مؤهلات تاريخية وثقافية في طي النسيان بقسنطينة

«سيرتــا» تئن تحت وطأة اللامبالاة وتغييب مقوّماتهـا

قسنطينة: مفيدة طريفي

مدن أثرية تعيش العزلة.. وثروة سياحية غير مستغلة


رغم المقومات والمعالم السياحية التي تمتلكها عاصمة الشرق الجزائري، والتي تصنفها من أقدم وأجمل المدن، إلا أن المخطط العام للتنمية السياحية الذي كان بإمكانه أن يوفر إستراتيجية للتوسع السياحي لم يشملها، حتى مخططات عمل وتدابير يجب اتخاذها على عدة أقطاب سياحية.
المدينة الآن لا تعتبر قطبا سياحيا متميزا رغم ما تمتلكه من مقومات وزخم ثقافي، بسبب تهميش القطاع وغياب إرادة حقيقية لإنعاشه، رغم إمكانياتها في إنعاش خزينة الولاية خصوصا والوطنية عموما، وهي الحقيقة المرة التي رصدتها «الشعب» في هذا الريبورتاج، لعل تكون مبادرة للتحرك وتنفض الغبار عن الموروث الثقافي المادي واللامادي لمدينة الجسور المعلقة.
تعاني المنشأة السياحية بالولاية من تهميش ولامبالاة بالنظر للمكاسب الطبيعية والثقافية التي تحظى بها، على غرار تدهور عدد من المناطق الأثرية منها المدينة «دولمان سيدي مسيد» التي أضحت مخربة وآيلة للزوال، طريق السياح مهدد بالانهيار فضلا عن الكهوف الصخرية والمصعد الهوائي المغلق والمنسي، هذه الأخيرة التي بإمكانها قلب موازين السياحة بالمدينة وإنتعاش القطاع وإخراجه من دائرة النسيان والإهمال.
أما فيما يخص مرافق التسلية في المدينة، فتعتبر منعدمة بغض النظر عن المرافق القديمة التي تعرف ورشات منذ عشرات السنين والتي تأتي في مقدمتها حظيرة التسلية بجبل الوحش، منطقة تيديس، هذه الوضعية التي لا تنفك وأن تؤثر على الدخل العام للخزينة العمومية التي اعتمدت طويلا على عائدات النفط ، ولم تأخذ السياحة كأولوية فضلا عن البرامج التي لم ترق إلى الاهداف المحددة لها خاصة في الانفتاح على الخواص للاستثمار في هذا المجال.
قسنطينة التي تتوفر على موارد طبيعية، ثقافية وتاريخية فريدة ومتنوعة تسمح لها أن تكون في المستقبل قطبا سياحيا متميزا، ما يعطي لها فرصا واسعة بعدة أشكال للسياحة التاريخية، الثقافية، الطبيعية والدينية فهي واحدة من أقدم المدن في العالم موجودة منذ 3000 سنة سكانها الأوائل اختاروا المرتفعات كجبل الوحش، المنصورة، الكهوف والصخور حيث اكتشفوا العديد من الرفات.
بالإضافة إلى الآثار بالمدينة الأم، يستقر السكان على الصخر، وهوما كان يحميهم ويسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم ضد الغزاة، هذه المدينة التي تتمتع بتاريخ كبير وعريق تشهد عليه الآثار والبقايا المهمة جدا، حيث كانت مهدا لحضارات عدة بدء من البونية، الرومان، الوندال والبيزنطيين، العهد الإسلامي، العهد العثماني، وهوما خلف مناطق أثرية متميزة وتاريخ فريد جمع بين حضارات مختلفة ومتنوعة.
 ومع كل هذه المقومات الثقافية والتاريخية، إلا أنها لا تجد منهجا جديا لاستغلالها خاصة وأن القطاع يواجه وباستمرار معوقات ونظرة ضيقة غالبا تعود إلى غياب البنية التحتية، في حين أنها أكثر تعقيدا من ذلك، لأنه لا يشمل فقط الأبعاد الاقتصادية ولكن أيضا أبعاد ثقافية واجتماعية وبيئية.

