أحيت الجزائر، أمس السبت، الذكرى 63 لاسترجاع السيادة الوطنية، في وقت قطعت فيه أشواطا كبيرة نحو تحقيق أمنها المائي، بفضل مشاريع استراتيجية هيكلية شملت بناء السدود، تكثيف حفر الآبار وإنشاء خمس مصانع لتحلية مياه البحر، إلى جانب توسيع شبكات توزيع المياه على امتداد ولايات الوطن.
يصادف إحياء هذا التاريخ المجيد (5 يوليو 1962) هذه السنة، دخول أربع مصانع جديدة لتحلية مياه البحر حيّز الخدمة، بعد تدشينها من قبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بولايات الطارف (كودية الدراوش)، بومرداس (رأس جنات)، تيبازة (فوكة 2)، وهران (الرأس الأبيض)، فيما ينتظر تدشين مصنع بجاية (تيغرمت-توجة) قريبا، ما من شأنه رفع مساهمة المياه المحلاة في تغطية الاحتياجات الوطنية من 18 إلى 42 بالمائة، في إطار مقاربة وطنية تهدف إلى مواجهة آثار التغيرات المناخية وتقليص الاعتماد على الموارد التقليدية.
وقد تم إنجاز هذه المصانع، بطاقة إنتاجية يومية تبلغ 300 ألف متر مكعب لكل منها، في ظرف قياسي لم يتجاوز 26 شهرا، في إطار المخطّط الاستعجالي، ليصل بذلك عدد مصانع تحلية المياه العاملة في البلاد إلى 19 مصنعا، بطاقة إنتاج إجمالية تفوق 7. 3 ملايين متر مكعب يوميا، ما سمح بتزويد نحو 15 مليون مواطن بالمياه الصالحة للشرب. وبفضل هذا الإنجاز، أصبحت الجزائر تحتل المرتبة الأولى إفريقيا والثانية عربيا من حيث القدرة الإنتاجية لتحلية مياه البحر.
وعلى خلاف مصانع التحلية التي شيّدت مطلع الألفية بالشراكة مع متعاملين أجانب، تم إنجاز هذه الوحدات الجديدة بالكامل بأياد جزائرية، من طرف مؤسسات وطنية تابعة لمجمعي سوناطراك وكوسيدار. وكان رئيس الجمهورية قد أشاد، خلال تدشينه لمصنع التحلية بوهران في فبراير الماضي، بالكفاءات الجزائرية التي أنجزت المشروع، قائلا: «بفضل إرادة الرجال، من العامل البسيط إلى أعلى المسؤولين، تم رفع التحدي»، مؤكّدا أنّ الجزائر المستقلة أصبحت تحقّق إنجازات كبرى في وقت قياسي وبأحدث التكنولوجيات.
وتتضمّن المرحلة الثانية من المخطّط الوطني لتحلية مياه البحر (2025-2030) إنشاء 6 مصانع جديدة بكل من سكيكدة، جيجل، تيزي وزو، الشلف، مستغانم وتلمسان، بطاقة إضافية تقدر بـ 8. 1 مليون متر مكعب يوميا، ما سيسمح بتغطية 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية بالمياه المحلاة في أفق 2030. كما تعتزم الجزائر الاستثمار في تطوير إنتاج تكنولوجيات التحلية محليا، لاسيما أغشية التناضح العكسي، بما يعزّز استقلالها الصناعي والتكنولوجي في هذا المجال الحيوي.
وتطمح الاستراتيجية الوطنية، في هذا الإطار، إلى إدماج الطاقات المتجدّدة في عمليات التحلية، فضلا عن استغلال المحلول الملحي الناتج عن العملية في الصناعات المنجمية، لاسيما في استخراج الليثيوم، أحد المعادن الأساسية في صناعة البطاريات. وفضلا عن تحلية مياه البحر، أنجزت الجزائر، على مدار العقود الستة الماضية، أكثر من 80 سدّا بسعة تخزينية إجمالية ناهزت 3. 8 مليار متر مكعب، على أن ترتفع هذه السعة إلى 12 مليار متر مكعب في أفق 2030. كما بلغت نسبة التغطية بشبكات مياه الشرب أكثر من 98 بالمائة من السكان، بفضل مشاريع التحويلات الكبرى وآليات الربط البيني بين السدود، في إطار التضامن المائي بين المناطق.