صناعة استخلاص الزيوت الأساسية في الجزائر

صناعة استخلاص الزيوت الأساسية في الجزائر إستثمار إستراتيجي قادر على تغطية الطلبات الداخلية بنسبة ١٠٠٪ ٤٥ نوعا من المستخلصات تنتظر إنتاجها فعليا عند «زيفي-بيو»

الأخضرية : جمال أوكيلي

«نحن قادرون على تغطية طلبات وتلبية إحتياجات الجزائر من الزيوت الأساسية المستخلصة من النباتات العطرية والأعشاب الطبية، والألباب المولدة للعصائر بنسبة تصل إلى ١٠٠٪ تمكننا من طي ملف الإستيراد الذي بلغ مستوى لا يطاق يتراوح ما بين ٩٠ و١٢٠ مليون دولار»
هكذا لخّص لنا السيدان زيدان مولود ومنور، خلال تنقلنا إلى المكان الخاص بإنتاج هذه المواد الحيوية والإستراتيجية بمنطقة بويقرة ببلدية بودربالة التي تبعد بحوالي ٤ كلم عن الأخضرية بموقع جذاب، قبالة الطريق السريع شرق غرب، تظهر لكل شخص بناءات مصنع إنتاج الزيوت الأساسية والأسمدة البيولوجية.
وباقترابنا من تلك الأسوار ودخولنا إلى باحة المعمل إندهشنا لما يحتويه من آلات ذات الطراز العالي في استخلاص الزيوت والعصائر عبارة عن سلسلة من الأجهزة لكل واحدة منها اختصاصها، كما أن هناك أحواضا ضخمة تستقبل كل تلك الألباب، إلى جانب ذلك توجد بناية خاصة وهي المخبر وقد وقفنا على عينات من تلك السوائل من كل أنواع الأعشاب المستعملة.
لا ندخل هنا في التفاصيل التقنية لهذا المشروع لأنه باب لا مخرج منه، وإنما أردنا إدراج ذلك في إطار مسار تداعياته على أداء المنظومة الاقتصادية في بلادنا، انطلاقا من كونه الوحيد على المستوى الوطني ومدى حاجتنا لمثل هذه الصناعات الفريدة في الجزائر من ناحية الاستثمار الثابت، وهذا بعيدا عن أي سجال أيديولوجي لأن المسألة تتعلق بتثمين الاقتصاد الجزائري لا غير، والحيلولة دون التمادي في استنزاف مقدارتنا بالعملة الصعبة، والحفاظ عليها من كل تلاعب أو حتى تحايل باسم شعارات شتى يتحاشى أصحاب هذا الخيار لاستثمار هنا بل يفضلون الإستيراد بالرغم من الفرص المتاحة في هذا الشأن (الزيوت، العصائر، الألباب، والأسمدة).
إنطلاقا من هذه المقاربات يجدر التنويه بما بادر هنا من استثمار لا يسعنا وصفة إلا بالشجاع قد يبدو للبعض بأنه مغامرة مجهولة العواقب لكن إذا ما نظرنا إلى النسيج الصناعي لا نجد مثل هذا الاستثمار المعوّل عليه في التخلص من التبعية في هذا المجال الحساس.
والحلقات القوية في كل هذا المسعى هو الانسجام بين (الإدارة، صاحب العمل، البنك، الضرائب) هذه العلاقة ما تزال متشنجة للأسف لم ترق إلى المستوى المطلوب.
وهكذا فالأولوية كل الأولوية في الوقت الراهن، هو ترك هذا المشروع يزداد توسعا، للتحكم أكثر في الأنواع المتوخى انتاجها، والمقدرة بحوالي ٤٥ نوعا، ومثل هذا العمل يتطلب أموالا غير حاضرة حاليا يوعزها المعنيون إلى موقف البنك، الذي اكتفى بمنح قرض شراء العتاد فقط ولم يواصل مرافقته لهؤلاء خلال المراحل الأخرى وما ينتج اليوم ١١ نوعا فقط.
بالرغم من أنه يمكن توفير ٥ آلاف منصب عمل، إن تم الشروع في النشاط الفعلي لعملية الانتاج التي تراهن على ٢٠ طنا بالنسبة للزيوت الأساسية، و٦ آلاف طن من العصائر وألباب الفواكه و١٠آلاف طن من الأسمدة العضوية سنويا، وهذا على مساحة ٤ هكتارات، ٦ آلاف متر مربع عبارة عن بناءات.
لم يكن اختيارنا لهذا المشروع الإستثماري الذي انطلق منذ ٢٠٠٤ عشوائيا، بل مبنيا على توجه عملي يترجم تلك الحلقة من الحلقات المترابطة في نطاق تقديم منتوج نوعي وحتى تنافسي خلافا للذين يقفزون على هذه القناعة ويفضلون النظرة التجارية المحضة، شعارهم «ماء ملون + سكر».
هذه الخلطة السحرية لا يقبل بها عند منور، كم من شخص أعاده على أعقابه عندما أراد الخروج عن القاعدة المعمول بها مقابل حفنة من الدينارات حفاظا على مصداقيته لدى شركائه.
وفي هذا السياق، حضرنا حوارا ساخنا مع أحد المتعاملين القادمين من بريزينا بالبيض الذي اقترح على المعني كميات معتبرة من مادة «النعناع» يريد أصحابها بيعها.
مباشرة أبلغه السيد منور بأن شغله الشاغل هو نوعية المنتوج لا تهمه قيمته المالية بقدر ما يريد إرضاء الآخر وأقسم له بأنه لا يدفع مليما واحدا، حتى يروا بأعينهم ما استخلصته الآلة.
حتى يعطى لكل ذي حق حقه، ولا يشعر أحد بأي إجحاف تجاهه، وخلال هذه الأثناء توافد على الموقع متعاملون آخرون يمثلون علامات العصائر المعروفة في الجزائر ليطلعوا على ما في أحواض المصنع.
واتضح لنا من خلال حديثنا مع المعنيين، بأن عالم الزيوت الأساسية وما يتفرع منها محل منافسة قوية وغيرمحدودة بين الناشطين في هذا الحقل الكل يعمل سريا يرفض الكشف عن أوراقه، لا يتعلق الأمر هنا بمتعاملين في داخل الوطن بل حتى من علامات خارجية.  لها باع طويل في هذه الصناعة.
هذه الإكراهات الإدارية لم تمنع أبدا من مواصلة السير على هذا الدرب، لتحقيق الأهداف المرسومة، منها انتاج ٤٥ نوعا من المستخلصات، والمضي في اتجاه إنجاز الإستقرار المعوّل عليه منذ أن تم انطلاق المشروع، بصفة رسمية ودخوله حيز الخدمة.

