«سويعة ورويحة»

فتيحة كلواز

هي ساعة من الزمن استرجعت فيها ذكريات زمن كنت أظنه انقضى ورحل عن يومياتنا التي صارت مليئة بالجفاء والفتور، جلست فيها وسط المدعوين إلى «قهوة» جمعت فيها السيدة البيت عائلتها فرحا بابنتيها اللتين تحصلتا على شهادة التعليم المتوسط والبكالوريا، سعادة أرادت أن تتقاسمها مع كل واحد من عائلتها التي تشرّفت أن أكون معهم وإن لم أكن فردا منهم.
كانت والدتها التي دخلت عقدها التاسع جالسة جنبا إلى جنب مع حماة ابنتها، اخواتها وشقيقات زوجها وبناتهن واحفادهن كلهن جالسات يتبادلن أطراف الحديث بلا رسميات او «اتيكيت» خرب مع مرور الوقت علاقاتنا الاجتماعية، أمها التي ولدت وترعرعت في حي القصبة كان لها النصيب الأكبر من الفرح والاهتمام، فرغم انها تشارف على بلوغ سن « القرن» الا انها لم تبخل على ابنتها بإعداد « الخفاف» الذي كان متقنا وكأنها دوائر صنعها مهندس.
منذ سنوات طويلة لم اشعر بصدق في المشاعر الإنسانية داخل المحيط الذي أعيش وسطه الا مع أمي، فهي الوحيدة التي تعطي بلا ثمن، تضحي دون حسابات مسبقة ـ الحياة بالنسبة لها ابناءها وفقط ولا أحد غيرهم، ورغم ضربات الزمن استطاعت أن تحافظ على الانسان داخلها ولم يتزعزع الضمير داخلها، تلك النسوة اللائي ملأن المكان غناء ورقصا وتطبيلا على الدربوكة جعلني أتأكد أن تخلي الانسان في لحظة ما عن البساطة سيفقد مع مرور الزمن انسانيته، غنين أغاني كنت اسمعها في صغري عندما كانت الجارات تجتمع عند واحد في كل مرة لتتبادل اطراف الحديث،
وفي المواسم والأعياد والافراح تكون المتعة موجودة بعيدا عن قاعات الحفلات والدعوات المزينة و الـ»DJ» لأنها من جعلت المناسبة السعيدة بلا روح وحوّلت الأقارب الى مجرد اشخاص يجمعهم رابط الدم أو المصاهرة.
علاقاتنا الاجتماعية التي تلوّنت بالعصرنة جعلت من افراد الأسرة الواحدة غرباء عن بعضهم وأصبحت معها لأفراح مجرد قيمة مالية تعطى لتسترد، ارتبط الحب بالأنانية رغم انه شعور ارتبط دائما بالعطاء والتضحية، شعور ضيّقت حدوده حسابات المصلحة فأصبحنا مجتمع بلا روح تائه وسط زخم الحياة المتسارع، لا تحتاج الإنسانية الى تعقيدات الحياة بل الى عفوية وبساطة لأنهما يمنحان الآخر راحة واطمئنان بعيدا عن قواعد «الاتيكيت» والواجب فعله حتى تظهر عليك علامات الارستقراطية، فهذه المرتبة الاجتماعية أصبحت مطلب الجميع حتى وإن لم ينتبهوا إليه .. هو التفاخر الذي حوّلنا الى اشباه انسان اختلط فيه الحابل بالنابل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024