ضريح ماسينيسا.. المعلم المجهول

تعرف عدد من المناطق الأثرية والسياحية بالمدينة، تهميشا واضحا على غرار ضريح ماسينيسا الذي يبعد عن مقر عاصمة الولاية ب16 كلم وهوعبارة عن شكل مربع يرتفع بتدرج، مكون من خمس طبقات من الحجر، والذي صنف عام 1900 م كتراث تاريخي محمي، ويتعرض بشكل متكرر للتخريب وسرقة أحجاره وبالمقابل تحول إلى وكر للجريمة والفعل المخل للحياء، هذا في ظل السكوت المقلق من طرف الجهات المعنية بحماية هكذا تراث مصنف.
هذا إلى جانب دولمان بونوارة حيث يتواجد 3000 إلى 4000 دولمنس ومعظمها تم تخريبها أوتعديلها أثناء عملية الحفر للبحث عن الكنوز وهي التي صنفت كتراث محمي سنة 1900م، قبر لوليوس وهونصب تذكاري دائري مصنف كتراث، المدينة الأثرية تيديس، قصر أحمد باي، المدينة القديمة.
 إلا أنه لا يتم استغلال مثل هذه المواقع الأثرية لتحفيز السياحة لتبقى مهمشة ومعرضة للتخريب هذا في ظل سياسية السكوت واللامبالاة التي تنتهجها الجهات المعنية اتجاه هذه الكنوز الأثرية، والمواقع السياحية التي تعتبر أماكن جيدة لاستقطاب السياح ومحبي المواقع الأثرية.
كل هذه العوامل تشجع على التفكير بجدية حول تعريف مكانة السياحة في سياسة التنمية الشاملة للقطاع، حيث أن أهمية الحفاظ على التراث الثقافي وضمان الاستخدام الرشيد للموارد المائية، يعتبر أثر إيجابي لتنمية القطاع واستخدام الإيرادات لتعزيز التنمية المحلية، وهي الورقة الرابحة من أجل تنمية القطاع من خلال سياسة السياحة الوطنية وذلك على المستوى العملي، من جهة أخرى تعتبر مدينة قسنطينة مزيج متميز ما بين مقومات سياحية ضخمة وتاريخ ثقافي فريد من نوعه ما يجعلها قوة لجذب الاستثمارات والزوار.
وليس بعيدا عن المواقع الأثرية التي تزخر بها المدينة نجدها تتوفر على عدة مقومات أخرى، في مقدمتها الجسور المعلقة وأسوار المدينة العتيقة، ممر السياح والذي يعتبر إحدى الفضوليات لمدينة قسنطينة ، حيث أنجز سنة 1895وعلى طول مسافة تتجاوز 2.5 كلم والذي يسمح للزائر بمتابعة واد الرمال من جسر الشيطان إلى جسر الشلالات.
 وعرف هذا الممر تدهورا كبيرا مع مرور الوقت بسبب إهمال صيانته، ورغم المحاولات الحثيثة أثناء تقليد قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لترميمه إلا أنها لم ترقى لمستوى التجسيد، هذا رغم البعد السياحي التي بإمكانه إضافته للمدينة وللقطاع بصفة عامة، لنجد إلى جانب ممر السواح حمام سيزار المزود بشلال ومياه معدنية، وهي قديمة موجودة في أعماق واد الرمال بضواحي محطة القطار تعرضت للهدم جزئيا بسبب فيضانات 1957 وهي اليوم غير مستغلة ومهجورة، نصب الأموات هوالآخر من أهم المواقع التاريخية بالمدينة، تمثال إمرآة الحرية وكذا تمثال قسطنطين.

