«الشعب» تفتح ملف «الدليل السياحي» بالقصبة

المرشدون السياحيون الأحرار يوافقون على إعادة تنظيم النشاط بقواعد مهنية جديدة

جمال أوكيلي

من بداية الأسبوع وإلى غاية نهايته يقف كل من يتوجّه إلى القصبة أو يمر أمام مسجد كتشاوة العتيق على حركة دؤوبة للسياح الذين يبدون رغبة جامحة في الولوج إلى هذا الفضاء الثري الشاهد على سلسلة أحداث ممتعة عند الاستماع إلى رواتها الضالعين في هذا الميدان.
هذا الكم الهائل من السياح يتطلّب ما يسمى بالدليل Le guide الذي يخول له مرافقة مجموعة منهم إلى داخل هذا المكان، لتلبية لهم هذا المطلب لكن من هو هذا الدليل الذي يتكلّف اليوم بالسياح الأجانب، والذي يتجوّل بهم من القصبة السفلى إلى العليا، لسنا هنا من أجل إفساد على هؤلاء «خبزتهم» أو المساس بما يمارسونه من عمل يرونه لائقا بهم اعتادوا عليه لا يستطيعون التخلي عنه بعد كل هذا المسار الطويل.
غير أننا نودّ أن نفتح ملف «الدليل السياحي» بالقصبة بشكل مهني بعيدا عن أي خلفيات تذكر تجاه أولئك الذين ينشطون في هذا المجال، لا نوّد التشويش عليهم أو التأثير على معنوياتهم بالدعوة إلى «منعهم» أو شيء من هذا القبيل.
كل ما في الأمر هو إعادة تنظيم هذه المهنة وفق مقاييس جديدة، ونعني بذلك وضع دفتر شروط يحدّد كيفية ممارسة هذا العمل حتى يدرج في مساره المأمول أو المبحوث عنه.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن التشخيص الأولي لواقع «الدليل السياحي» اليوم مدعاه لتساؤلات فعلا تصنف في خانة الشرعية، لا لشيء سوى لأن التمادي في اعتبارها مهنة حرة، كسائق سيارة الأجرة، أو المحامي أو الطبيب، دون تقسيها وتأطيرها بتنظيم تشريعي، قد تخرج عن نطاق دائرة التحكم فيها بالشكل اللائق.
لذلك، فإن لا يحق لكل من هبّ ودب أخد مجموعة من السياح أو تحديد لهم موعد قصد العمل معهم طيلة يوم كامل بداخل «دويرات» والقصور والأطلال وغيرها.
لأن هناك غيابا لخريطة الطريق ونقصد بذلك برنامج واضح لا يخضع لأي نزوات شخصية أو أمزجة خاصة ينقل هؤلاء إلى النقاط التي تناسبهم فقط دون المرور عبر نقاط ذات أهمية قصوى، مثل محلات صناعية وبيع الجلود والنحاس ومواد أخرى كالخشب.
هذا الإقصاء الذي يعتبره البعض من الحرفين القدامى متعمدا صادر عن نوايا مبيتة، يفسر على أنه جهل من هؤلاء، وعدم تقديرهم للجهد المبذول من أجل الحفاظ وترقية ما تبقى من الحرف القليلة المنتشرة هنا وهناك، كما تعد انتقائية لا غبار عليها تعوب بالسلب على مفهوم السياحة في القصبة.
والعلاقة اليوم متشنّجة بين الدليل السياحي والحرفيين، إلا البعض من يعدون على الأصابع، من يتفكرونهم بأنهم موجودون في زوايا هذا العالم.
وقد فسر لنا أحد العارفين ذلك بأن الأمر لا يعدو أن يكون جهلا من لدن البعض، الذين لا يقدّرون مغزى الاتيان بالسياح إلى محلات الحرفيين، مفضلين عدم الدخول في متاهات هم في غنى عنها ما يفضلونه هو أخذ مستحقاتهم دون عناء أو مشقة.


