أفق لرسم معالم المستقبل

سعيد بن عياد
22 نوفمبر 2019

المجتمعات القوية تجيد تحويل اختلافاتها إلى قوة دافعة تعزز المناعة في مواجهة التحديات العالمية ذات الأبعاد الجيواستراتيجية خاصة في ظل ما يتعرض له أكثر من بلد ناشئ لتهديدات معلنة أحيانا ومبطنة في أحيان كثيرة لاستهداف مكاسب الدولة الوطنية تحت غطاء مخادع غالبا ما يرفع شعارات براقة تخفي مكائد ومشاريع لزعزعة الاستقرار بهدف الاستحواذ على خيرات ومقدرات الشعوب.
لا تخرج الجزائر عن هذا المشهد ولذلك كان الحرص من القيادة العليا على البقاء ضمن الإطار الدستوري والتوجه إلى انتخابات رئاسية تنقل البلد من مرحلة قبضة العصابة إلى مرحلة سلطة المؤسسات النابعة من الإرادة الشعبية، وهو ما يؤمل أن يتجسد في انتخابات 12 ديسمبر، التي لا تعتبر هدفا بحد ذاتها وإنما جسر عبور إلى أفق أرحب يستوعب التطلعات والانشغالات والطموحات في المجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية.
الموعد الانتخابي المرتقب ليس هدفا بحد ذاته، وإنما محطة أساسية للانتقال إلى عهد جديد يتم في ظله بناء جزائر جديدة تحميها مؤسسات شرعية لها من القوة ما يسمح بمجابهة كل التحديات ذات الصلة بالتنمية الشاملة وتكريس حقوق الإنسان وتعميق الحريات بشكل يضمن للمواطنين الجزائريين وبالذات الأجيال الجديدة بكافة شرائحها مزيدا من مكاسب الرفاهية في ظل الاستقرار والوحدة.
«لكل مواطن الحق في تحديد موقفه بالموافقة أو الرفض، لكن كل واحد ملزم باحترام غيره»، كما صرح به رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي لحظة توقيع ميثاق أخلاقيات الممارسة الانتخابية بين شركاء العملية، ومن ثمة وكما أظهره الحراك في طبعته الأصلية المتميزة بالسلمية وتقبل الغير ونبذ العنف، يمكن لكل واحد التمسك بموقفه دون تعطيل غيره في حالة اختلاف الرؤى وتباين الآراء.
إن التحديات التي تقف في وجه الوطن في ظل مخاطر لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها أو يحاول التقليل من حدتها تقتضي أن يسعى الجميع للتنازل في المسائل الجانبية والالتفاف حول المصلحة العليا بما يعطي القدرة على تجاوز المنعرج ضمن المسار الذي يريده الشعب الجزائري، الحريص على انتمائه الأصيل وارتباطه بماضيه النضالي والثوري ضد الاحتلال والهيمنة والاستغلال، منارته ثورة أول نوفمبر ومصدر قوته أثناء الأزمات كل ذلك الرصيد الثمين الذي أنجزته أجيال سابقة أعطت أفضل ما لديها لتزدهر الجزائر وشعبها رغم تعثرات في مراحل معينة.
لقد تحققت مكاسب لم يكن أحد يتصورها منذ أن أحبطت القيادة العليا تلك المغامرة التي حبكتها العصابة وكادت أن تدخل البلاد في ما لا تحمد عقباه، ومن ثمة لا يمكن لعاقل أن يتجاهل كل ما تحقق على درب إعادة بناء الدولة وإرساء المجتمع مجددا على أرضية متينة تؤسس لجزائر جديدة دون أن تنقطع عن ماضيها التليد، وكل ذلك ينجز ضمن توجه شفافا ومنسجم، لا ينبغي أن يتعثر أو يشوه، مهما كانت الدواعي عند البعض والمبررات لدى البعض الآخر.
ليس هناك من آلية ديمقراطية أخرى تتجسد من خلالها الإرادة الشعبية بكل حرية وبعيدا عن أي تأثير، ابتزاز أو استغلال كما كان يحصل في الماضي، غير الاحتكام إلى الشعب عن طريق انتخابات شفافة، طلبا للتزكية، وهو ما يحرص عليه المترشحون الخمسة الذين يخوضون «معركة» إقناع الناخبين والفوز بالمساندة بالارتكاز على ترويج وشرح برامج لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وكان لها نصيب في النقاش، الذي يتميز بالحدة أحيانا والصعوبة أحيانا أخرى.
حقيقة المهمة ليست بسيطة في ظل مخلفات العصابة التي شوّهت الممارسات وفخّخت الحراك سعيا ممّن سقطت أقنعتهم المزيفة للدفع به إلى اتجاهات لا تخدم المواطن بل تهدد مستقبل البلد برمته وهو ما تداركته القيادة العليا مبكرا بإحباط تلك المؤامرة وفتح الأفق أمام الشعب الجزائري ليرسم معالم المستقبل معتمدا على إمكانياته البشرية والمادية وبالأخص الرصيد التاريخي المتميز الذي أنجزته أجيال متعاقبة قدمت تضحيات مشهودا لها، تمثل اليوم المنارة الصحيحة لبناء جزائر جديدة مشبعة بقيم ثورة نوفمبر المجيدة ومتفتحة على العصرنة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024