الفن والصناعة التقليدية في الميزان

بغض النظر عن التراث والآثار التاريخية التي تحتويها مدينة الجسور المعلقة، نجد المدينة تزخر وتتمتع بثقافة الهوية المتعددة، وباعتبارها مدينة تاريخية عرفت عدة ثقافات في ميادين الموسيقى، الصناعة التقليدية، فن الطبخ، حيث يتوجب علينا الحفاظ على هذا التراث المكتسب وتشخيصه، وتعريفه للأجيال المتعاقبة للحفاظ عليه وتطويره، وهوما يلعب دورا هاما في تدعيم قطاع السياحة وجلب الزوار إلى مدينة قسنطينة.
 فبدءا من الموسيقى التي تعتبر قطب للموسيقى الأندلسية أوالمالوف، هذا الموروث القديم ظل ينقل من جيل لآخر من طرف نساء ورجال على يد شيوخ كبار في هذا الفن كالشيخ محمد الطاهر الفرقاني، وآخرين ، إضافة إلى أنواع أخرى من الموسيقى كالعيساوة، الوصفان والفقيرات وهي كلها تدخل في إطار الهوية الثقافية للمدينة.
ففي كل زاوية بالمدينة تجد تراث يروي قصصا لقسنطينة القديمة حيث الصناعة التقليدية التي تلعب دورا كبيرا في ثقافة سكان المدينة، يوجد بها أكثر من 90 نشاط للصناعة التقليدية ويشتغل بها 3103 حرفي مسجل، والتي تختلف من صناعة الأواني النحاسية، الطرز على القطيفة، صياغة الذهب والفضة، صناعة الآلات الموسيقية وزخرفة الخزف.
 هذه الحرف التقليدية التي تعاني من عدة عراقيل من بينها غياب مدينة للحرف التقليدية، كما تعرف كافة الدول الشقيقة التي تضع الصناعات التقليدية في المقام الأول لما لها من أهمية على تنمية السياحة والمساهمة في الاقتصاد الوطني، هذا إلى جانب المواقع الطبيعية والمناظر والفضاءات الخلابة نجد الصخور التي تمثل موقعا سياحيا ذي أهمية كبيرة، لأنه يبرز التاريخ المجيد للمدينة، سيما وأنه يمثل منظرا فريد للزائريين، حيث تجد الكهوف، الغابات، الحدائق العمومية.

حظيرة فندقية محدودة

ورغم الإمكانات الضخمة التي تمتلكها قسنطينة والتي تجعلها مدينة سياحية بامتياز، إلا أن المجهودات لا ترقى لهذه المقومات التاريخية والثقافية، حيث لا تتوفر الولاية على حظيرة فندقية تقدر ب25 فندق من بينها 3 فنادق تابعة للقطاع العام و22 للقطاع الخاص والتي تتوفر على سعة استقبال تقدر ب 2490 سرير، حسب رئيس مصلحة السياحة «بن تركي عمار».
 وهوما اعتبره نسبة ضئيلة في عدد الفنادق، وتمتلك المدينة فندق واحد من نوع 5 نجوم و3 فنادق من نوع 3 نجوم، حيث لا تزال معظم المشاريع السياحية متوقفة على غرار مشروع إنجاز ثلاث فنادق بعدد 660 سرير، والذي توقف بسبب عدم حصول المستثمر على التمويل البنكي، أما فيما يخص المشاريع التي في طور الإنجاز منها 4 فنادق بعدد أسرة تقدر ب539 سرير وإعادة تهيئة لفندق سيرتا الكبير.
للاشارة توجد سبع مشاريع لم تنطلق بسبب مشكل التمويل البنكي، وصدور رخصة البناء بمجموع المشاريع المسجلة 16 مشروعا، وهوما يجعلها ضئيلة بالنسبة لمكانة قسنطينة سيما وأن المدينة عرفت أثناء تنصيبها عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015 برنامج ضخما لترميم، وتشييد بنى تحتية خصصت لها أغلفة مالية معتبرة تتعلق بمشاريع لترميم وتهيئة عدد من المواقع السياحية والفنادق القديمة التي وضعت، لكنها لم تنجز إلى يومنا هذا وهوما يجب النظر إليه بضرورة دعم الحظيرة الفندقية وهيكلة المواقع الأثرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024