شهادات ناجين من فيروس كورونا

عودة صعبة من حافة موت محقق

فتيحة كلواز

آثار عضوية دائمة وجلسات علاجية نفسية

صمدوا أمام وباء قاتل.. عاشوا آلامه التي سكنت عظامهم، بلغوا مرحلة الاحتضار بسبب نقص الأوكسجين في الرئتين، ظنوا أنها النهاية وأن الموت مصيرهم المحتوم، لكن أمل العودة كان أكبر،.. تخلصت أجسامهم من فيروس كوفيد-19، لكنها عجزت عن تجاوز آثار الجائحة عضوية كانت أو نفسية، ليسترجعوا تفاصيل حياة لم تعد نفسها قبل إصابتهم بالعدوى.
تنقل «الشعب» من خلال هذا الاستطلاع، شهادات حيّة لناجين من فيروس كورونا يروون تفاصيل العودة من حافة الموت، حاربوا فيها من أجل البقاء ليجدوا أنفسهم أمام دروس «كورونا» القاسية والصعبة.

«كورونا علمتني الحياة»

أصيب أحمد دالي، متقاعد يبلغ من العمر 70 سنة بعدوى فيروس كورونا، منذ ثلاثة أشهر تقريبا، وأكد في حديثه مع «الشعب» أن تفاصيل التجربة خارجة عن المألوف فقد صدمته ردّة فعل محيطه وأسرته بعد ظهور أعراض المرض عليه.
قال في هذا الصدد:»أستطيع أن أقول إنني أعيش اليوم حياة كنت أظنها مستحيلة بعد إصابتي بفيروس كورونا، لأن الموت هي من تسيطر على تفكيرك وذاتك عندما يؤكد اختبار الـ «بي سي ار» انضمامك إلى قائمة المصابين الجدُد، في تلك اللّحظة ستقرأ على وجوه أبنائك ومن يعيشون معك في بيت واحد علامات الخوف والريبة لدرجة أن بعضهم لم أره منذ ثلاثة أشهر، فحتى بعد خروجي من المستشفى تخوفوا من مقابلتي بسبب كورونا».
واستطرد أحمد قائلا: «كان الأمر بالنسبة لي تجربة خاصة جدا، فبعد إصابتي بأعراض الأنفلونزا، ذهبت إلى طبيب شخّص حالتي على أنها نزلة برد، اشتريت الدواء الذي كان بروتوكول علاجي خاص بفيروس كورونا، لكن مع مرور الوقت وبعد ثلاثة أيام لم تعرف حالتي الصحية أي تحسّن، لذلك جاءت ابنتي المتزوجة للاعتناء بي، في نفس الوقت طلبت عودتي إلى الطبيب.
 وبالفعل بعد التشخيص الثاني وإجراء اختبار «بي .سي. ار»، تأكدت إصابتي بفيروس كوفيد-19، في تلك اللحظة ظننت بل اقتنعت أنني ميت لا محالة خاصة بعد رؤيتي لابنتي وابناي يبكون.
 كان الأمر صعبا فقد تطوّرت حالتي ليبلغ  العبء الفيروسي ( charge viral ) نسبة 75 بالمائة، ما جعل الموت قريبا جدا مني،... ليتم نقلي إلى مستشفى بالحمامات (باينام) حيث بقيت تحت المراقبة الطبية 10 أيام كاملة، أدركت خلالها كثيرا من الأمور وأعدت الكثير من الحسابات في حياتي، وبالرغم من أنني أعاني ضعفا في جهازي التنفسي إلى اليوم إلا أن المهم إنني وسط عائلتي.»
أجاب احمد عن سؤال «الشعب» بكثير من الحسرة عن أهم ما علق في ذهنه وترسّخ داخله بعد ما عاشه بسبب إصابته بفيروس كورونا، قائلا: «كان الأهم تردد أبنائي في زيارتي خوفا من العدوى، أعذرتهم ولكن شراء أحد أبنائي الملابس الخاصة بالأطباء فقط ليستطيع البقاء الى جانبي أثر في كثيرا، كما كان أخوه الآخر يجلس تحت نافذة غرفتي في المستشفى ليتحادث معي عبر الهاتف خارج كل توقعاتي.
أما استعمال عائلتي الأواني ذات الاستعمال الواحد لإرسال الأكل لي في المستشفى كان مؤلما لأنه يوحي بالنهاية والرفض والخوف وكل المشاعر السلبية، أما الأكثر إيلاما خوفك من إن تكون سببا في إصابة أحد أحبائك بالوباء، كان شعورا قاتلا ومرعبا.»