المرافقة المالية ما تزال بعيدة

وينطلق السيد زيدان مولود المسير الحالي للمصنع في رؤيته لجدوى هذا المشروع في الحياة الاقتصادية وضرورة التمسك به من المؤشرات الصادرة عن الجمارك التي كشفت عن رقم مذهل يتعلق باستيراد الزيوت الأساسية، وما يتبعها والذي تجاوز الـ ١٠٠ مليون دولار، كان يمكن أن لا نصل أبدا إلى هذا السقف إن حرصنا على أن ندعم هذا المصنع بكل ما يستلزم الأمر.
وأن تكون المؤسسات المالية في خدمة هذا المنتوج الحيوي بالنسبة للجزائر، بعيدا عن الاستيراد وبالرغم من تعهدات المسؤولين على المصنع بتغطية كل احتياجات الجزائر بنسبة ١٠٠٪، إلا أن هذه الالتزامات لا تجد صداها لدى الآخر، الذي عندما يقرر زيارة المصنع إلا من أجل تسليم هؤلاء فواتير الضرائب والرسوم، مما أنهك قواهم وثبط عزائمهم.
وفي مقابل ذلك، فإن هناك توافدا ملحوظا على المصنع من قبل باحثين مشهود لهم بالكفاءة، كالأستاذة تومي، درب، زاوي وغيرهم من ذوي الخبرة في هذا المجال، إنبهروا للعمل المنجز في هذه الجهة من ولاية البويرة، والذين اعتبروه مفخرة للجزائر في هذا الاختصاص النادر في البلد وفي المغرب العربي، حيث استنادا إلى ما قاله لنا السيد زيدان مولود فإن قدرات الانتاج عنده تفوق ما في تونس بـ ٤٥ ٪ والمغرب بـ ٣٥ ٪ زيادة على تميزها بالطابع التنافسي الشرس على المستوى العالمي، ولابد من الإشارة هنا إلى حقيقة مفادها التقرب المتواصل والملح من قبل أوساط ناشطة بهذا الميدان بهذه الشركة ذات المسؤولية المحدودة «زيفي بيو» من أجل العمل معها على نطاق أوسع لكن هناك عقلانية في التسيير من قبل مسؤولي المصنع الذين يدركون جيدا مايريدون هؤلاء في مسائل الزيوت الأساسية الموجهة إلى قطاعات حساسة كالأدوية والعطور والتجميل وغيرها من هذه الصناعات.

