الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيّين

في اليوم العالمي للتّراث..فلسطـين هويّتنـا الباقيـة

أصدر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، الثلاثاء، بيانًا بمناسبة يوم التراث الفلسطيني، جاء فيه: في 01 تموز 1980، أعلن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين لاعتماد هذا اليوم من كل عام يوماً عالمياً لتكريس فلسطين الثقافة والتراث، واليوم تحيي فلسطين يوم تراثها على رمحٍ ينزف ولا تتخلى، فالريح إن أنجبت غبار الأزمنة، جاءت أجيالها على انتماءٍ لا ينقص، بل تُعمِّده دماءُ المخلصين إيمانًا لا نزاع فيه.
التراث شهادةُ خلودٍ لا زيف فيها، ولا تحريف يُشوّش الحالَ الأليم بالاحتلال، والجرحَ المفتوح على جهات الدنيا الست. فالأصالة اعتمادُ العناوين الصافية، وتراثُنا عنوانُ وجودِنا: بحبكةِ ثوب، وترنيمةِ موّال، وحنّاءِ يدٍ، وزفّةِ عريس، وطلّةِ زينِ الشباب قبل الشهادةِ المقدّسة. يبقى تراثُنا فصاحةَ لساننا أمام ركاكة العدو واعوجاجِ لكنته، في بحرٍ من الغواية، يُريدها له وهي لنا: في كل موّال، وكوفيةِ ثائر. ولن ينحرف فينا ضوءٌ دلّنا على شمعةِ القدس، ولا غصنُ زيتونٍ في بيسان، ولا رقصةُ صبيّةٍ تحت ضيِّ القمر في عكا البحر.
لن ننسى حجرًا حفَر سلالتنا قرب بئرٍ حيّةٍ في اللد، ولا قوسَ نصرٍ يُبتهلُ للتاريخ في حيفا، ولا قبةَ مسجدٍ آخَت جرسَ كنيسةٍ في يافا. ولنا ترابُ السهول على هلالِ الشهور، ودوّارُ الشمس وهي تلمُّ النور قبل الغروب عن سهل بني عامر.
ولنا أجنحةُ الماضي بأبجدياتها العريقة، وطريقُ الخلاص الآتي. ولأنهم يُدركون أن فلسطين في لفيف أرواحنا، يفعلون ما يستطيعون لسرقتها منا؛ فالثوبُ بخيوطه وألوانه وتضاريسه الحِسان، وكوفيةُ الأجداد ولقمةُ الطعام، والدبكات ومشيةُ العكاز على التربة السوداء، وحجرُ التاريخ في قطرِ الصباحات خلف التلال، وغيرها الكثير، حاولوا سرقتها، وتحريف حضورها، وتزييف أماكنها، وترويجها على أنها لهم هويةً ووجودًا. لكنهم فشلوا، وسيفشلون مهما فعلوا. وما يجري اليوم من محاولات التهويد، في القدس وبيت لحم والناصرة وغيرها، يجري أمثاله في قطاع غزة، حيث لم يُبقوا حجرًا على حجرٍ في الأماكن التراثية والتاريخية، كمسجد عمر بن الخطاب، وقصر الباشا، والأحياء القديمة في مدينة غزة. ومن محاولاتهم اللعينة في طمس تراثنا، دمّروا الآبار والأنفاق القديمة من المسجد العمري الكبير حتى شاطئ تل الهوى، ولم يُبقوا أثرًا لماضٍ كان شاهدًا على وجود الفلسطيني في أرضه. حتى أشجار الجميز والزيتون والنخيل لم تسلم من شرورهم.
وهكذا يفعلون، لأنّ حربهم على الماضي أشدُّ خطورةً من حروبهم على واقعنا والمستقبل، حيث يعيدونا إنتاج مجازرهم على جسد فلسطين وروحها مدججين بشهوة القتل والنهب والتزييف واغتيال الوعي والإرث والموروث.
ولن نغفل محاولاتهم الخبيثة بتوطين المنحرف والمزيَّف، وتشويه التراث والأصيل، وملاحقاتهم الحثيثة لكل ما هو أصيلٌ يدلّل على الفلسطيني صاحب الأرض، ونحّات الحياة في حياض الأجداد. لذا نراهم ينهبون كلَّ حجر، وكلَّ ثابتٍ على ماضينا، وكلَّ عينٍ آذت كُحلتها من مسيرة أجيال، وحطّت فوق رمشِ صبيّةٍ تختال بثوب جدّاتها. وما كان مكرُهم بسرقة الأراشيف الوطنية، والحجارةِ المنحوتة بأزاميل الفلسطيني العتيق، ورسوماتِ الكهوف والمغاوير، وحتى جدرانِ المساجد والكنائس، وغيرِها الكثير، إلا محاولاتٍ بائسةً لتحريف الماضي، وإعادةِ صياغته بما يُناسب روايتهم المزيّفة. ولكنهم يفشلون كما يتنفّسون. فالتراثُ المادي والمعنوي، وبكل أشكاله، يبقى فلسطينيًّا مهما جرت عليه أفاعيلُ الاحتلال الغاصب، وسيبقى الموالُ في الميجنا يطلُّ علينا من عبق الزيتون وبيتِ سرِّه الزيت، ليَلمع في هويتنا كأنه الكوكبُ الدري، ولن يستطيع الغاشمُ بكل جبروته أن يُقنع “الحنون” أن فرشته خارج نابلس، أو أن جيرته خارج القدس.
ولأنّهم يُحاولون إلغاء كل أصيلٍ لنا، نتمسّك به، مهما كان تمسّكنا هذا مُغالِبًا للراحة، وأنسِ الأبدان، وسنبقى على قيد المواجهة مع عدونا، حتى يفهم أن الأرضَ ليّنةٌ على أبنائها، نافرةٌ ورافضةٌ للعابرين. في يوم التراث الفلسطيني، نُجدّد للشهداء الولاء والانتماء على صفحات القلوب، دون تغييرٍ يُريده النقيض بكل وحشيّته وقسوته ودمويّته، وتبقى فلسطين ونعود إليها وطنًا بلا محتل، وأرضًا بلا خرائب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025