خيار الوسطية والاعتدال...

جمال أوكيلي
05 فيفري 2019

 قيم الوسطية والاعتدال، هذا ما لخّصه السيد محمد عيسى وزير الشّؤون الدّينية والأوقاف في قراءته الشّاملة، أمس، بمنتدى جريدة «الشعب» حول تداعيات انتشار الفكر المتطرّف على أكثر من صعيد، استنادا إلى آليات عملية قائمة على رؤية إقناع الآخر بالوجه النّقي لهذا الدّين، وهذا ما تعمل به الجهات المكلّفة بهذه المهام، انطلاقا من اعتبار هذا المسعى جزءاً لا يتجزّأ من التّجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب.
ومضمون الوسطية والاعتدال يحمل دلالات بعيدة المدى، لا تتعلّق بسياقات أو أحداث معيّنة وقعت في فترة محدّدة زمانيا، لكنها تمسح على باقي الوقائع التي يستشرف لها، وهذا ما تقوم به الجزائر بناءً على المسؤولية الملقاة على عاتقها في امتدادات المرجعية الدينية، والقصد هنا تلك الرّوابط ذات الصّلة الوثيقة مع الزّوايا وبعثات الدراسة.
والمفهومان الواردان في الأعلى، مغزاهما عميق ودقيق؛ بمعنى رفض الغلو والتشدد في الفتاوى، خاصة التي تصدر من هنا وهناك ورسّخها البعض في ذهنه على أنّها «المنبع» الذي يغترف منه في كل محاولاته الرّامية إلى إثبات الذّات بشكل أو بآخر، والأكثر من تكفير النّاس وقتلهم، هذا ما يحدث اليوم في نقاط من هذا العالم باسم ما يعرف بـ «أدلجة» و»تسييس» الدين، كلّف الشّعوب، خاصة تلك التي ظهرت بها الحركات المسلّحة، متاعب جمّة ماتزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا. وليس غريباً أن تراها تدعو إلى الوسطية والاعتدال لإبعاد كل ما من شأنه أن يبقي على تدمير الآخر، أو بالأحرى تشويه المبادئ السّمحاء لهذا الدّين الحنيف.
في هذا الإطار، فإن ما أحرزته الجزائر في هذا المسار الصّعب والمعقّد من نتائج باهرة بعودة الآلاف المغرّر بهم، والذين ذهبوا ضحية أمزجة البعض ونوايا البعض الآخر، إلى أحضان المجتمع، وهذا بفضل آلية المصالحة الوطنية التي تعتبر قاطرة هذا العمل الفريد من وضع حد لنزيف الدم وإبادة الأرواح.
وانطلاقا من هذه القناعة العميقة ونجاح التّجربة الجزائرية، فإنّ الأخذ بتفاصيلها حتمية لا مفر منها من أجل إنقاذ منطقة السّاحل من الدّمويّين الذين يصولون ويجولون فيها رافعين راية القتل. وبحسب التّقارير الواردة من هذه الجهة، فإنّ بوادر الفتنة قائمة بقوّة قواسمها المشتركة، أي نفسها التي عاشتها مناطق تعرّضت للإرهاب سابقا.
ومؤشّرات هذه الفتنة تكمن في بروز تيارات متطرّفة تكفّر النّاس وتحرّم عليهم أشياء في المجتمع، كما تحاول إقناعهم بأن ما يتلقّونه هو دين رسمي، أي ذلك الصّادر عن الدولة المركزية، وكأنّ الأمر يتعلّق بوجود دين غير رسمي، استنادا إلى منطقهم. وضمن هذا التّوجّه، فإنّ العمل الوقائي الذي يعتمد حاليا هو التّركيز على تكوين الأئمّة في السّاحل الافريقي، من خلال استضافة مجموعة منهم ذوي الكفاءة العالية في إدارة المسائل المتعلّقة بالشّؤون الدينية، زيادة على فتح المجال للحوار التّفاعلي مع الطّرف الآخر من أجل إقناعه بالإسلام الصّحيح.
ويسجّل حاليا استعداد كبير من هؤلاء الأئمّة للاستفادة من الخبرة الجزائرية في هذا المجال، ونقلها إلى أوطانهم من أجل تعميم فائدتها على كل من زاغ عن الطّريق، تشدّد على الرأي والرأى الآخر، والتّواصل المباشر لإزالة الغموض وإبعاد اللّبس، وبالأخص تغيير الصّورة الخاطئة الرّاسخة في أذهان البعض، الذين يعملون على ترويجها دون وجه حق للأسف، خاصة في الظّروف الحالية المتّسمة بتحرّكات جماعات خطيرة قادمة من الأماكن التي كانت مسرحا لنزاعات مسلّحة في ليبيا، سوريا والعراق، قدّرتها تقارير لجهات مختصّة بحوالي ٦ آلاف تريد العودة إلى هذه المناطق لنشر الفوضى والقتل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024