البراغماتية في تسيير شؤون البلاد

فنيدس بن بلة
11 أكتوير 2012

أسبوع مرّ على وفاته بعد مرض عضال ظل يصارعه حتى آخر نفس، لازال الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد محلّ حديث الشارع بمختلف مكوناته وأطيافه.. تقدم بشأنه شهادات حيّة من رفقاء الدرب ونضال الكفاح، تشيد بخصاله ومناقبه وتجمع على نقطة واحدة وموقع واحد: بساطة فقيد الجزائر، وتفانيه على الدوام في خدمة الوطن، وإعلائه فوق الحسابات، والنظرة الضيقة.
كان الرئيس الراحل، بحق قدوة للبساطة والتواضع في علاقته مع الموظفين والمسؤولين.. ولم يتخل لحظة عن هذه السمة التي يشهد له بها رفقاء الكفاح والبناء والتشييد، كاسبا بذلك ثقة الجميع ومصداقيتهم..
كشف الراحل بن جديد في تعامله مع مختلف الأحداث عن روح الواقعية، وبعد النظر، مبديا هدوءا غير مسبوق في إدارة الأزمات، رغم حدّتها وسخونتها، مظهرا كم هو مجديا تحمل المسؤولية، وتسيير شؤون الرعية باقتدار وتحكم دون ترك أحد الشعور باليأس والسقوط في خانة الكآبة والخوف من الآتي..
ظهر هذا جيدا في خطابه مباشرة للأمة بعد غضب أكتوبر 1988، التي يبدو أن جهات حاولت استغلاله، بركب موجة الشباب المنتفض، وتحريك مشاعره، والزّج به في الاضطراب والانزلاق..
لدرجة أن تلاميذ الثانويات خرجوا في “مسيرات الاحتجاج”، متفقين على شعار واحد، صارخين بملء الفم “التاريخ في المزبلة”.. وظلوا يرددون هذه العبارة المحفوظة عن ظهر قلب أكثر من مرة، دون إدراكهم قيمة التاريخ، وأهميته في البناء الحضاري، وتشييد المجتمع، والتمسك بالأصالة والهوية.. دون فهم حقائق الأشياء، وجدواها، قابلين عن وعي أو غير وعي السقوط الحرّ في ترديد عبارات أعطيت لهم جاهزة.. قافزين على المعطى الثابت في المعادلة السياسية التي تجعل مادة التاريخ في الصدارة، وتمنح لها أعلى المعدلات عند الأمم التي خاضت من أجل هويتها حروبا طاحنة، لم تستسلم للهزيمة.. وتقبل بالأمر الواقع المفروض عليها من آخرين تحالفوا ضدها، وفرضوا عليها شروطا مجحفة مقابل “السلام الحتمي”. والأمثلة تقدمها ألمانيا، واليابان، وكوريا والقائمة طويلة.
تعامل الرئيس الراحل بن جديد مع هذه التناقضات والاهتزازات بعقلية الرئيس المسؤول المدرك بالتحديات، وقام بتفكيك الألغام الواحدة تلو الأخرى بقرار سياسي لا يسمح بوصاية الآخر الأجنبي، واملاءاته، فأظهر أنه الشخصية التي تجعل من هذه المحطات المهتزة قوة انطلاق نحو الأحسن، والتحضير لأجندات ومشاريع مصيرية تعزز مسيرة جزائر المؤسسات.
فجاءت “شرارة أكتوبر”، مولدة لجملة من الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإعلامية وأن لم تكن على درجة من المتانة، والتحضير الجيد، مهدت الأرضية وفتح الباب لتعددية نعيش تجربتها المعززة في الميدان بلا انقطاع، اليوم.
وكانت هذه التجربة بمثابة الرد الشافي الوافي للذين يخرجون علينا من أعلى المنابر ويتساءلون متى “الربيع الجزائري”.. ويسعون للزج بالبلاد في مستنقع الفوضى، وهي التي تولت إدارة أمورها بتلقائية في عهد بن جديد، وكشفت للعالم أجمع أن “الربيع الجزائري” عاشته منذ سنين وحقب، بعد 5 أكتوبر، وما تبعه من تداعيات عولجت في وقتها دون تركها تفرز تراكمات خطيرة عن التماسك الاجتماعي والقرار السيادي الذي تخوض من أجله الجزائر معركة مصيرية ولن تقبل التنازل عنه في كل الظروف.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024