس بيانًا إعلاميًا بليدا على صفحات مجلة «لكسبريس»، ينطوي على «تهديدات رعناء» تدّعي أن «فرنسا» ستقوم بـ»تجميد ممتلكات وأرصدة تعود إلى مسؤولين جزائريين سابقين»، في خطوة جديدة ابتزازية، جاءها ردّ الجزائر الحازم الصارم.. «تفضلوا.. نفذوا ما تتحدثون به!».
يؤكد خبراء سياسيون أن رد الجزائر على الاستفزازات الفرنسية جاء قويًّا لاذعا، نظرا إلى تلكؤ باريس في تنظيف ملفات هاربين مدانين متواجدين على ترابها، فهي تحميهم وترفض تسليمهم، مع عدم إفراجها عن واحدة وخمسين إنابة قضائية أصدرتها العدالة الجزائرية منذ سنوات في إطار جهود مكافحة الفساد.
في هذا الخصوص، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الثامن ماي 1945 في ولاية قالمة، الدكتور وديع مخلوف، إن فرنسا وقعت في سقطة سمجة جديدة، تنمّ عن إفلاس كلي في تعاملها مع الجزائر، وتقهقر في سياستها الخارجية التي تعرف تراجعًا وإخفاقات بالجملة في القارة الإفريقية والعالم.
وأوضح الدكتور وديع مخلوف، في تصريح خصّ به «الشعب»، بأن الخطاب السياسي والتعاملات بين الدول تكون وفق الأطر الدبلوماسية وليس بالتسريبات الإعلامية البعيدة عن المهنية والاحترافية. وأشار إلى أن ادّعاء فرنسا التحضير لقرار يقضي بتجميد أصول وعقارات لمسؤولين جزائريين، سبقته في الأصل طلبات جزائرية وإنابات قضائية لتسليم فاسدين ومصادرة واسترجاع ممتلكاتهم، ولم تستجب باريس.
وأبرز مخلوف، أن العلاقات الجزائرية- الفرنسية لم تصل إلى هذا الحد من السوء منذ الاستقلال، نتيجة بقاء باريس حبيسة ماضيها ونظرتها الاستعمارية، وبقائها رهينة خيالها وأضغاث أحلامها الكولونيالية، يقابله واقعية وندية الجزائر في سياساتها الخارجية مع كل دول العالم، ما جعل حكومتها الحالية تحظى بالإجماع الشعبي، مع النجاح اللافت في برامجها السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية منذ ما يزيد عن خمس سنوات.
وتابع المتحدث: «الجمهورية الفرنسية الخامسة سقطت في الحضيض جراء تعاملاتها غير العقلانية، وإقحام نخبتها لأجندات سياسية انتخابية يمينية في علاقاتها الخارجية مع الجزائر، على حساب مصالح الشعب الفرنسي الغارق في أتون أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، ووضع مزرٍ ذكرنا بظروف حكومة فيشي البائدة في أربعينيات القرن العشرين».
إلى ذلك، قدم الرد الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية، على التسريبات سالفة الذكر، توصيفًا دقيقًا للتعاملات الفرنسية الأخيرة مع الجزائر، من خلال تصنيفها ضمن الارتجال وانعدام الجدية والخيال، وكل هذه الأوصاف نابعة عن ظرف حقيقي تعيشه فرنسا المأزومة، لكنه اصطدم بالواقع الجزائري الذي دفع بالسردية المضللة في جملة واضحة: «تفضلوا ونفذوا ما تتحدثون عنه!»، في ظل تأخر باريس عن الاستجابة للإنابات القضائية الدولية.
كما أشار الدكتور مخلوف، إلى أن الابتعاد عن التعامل وفق الأطر الدبلوماسية المؤسساتية، سيعود بالوبال على فرنسا ويُقوِّض مصالحها، ولن يضر الجزائر في شيء، خاصة مع ولوج بلد الشهداء عالم الأقطاب الاقتصادية الكبرى، والشراكات المتعددة القائمة على مبدإ الاحترام المتبادل والعلاقات الندية وفق قاعدة رابح- رابح، وهو الفضاء نفسه الذي أضحت فيه باريس لاعبًا ثانويًا.
من جانبه، أفاد أستاذ كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة عباس لغرور في ولاية خنشلة، البروفيسور ياسين قوتال، بأن تفاقم الأزمة مع فرنسا، أبان عن حكمة في سياسة الجزائر الخارجية، وسيطرة على الأحداث الحساسة المستجدة المتعلقة بتنظيم وتشبيك العلاقات مع الدول، وسرعة في معالجة المشكلات الطارئة واحتوائها.
وقال قوتال في تصريح لـ «الشعب»، إن السلطات الفرنسية مازالت تتمادى في عنجهيتها، وتتخبط في قراراتها وتصرفاتها مع الجزائر، وهذه الأخيرة أظهرت فاعلية قوية ورصانة في دبلوماسيتها، سواءً في ردها على استفزازات باريس أو في المعترك السياسي الدولي متعدد النشاطات والأبعاد، مع التزامها بالمبادئ المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الأممية التي تنص على ضمان سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
الردود الدبلوماسية الجزائرية على فرنسا تتسق مع تعليمات وتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، القاضية بحماية سيادة الدولة واستقلالية قرارها، وإدارة علاقاتها مع البلدان وفق الندية وحسن الجوار والاحترام المتبادل، يضيف الأستاذ قوتال.