أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر.. محمد قويسم لـ”الشّعب”:

ملعب سكيكـدة.. شاهـد علـى جريمـة استعمارية بشعــة

سكيكدة: خالد العيفة

 قوات الاحتـــلال جمعــت مئات المدنيّـــين العـزّل وأعـدمتهم رميًـا بالرصـاص

 يعيدنا الباحث في التاريخ المعاصر البروفيسور محمد قويسم إلى صفحات منسية من التاريخ، ليكشف، انطلاقًا من شهادات نادرة ووثائق أرشيفية واعترافات مجرمين، ما جرى داخل أسوار ملعب 20 أوت 55 بسكيكدة، الذي تحوّل في صيف 1955 إلى مقبرة جماعية، دفن فيها مئات الشهداء بالجرافات وتحت أنظار العالم المتواطئ بالصمت.

 يروي البروفيسور محمد قويسم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة 20 أوت 1955 بسكيكدة،  لـ«الشّعب”، قصة ملعب 20 أوت 1955، الذي لم يكن مجرّد فضاء رياضي، بل مسرحًا لواحدة من أبشع المجازر الاستعمارية التي شهدها التاريخ الجزائري. ويؤكّد قويسم أنّ هذا الملعب، الذي كان يُعرف سابقًا باسم ملعب كيطولي، يحمل في طياته ذاكرة أليمة لا تزال آثارها حاضرة في وجدان المدينة.
وصرّح، البروفيسور قويسم أنّ الملعب أُنشئ عام 1934 بمبادرة من رئيس بلدية “فليبفيل” الاستعمارية بول كيطولي، ليستوعب حوالي 5000 متفرّج، لكنه تحول في 20 أوت 1955 إلى مسرح لجريمة جماعية. وأوضح أنّ هذا التحول جاء عقب هجمات منسّقة شنّها المجاهدون في الشمال القسنطيني بقيادة زيغود يوسف، ممّا دفع الإدارة الاستعمارية الفرنسية إلى الرد بوحشية مفرطة.
وقال قويسم إنّ قوات الاحتلال جمعت مئات المدنيّين العزّل داخل الملعب البلدي بسكيكدة، حيث أُعدموا رميًا بالرصاص، واستشهد بمذكرات المجاهد علي كافي، الذي وصف المشهد قائلاً: “جُمع آلاف الشباب في ملعب سكيكدة وحصدوا حصدا”، وأضاف قويسم أنّ المجاهد مختار جبار عجاج روى كيف نجا بأعجوبة من الموت بفضل توسّط شابين فرنسيّين، بينما قُتل آخرون دون رحمة.
وأشار، البروفيسور إلى اعترافات الجلاد الفرنسي بول أوساريس، التي كشف فيها عن دفن 134 جثة في حفرة جماعية داخل الملعب، باستخدام جرافة وأوكسيد الكالسيوم لإخفاء الروائح. وأوضح قويسم أنّ صور المجزرة، التي التقطها صحفي محلي، بيعت لمجلة “لايف” الأمريكية، واستُخدمت للترويج لرواية استعمارية كاذبة تصف الضحايا بـ«الإرهابيّين”، رغم أنها جريمة ضدّ الإنسانية بكل المقاييس.
وأكّد، قويسم أنّ المجازر لم تقتصر على سكيكدة، بل امتدت إلى عين عبيد، الحروش، الخروب، الميلية، قالمة، عنابة وجيجل، مخلّفة أكثر من 12 ألف شهيد، منهم 1500 في أحياء سكيكدة و5000 في قرية الزفزاف، بحسب تقارير تاريخية. ونقل عن المؤرّخ الأمريكي ماثيو كونلي تقديرات تشير إلى أنّ العدد قد يصل إلى 20 ألف شهيد.
وشدّد، البروفيسور على أنّ هذه المجزرة، التي حاول الاستعمار طمس معالمها، لا تزال أسماء العديد من ضحاياها مجهولة، محفوظة في أرشيفات سرية، بعضها بميناء سكيكدة تحت سيطرة فرنسا. واستشهد بأعمال المؤرّخين “مارتن إيفانز” و«كلير موس كوبو”، اللذين أكّدا أنّ ما حدث في “فليبفيل” كان مجزرة منظمة استُخدمت فيها آلة القمع العسكري والإعلام التضليلي لتبرير المذابح.
وختم، قويسم بالقول إنّ إعادة تسمية الملعب بعد الاستقلال بـ«20 أوت 1955” جاءت تكريمًا لأرواح الشّهداء، ليصبح رمزًا للذاكرة الوطنية يذكّر الأجيال بوحشية الاستعمار وتضحيات الشعب الجزائري.
ودعا، الباحث، إلى فتح الأرشيفات الاستعمارية والتوثيق الدقيق لهذه الجرائم، والمطالبة بالإعتراف الدولي بها كجرائم ضدّ الإنسانية لا تسقط بالتقادم، مؤكّدًا أنّ “الأمم التي تحترم تاريخها لا تدفن ذاكرتها تحت الإسمنت المسلّح”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025
العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025
العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025
العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025