كيف يمكننا تحويل المشروع الثقافي إلى مشروع استثماري ناجح يمكنه المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني، أو سلعة ثقافية يمكن عرضها في السوق وإخضاعها إلى المعاملات الاقتصادية المتعارف عليها.. صحيح للوهلة الأولى تبدو المسألة ليست سهلة أو غير مألوفة.. لكنها في الحقيقة تحمل كل هذا الزخم لتحويلها إلى مشروع استثماري ناجح.. فالثقافة هي صناعة السينما وصناعة الكتاب وخلق المتاحف للزوار والأجانب، إنشاء المعالم الأثرية، بناء المسارح وهي أيضا الفنون التشكيلية والبالي وهي الغناء والترجمة والأدب الذي يمكن تحويل أعماله إلى أفلام ومسلسلات ومسرحيات.
لا عجب في ذلك والجزائر تملك أجيالا من المثقفين والكتاب والسينمائيين والمسرحيين والفنانين التشكيليين بدءا من صاحب أول رواية في التاريخ ابوليوس إلى أخر مبدع فاز بجائزة عالمية وعربية منذ سنتين إسماعيل يبرير مثلا، كل هذه الطاقات يمكن الاستثمار فيها وجعل أعمالها سلعة لصناعة الأفلام والمسرحيات.
الثقافة كالفلاحة والسياحة، وكأي قطاع تنموي آخر، تتوقف مشاريعها على المورد البشري وإبداعاته وتفكيره ومساهماته في خلق الجديد والجيد والتميز أيضا، لذلك بإمكانها أن تحدث طفرة نوعية في الميدان من خلال تغيير الذهنيات وتحفيز المبدع وتشجيعه لتقديم الأجود مما عنده، قصد الدخول في سوق المنافسة الخارجية.. وهنا افتح قوسا بخصوص هذه المسألة، التي يجب أن نراعيها الاهتمام الكبير لأنها مسألة جوهرية بالنسبة للمبدع من خلال الوقوف إلى جانبه وعدم تركه رهينة إلى «أصوات جلد الذات» البعيدة عن النقد البناء، فالكثير من الأعمال التي استحسنها واحتضنها الأخر في الضفة الأخرى بعدما بقيت حبيسة الأدراج واللامبالاة عندنا، بسبب بيروقراطية الإدارة أو من أشباه المشهد الثقافي.
للأسف استثمرها الأخر وعرف كيف يروج لها ومنحها الرعاية الكافية وحولها إلى أعمال دخلت العالمية من أوطان أخرى.. وهي في الحقيقة تحمل هموم وطنها وشعبه، ولنا في كل مجالات الإبداع الأمثلة الكثيرة الحية آخرها رواية ذاكرة الجسد للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي التي طبعت في الجزائر ولكنها عندما طبعت بالضفة الأخرى حققت رقما مهما في المبيعات.. مليون نسخة، لتتحول إلى مسلسل يبث عبر العديد من القنوات.
نعم للاستثمار الثقافي من خلال فتح الباب أمام الخواص، وتخليص الثقافة من هذه النظرة التي بقيت عالقة بها في الأذهان وحتى في المخيلة وقبل ذلك وذاك يجب تحرير الذهنيات لدخول استثمار ثقافي ناجح.