الهادي بن دبكة: مرشد بامتياز  
وكان لنا حديث شيق مع الهادي بن دبكة حول ما اصطلح على تسميته بالدليل السياحي، كاشفا لنا خبايا وخفايا هذا النشاط ورأيه الصريح في كل ما يحدث في الوقت الراهن.
هذا المرشد السياحي هو ابن القصبة، يجيد اللغة الإيطالية إلى درجة أنه مطلوب من قبل الجهات المعنية عندما يتعلق الأمر بالترجمة سواء على مستوى ضيق أو واسع.. ساعده في ذلك تكوينه كحقوقي.
وهكذا منذ 2012، وجد نفسه وجها لوجه مع نشاط جديد ألا وهو التعامل مع السياح كدليل لهؤلاء مرافقا لهم عبر مسارات هذه الأحياء، وفق برنامج واضح معد سلفا مع كل الأطراف المعنية لتوفير ما يلزم من الراحة الكاملة للسياح من تكفّل بهم عند رغبتهم في دخول المتاحف وتحضير لهم الأطباق التقليدية لدى العائلات بالقصبة، وهذا استنادا إلى اتفاق مسبق بين الأطراف المعنية، حول ما يريده السياح.
ويرى بن دبكة، بأن الدليل أو المرشد السياحي ليس مؤرخا ملما بتفاصيل الوقائع في زمانها ومكانها وإنما يسعى لتكييف الأحداث السالفة الذكر مع السياق الراهن بأسلوب جذاب ومشوق ومغر.
ليشعر المستمع بالفارق الملموس بين ما ورد في الكتب وما هو في الواقع، وهذا بشد انتباه الحضور بالاعتماد على الاثارة المستمدة من الأسطورة، إلى غاية توصيل الرسالة إلى الآخر، وما يصدر عن المرشد السياحي لا علاقة له بالمقرارات الأكاديمية أو الدروس البيداغوجية.
ويفسر بن دبكة غياب المرشدين السياحيين حاليا، بالطابع الإداري الذي تميزوا به طيلة مسيرتهم المهنية، مما جعلهم ينفرون منها بعد أن تحوّلت عبئا عليهم، وسقطوا في فخ الروتين.
وكان لابد من ظهور البديل التلقائي الذي سدّ هذا الفراغ فورا نظرا للحاجة الملحة في هذا الإطار الحيوي.

20 مرشدا ينشطون بالقصبة

اليوم هناك حوالي 20 مرشدا سياحيا بعدما كانوا 4 فقط، منهم من انسحب بشرف من هذا الفضاء ومنهم من غادرنا، عملوا في ظروف خاصة واستثنائية عندما كانت الإدارة تهيمن على هذا النشاط، وقفت حاجزا في وجه المبادرات الراغبة في ترقية مفهوم السياحة، وجعل الجزائر مقصدا عالميا حقيقيا، ووجهة مفضلة بامتياز من قبل المتعاملين في السياحة والخدمات.
واعتبر السيد بن دبكة، الدعوة إلى تنظيم المهنة وفق تصور جديد مقبولة مبدئيا.
غير أنه أبدى تحفظه تجاه كيفية إعداد الترسانة التشريعية على أن لا تكون أحادية الجانب بل المطلوب فتح نقاش معمّق هذه المرة حتى لا تنفرد الادارة بالقرار النهائي، وإنما الكلمة الفاصلة والرأي الحاسم يعود إلى المهنيين لتفادي تكرار أخطاء الماضي، ونقع مرة أخرى فيما يسمى بالاحتكار وتقلب المعادلة القائلة «كل شيء ممنوع إلا ما يسمح به القانون» إلى « كل شيء مسموح إلا ما يمنعه القانون»، ويكون الإصلاح المرتقب في هذا الإطار، أي عدم منح الامتيازات كالاعتماد للبعض دون البعض الآخر.
وحاول بن دبكة رفقة مجموعة من المرشدين إدراج هذا النشاط ضمن «جمعية» لكن شروط الإدارة منعت ذلك، منها على سبيل الميثال أن يكون المعني قد اشتغل في قطاع السياحة.
هذا ما ثبّط عزائم الكثير من الراغبين في الانضواء تحت تمثيل جمعوي للدفاع عن مصالح هؤلاء المرشدين.
وبالرغم من كل هذا، فإن المرشد بن دبكة يتمتع بتغطية قانونية كونه منتدبا من قبل وكالة خاصة، ويعمل عاديا، في مرافقة السياح من خلال الطلبات التي تصله في كل مرة، مراعيا في ذلك مقاييس معينة في مستحقاته كالوقت، العدد، اللغة المستعملة، تتراوح ما بين 3500 و 5000 دينار، للسائح الواحد، وعندما يكون العدد حوالي ٧ فما فوق يحدد بـ 1000 دينار للفرد، وهذا من الساعة الـ 10 صباحا إلى غاية الرابعة مساء.
وهذه التسعيرة يراها هؤلاء بالمعقولة لا يمكن تجاوزها إلى سقف أعلى.
وأحيانا يصطدمون بحالات غير متوقعة من بعض السياح الذين «يتفاوضون» بشراسة حول الأسعار، في حين هناك من لا يعقّد من الأمور كسياح روسيا، وأمريكا اللاتينية الذين يظهرون سخاء حاتم الطائي.
والأماكن الأكثر طلبا أو بالأحرى المعنية بالزيارات هي دار السلطان، سيدي رمضان، سيدي عبد الرحمان، عرباجي عبد الرحمان، دار علي لابوانت، سيدي عبد الله، يضاف إلى ذلك نقاط أخرى، قد تكون طارئة يدرجها المرشدون في برامجهم نزولا عند رغبة السياح.

