أحيت الجزائر، الأربعاء، ذكرى اليوم الوطني للمجاهد، الذي يخلّد المحطتين التاريخيّتين البارزتين في مسار الثورة التحريرية المجيدة: هجومات الشمال القسنطيني (20 أوت 1955) ومؤتمر الصومام (20 أوت 1956).
تميّزت الاحتفالات عبر مختلف ربوع الوطن بأجواء وطنية جامعة، جمعت بين الترحّم على أرواح الشهداء، وتنظيم نشاطات فكرية وتاريخية، إلى جانب تدشين وإطلاق مشاريع تنموية تعكس إصرار الدولة على ربط الماضي الثوري بالحاضر التنموي.
كانت ولاية سكيكدة على موعد مع احتضان الاحتفالات الرّسمية لهذه الذكرى، بإشراف وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، الذي حضر عرض الفيلم السينمائي “زيغود يوسف” للمخرج مؤنس خمار وكاتب السيناريو أحسن تليلاني، تخليدًا للمسار النضالي لأحد أبرز قادة الثورة. كما نظم بالمناسبة ملتقى تاريخي بعنوان “استراتيجية الثورة في مواجهة الاحتلال الفرنسي”، بمشاركة باحثين ومؤرّخين.
وفي باقي ولايات الشرق، تجسّدت الاحتفالات بمشاريع تنموية هامة، ففي خنشلة تمّ ربط أزيد من 300 سكن بالغاز الطبيعي، بينما شهدت سوق أهراس وتبسة وضع حجر الأساس لمجمّعات مدرسية وسكنية وحفر آبار جديدة لتحسين تزويد السكان بالمياه. أما باتنة، فقد اختارت بلدية آريس لاحتضان نشاطاتها، حيث أقيمت ندوة تاريخية وتكريم للتلاميذ المتفوقين، فضلاً عن تدشين ملعب جواري وزيارة معرض تاريخي بمنزل الشهيد مصطفى بن بولعيد. وفي سطيف وقالمة، شملت المشاريع تدشين طرقات ومرافق للحماية المدنية وملاعب رياضية وربط مئات المنازل بالغاز الطبيعي.
وفي غرب الوطن، شكّلت ولايات وهران، معسكر، سيدي بلعباس، تيسمسيلت، تيارت وعين تموشنت، محطات بارزة للاحتفالات. ففي وهران، تمّ تدشين متوسّطة جديدة، وضع حجر الأساس لمئات السكنات، وافتتاح قاعات علاج، إلى جانب تسمية مؤسّسات صحية بأسماء مجاهدين، في رسالة رمزية للربط بين ذاكرة الثورة والخدمة العمومية. أما في معسكر، فقد أشرف الوالي على وضع حيّز الخدمة لمجمّع مدرسي جديد وتسليم رخصة استغلال مركّب لتبريد المنتجات الفلاحية، مع تنظيم زيارة تكريمية للمجاهد لحرش الحبيب.
وفي عين تموشنت، كان لقطاع الصحة نصيب وافر من المشاريع، حيث تمّ تدشين مصلحة خاصة بمرضى القصور الكلوي وتوزيع سبع سيارات إسعاف على المستشفيات. كما شهدت المناسبة تكريم المجاهد بشير الجيلالي، أحد أوائل الملتحقين بصفوف جيش التحرير سنة 1955. أما في تيسمسيلت وسيدي بلعباس وتيارت، فقد كانت الأنشطة متنوعة بين تكريمات، تدشين ملاعب جوارية، وإعادة تهيئة فضاءات عمومية، إلى جانب معارض تاريخية تذكّر بتضحيات الشّهداء.
الذاكـــرة فــــي قـلب المشاريـــع التنمويـــة
وفي جنوب الوطن، طغى الطابع التنموي بقوة على مجريات الاحتفال. ففي ورقلة، وزّعت السلطات 731 مسكنًا بصيغة البيع بالإيجار “عدل”، مع التأكيد على استكمال باقي الحصص قبل مطلع 2026. أما إليزي، فقد شهدت انطلاق مشاريع سكنية وتعليمية، بينها 350 مسكنًا ترقويًا مدعّمًا و200 وحدة إيجارية وابتدائية جديدة. وفي جانت، تمّ ربط عشرات المساكن بالكهرباء والغاز، فيما احتضن المركز الثقافي معرضًا للصور التاريخية وندوة حول الأبعاد الإستراتيجية لهجومات الشمال القسنطيني.
بالمقابل، عرفت ولايات المنيعة وتوقرت وأدرار وغرداية، تدشين مشاريع متنوعة: من ملاعب جوارية ومراكز لتخزين الحبوب، إلى مشاريع للربط بالكهرباء وتدعيم الطرق الوطنية. وحرصت السلطات المحلية على تنظيم زيارات تكريمية لمجاهدين من المنطقة وتوزيع جوائز للتلاميذ والرياضيّين المتفوقين، في لمسة وفاء للأجيال التي صنعت الاستقلال والأجيال التي تبني المستقبل.
استحضــــار مؤتمــر الصومـام
أما وسط الوطن، فقد اختارت ولايات البليدة، المدية، تيبازة، عين الدفلى، الشلف، البويرة، تيزي وزو وبجاية، أن تجمع بين الذاكرة والمشاريع الخدمية. ففي بومرداس والشلف، نُظمت معارض وندوات تاريخية تكريماً للأسرة الثورية. وفي عين الدفلى، تمّت زيارة أحد المجاهدين في منزله وتكريمه عرفانًا بنضاله. أما في تيزي وزو والبويرة والبليدة، فقد جرى تدشين مرافق خدمية وصحية وربط منازل بالكهرباء والغاز.
وفي بجاية، كان لموقع مؤتمر الصومام بقرية إيفري وقفة رمزية جمعت باحثين ومثقفين، حيث شدّد المشاركون على البعد الوحدوي للمؤتمر ودوره في بناء الهياكل السياسية والعسكرية للثورة. وأكّدت الندوات التاريخية التي نشّطها أساتذة ومؤرّخون أنّ هذه المحطات صنعت لحظة تحول مفصلية في مسار التحرير الوطني.
الذاكـرة التـي تلهـم الحاضـر
توحّدت الجزائر، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، في إحياء هذه المناسبة الوطنية الجامعة، حيث لم تقتصر الفعاليات على البعد الرمزي المتمثل في الترحّم والتكريم، بل اقترنت بإطلاق مشاريع تنموية وخدمية تمسّ الحياة اليومية للمواطن. وهي رسالة عميقة الدلالة مفادها أنّ الوفاء لدماء الشّهداء لا يكون فقط بالاحتفال الرمزي، بل أيضًا بترجمة روح تضحياتهم إلى مشاريع بناء تعود بالنفع على الأجيال الحالية والقادمة.