ذروة الإنتاج ..الأمل الحاضر الغائب

لذلك فإن هذا الرصيد المتنوع المتوفر حاليا هو الذي أدى إلى هذا الاهتمام المتزايد من قبل العاملين في هذا الحقل وبالرغم من كل هذا التهافت الداخلي والخارجي، فإن الانطلاقة الحقيقية للمنتوج لم تبلغ ذروته بسبب غياب الأموال الضرورية ما قام به البنك هو هو تمويل «الثابت» الآلات وغيرها أما «المتغير» ونقصد به السيولة المتوجهة للشروع في العمل، لم يتلقها المعنيون مما أوصل الأمر إلى مستوى أن المعمل لا ينتج الكميات المطلوبة من مواده.
وهذا الإشكال المالي ما زال منذ قرابة ١٣ سنة يخنق المؤسسة رويدا رويدا، وجعلها حتى بعيدة كل البعد عن ما تم إبداء الأمل عليه عندما تقرر خوض هذا المسار الشاق والمضني.
في هذا الإطار، أشار مسير المؤسسة مولود أنه بدءا من شهر سبتمبر ومرورا بأكتوبر ونوفمبر وإلى غاية ماي، فإننا نعتبر أنفسنا في حملة جني الحوامض تستدعي يوميا ما قيمته ٢٥٠ مليون سنتيم يوميا، وفي غضون ٣٦ يوما نحتاج ٩ ملايير سنتيم متسائلا من أين لنا كل هذه الأموال إن لم نتلق يد المساعدة من البنك!؟.
ويكون هذا المجمع بكل من البويرة، تيزي وزو، البليدة، تيبازة، غليزان، والشلف ويتعلق الأمر بالبرتقال، والحوامض الأخرى، وعلى سبيل المثال قنطار واحد من البرتقال يعطينا ٨٠ كلغ من الألباب.
في هذا الصدد ونظرا لهذه الحاجة يرى مولود بأن البنوك يتطلب الأمر منها أن تعزز بكفاءات ذوي الاختصاص في دعم الاستثمار وترقيته أكثر.
واعتبر السيد مولود أن «لارقان» شجرة جزائرية بامتياز خلافا لما يدعيه البعض، موجودة بشكل مكثف في مستغانم، بلعباس، وهران، تلمسان، بشار وتندوف ناهيك عن مناطق أخرى غير أننا لم نول لها اهتمام اللائق، تدر على البعض من البلدان مداخيل هامة.
ومن جهته، يرى السيد منور بأن المصنع له قدرات إنتاج ما بين ٦٠٠٠ و ٠٠٠ . ١٠ طن سنويا من الأسمدة الطبيعية بنسبة ١٠٠٪ تستعمل للفلاحة لكن للأسف ٢٠٠٠ طن مكدسة حاليا في المخازن، ذات جودة عالية غير أنه لم يأبه بها لأن الفلاحين تعودوا على استعمال الحاملة للمواد الكيماوية، فمتى ستسوق يا ترى؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024