صغير حسان: لم يعترفوا بشهادتنا

أما حالة صغير حسان الحامل لشهادة دليل المتاحف والمواقع التاريخية، للأسف لا يمارس هذه المهنة بالرغم من التكوين الذي تلقاه في هذا الشأن، كون الوثيقة التي بحوزته غير معترف بها من طرف مصالح الوظيفة العمومية التي رفضت اعتمادها بحجة تغييبها من قبل وزارتي الثقافة والتكوين المهني منذ 19 سنة أي في سنة 1998.
هذا الاستثناء القاطع حرمه من العمل في هذا المجال وحاليا يشتغل في متحف خداوج العمياء، غير أنه يعرف جيدا وبالتدقيق مواقع القصبة التي ولد وترعرع فيها.
هذا لا يمنعه من حين لآخر من مرافقة أفواج من السياح لاطلاعهم على كنوز القصبة من تراث معماري ضارب في أعماق التاريخ، ويجد هؤلاء لذة في استحضار أحداث الأزمنة الغابرة، وإعادة إحيائها في قالب جديد.
وفي كثير من الأحيان، يكون المرشد السياحي عرضة لتحايلات البعض من الأشخاص الذي يأتون معهم، عندما يتعلق الأمر بدفع مقابل الزيارة، نظرا لعدم أخذ احياطاتهم في هذا الجانب والكثير من يتنازل عن ذلك احتراما للسائح الأجنبي وهذا بتشجيعهم على العودة.
وكان صغير حسان ينوي فتح مكتب خاص بالسياح على مستوى القصبة رفقة زملاء له في المهنة إلا أن المشروع اصطدم بجدار البيروقراطية وهكذا ولد ميتا وقتل في المهد.

الحرفي مصطفى بولعشب: نعاني الإقصاء من المرشدين

وتساءل الحرفي في مادة الجلود السيد مصطفى بولعشب المدعو احسيسن عن المقاييس الواجب أن تتوفر لدى الدليل أو المرشد السياحي، منها خاصة تمكنه من إتقان لغة من اللغات، الثقافة العامة، الإلمام بتاريخ المنطقة، حسن الكلام والهندام، قدرة التواصل مع الآخر، الذاكرة القوية، وحب المهنة.
هذه الأبجديات لا تجدها حاضرة عند كل دليل لأنها تتطلّب تكوينا معينا، وهذا النقص قد يكون السبب في عدم إكتراث البعض بالحرفيين الذين يأملون في رؤية السياح يقتربون منهم، إلا أن الواقع غير ذلك، محلاتهم تعاني الهجران وتحفهم مكدسة لا يوجد من يبحث عنها، هذا ما أثار حفيظة هؤلاء الذين يعتبرون ذلك إقصاء وتهميشا لهم، لأنهم يعدون حلقة من حلقات الفعل السياحي بالقصبة، وجزء لا يتجزأ من كل هذا النسيج الشامل من التراث المادي واللامادي، وفي هذا السياق يدعو بولعشب إلى ضرورة تنظيم هذه المهنة، وهذا بإحصاء كل المرشدين الحاليين.. وقد قدّر بن دبكة عددهم بـ22 مرشدا والتكفل بهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024