المواطن الضحية والعلاج

سعيد بن عياد
13 ماي 2020

المواطن هو الضحية وهو العلاج في مواجهة وباء كورونا، بالنظر لارتباط العدوى مباشرة بالسلوكيات البشرية التي لم يتوقف الأطباء والمختصون في علم الفيروسات عن التأكيد على ضرورة اعتمادها كأول علاج وقائي من خلال إتباع طوعي ومنتظم وبمثابرة للإجراءات الاحترازية، أبرزها بعد غسل اليدين، إلتزم مسافة التباعد الاجتماعي.
صور غريبة تتكرر بشكل يثير التساؤلات حول مدى ترسيخ روح المواطنة والتمدن في أذهان كثيرين وأغلبهم من الشباب. فيما هناك شريحة واسعة من المواطنين، يحرصون، بإرادة ووعي، على انتهاج سلوكات وقائية خلال يومياتهم بكل ما فيها من متاعب وتحديات، إلى درجة أن الأب لا يقبّل ابنه والصديق لا يصافح صديقه والقريب لا يزور أهله، بل هناك من اضطرهم خطر الفيروس الوبائي الامتناع عن حضور جنازة أحبة وأقارب، رحمهم الله.
لا يمكن أن يستمر هذا الاستهتار بالخطر، لأن الجميع على قارب واحد ولا يعقل أن يترك عرضة للأهواء واللامسؤولية. ورأينا كيف كان رد فعل الكثيرين، من مواطنين وتجار، لما تم تخفيف الحجر ورفع الإغلاق عن بعض النشاطات التجارية، قبل أن تعيد السلطات منعها، إلى حين اتضاح الرؤية والتأكد من مدى التزام الجميع بالإجراءات الوقائية الضرورية التي توفر الحماية وبأقل كلفة أمام خطر فيروس لا يرحم.
كيف يمكن تفسير تدافع شباب أمام دكان بيع القهوة قبل الإفطار، أو التسلل خلسة إلى محلات لاقتناء أغراض لا يعتقد أنها ستغير من حال الإنسان إن غابت، في ظل وباء ينغص الحياة ويسقط طعمها، بينما الخطر الأكبر يتهدد القدرة الشرائية والاستقرار الاجتماعي لعالم الشغل إذا طال الإغلاق، فيما كماشة تراجع إيرادات النفط وكلفة الوباء تضغط بفكيها أكثر فأكثر على الميزانية.
عينة من استهتار وغياب روح المسؤولية نقلها لي مواطن من أحد أسواق اللحوم البيضاء بمقطع خيرة (ولاية تيبازة) وما جاورها، حيث لا أثر للنظافة ولا مساحة للوقاية من الوباء، وسط ازدحام واكتظاظ، إلى درجة أن هناك مواطنين قضوا بفعل الفيروس ولا غرابة أن يكون مصدره بؤرة من تلك البؤر المميتة، حيث النفايات والأوساخ والقاذورات تتصدر المشهد، زاد حالها وادي مازفران الذي يعاني الإهمال في ظل غياب من يتحمل مسؤولية إدارة النشاطات التجارية وحماية البيئة. وآخر الأخبار تم غلق السوق وكان وزير التجارة هدد بذلك قبل أيام.
صورة أخرى مزعجة من الجزائر العميقة، لا تليق في زمن الرقمنة، ففي مدينة عين بوسيف (جنوبي شرق ولاية المدية) نقل لي أحد ساكنتها، أن هناك مواطنين لا يحترمون قواعد الوقاية، مندهشا من كثرة تنقلات الناس جماعات جماعات، يلعبون الدومينو ويتبادلون فناجين القوة وكأن لا شيئ يرعبهم في مدينة سجلت عددا معتبرا من الإصابات بالفيروس المعدي، مؤديا بعدد آخر إلى الوفاة. وتأسف المواطن لسلبية تلك السلوكات التي يواجهها أفراد الشرطة بمضاعفة جهود التوعية وتنبيه الناس لثمن التهاون وحثهم على البقاء في بيوتهم أثناء فترة الحجر حماية لهم ولأسرهم والمجتمع.
المؤسف أن عددا كبيرا من الأولياء تخلوا عن مسؤولية السهر على بقاء أبنائهم في المنزل وعدم المبادرة بتوعيتهم بشأن تداعيات الاستخفاف بالفيروس. علما أنه يمكن تحمل ضغط الحجر بدل الوقوع فريسة في قبضة الفيروس الغادر، الذي لم يعثر إلى اليوم عن دواء له أو لقاح يكبحه، فارضا على الجميع، أقوياء وأصحاء، فقراء وعراة، نفس القاعدة: «الوقاية والتباعد» الذي نأمل أن لا يطول لتستعيد البشرية ومنها الجزائريون، طعم الحياة. على أن يكون كل واحد استخلص الدرس للعودة إلى جادة الصواب بترك الفساد والغش والعودة إلى قيم العمل والعدل والتخلص من ممارسات قاتلة للأمل ومثبطة للعزائم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024