«الوقاية أقسى درس تعلمته»

قصّتنا الثانية لشاب لا يتجاوز سنه 28 سنة، مختص في علم الأحياء يعمل في إحدى المخابر المعتمدة لتحليل كوفيد-19، (حسان – ب.) شاب يعيش حالة نفسية صعبة منذ وفاة والديه بالوباء لأنه هو من نقل لهما العدوى.
إحساسه بأنه «قاتل» يسيطر عليه لدرجة بلوغه مرحلة حاول فيها الانتحار للتخلص من تأنيب الضمير، ما استدعى إخضاعه لجلسات علاج مع مختص في الأعصاب، تحدث حسان الى «الشعب» لينقل للقارئ تجربته مع المرض القاتل كوفيد- 19 التي اختار لها عنوان: « تهاوني سر ندمي». وقال: «بعد تخرجي من جامعة باب الزوار تخصص البيولوجيا التحقت بأحد المخابر بالكاليتوس للعمل هناك، وبالفعل استطعت النجاح في مجالي بشكل ملفت، ما جعل والداي يفتخران بي كثيرا، في أواخر شهر جويلية الماضي أصبت بفيروس كورونا، لكن وبسبب عدم ظهور الأعراض كنت أتنقل إلى البيت بصفة عادية وأتعامل مع والداي دون أي إجراءات وقاية رغم كل احتمالات الخطر التي كانت موجودة، بعد إصابة والدي ثم والدتي أجريت تحاليل طبية للتأكد من العدوى، فاخبرني الطبيب أنني من نقل العدوى لهما لأن مناعتي جنبتني الأسوأ، بل منعت ظهور أعراض كوفيد- 19 على جسمي، كنت أصلي حتى لا يصابا بمكروه، لكن الأسوأ وقع فقد توفيا في يوم واحد صباح ليلة عرفة.»
استطرد حسان قائلا: «كان الأمر بالنسبة لي أشبه بكابوس، خاصة، وان سلسلة العدوى التي بدأت بسبب تهوّري واستهتاري اتسعت رقعتها بعد إصابة شقيقتي بالعدوى بعد حضورها الجنازة، حيث نقلت العدوى إلى زوجها الذي توفي، بعد يومين فقط، من إصابته، انتشار الوباء في العائلة جعل أخي المختص في طب العظام يحملني مسؤولية موت كل فرد من العائلة أصيب بالعدوى بسببي، ففيما امتنع هو عن الذهاب الى المنزل والمبيت في المستشفى، كنت أتنقل بصفة عادية رغم تحذيراته لي.»
أضاف حسان قائلا: «استقلت من عملي في المخبر وحبست نفسي في المنزل بسبب تلك النظرات التي كان الجميع يرمقني بها، كنت اسمع همساتهم تنعتني بالقاتل.. كان الندم يقتلني في اللحظة الواحدة ألف مرة حتى بلغت قناعة التخلص من العذاب بأي طريقة ومضيت في ذلك لولا أخي الذي أنقذني في آخر لحظة.
وبالفعل ـ استطرد ـ رضيت، اليوم، بقضاء الله وقدره فلكل واحد منا أجل محدود متى وصلنا إليه كانت النهاية، أصبحت أردد دائما تعددت الأسباب والموت واحدة، لكن يبقى احترام إجراءات الوقاية في أي مجال كان أقسى درس تعلمته من كوفيد-19».

« الوحدة موحشة والرضا للخروج من ظلمتها»

عانت الأمرّين بسبب إصابتها بفيروس كورونا لخوفها من الموت وهي حامل بابنها الأول، سلوى عزوز سيدة ماكثة بالبيت أكدت أن شهر رمضان الفارط كان غير عادي بالنسبة لها بعد أن أصيبت في أسبوعه الثاني بفيروس كورونا، سألتها «الشعب» عن تجربتها فأجابت: «كان الأمر بالنسبة لي صعبا تجاوزت شدته حدود صبري، فكيف لي أن أتخيل أن كورونا التي استوطنت جسدي ستكون سببا في موتي وإجهاض جنيني، كان تخطي المرحلة يحتاج إلى عزيمة كبيرة خاصة وان حماي توفي بالفيروس ما جعل الموت أقرب نهاية لما أعانيه، ففي ظل غياب معلومات دقيقة عن الفيروس لأننا كنا حينها في المرحلة الأولى من الوباء في شهر أفريل، كانت الشائعة حينها تسيطر على كل ما يقال عن المرض، لذلك كان دخولي إلى مستشفى مصطفى زميرلي، بالحراش، بالنسبة لي دخولا بلا عودة، حيث إقتنعت تماما أن خروجي منه لن يكون إلا داخل نعش».
استطردت سلوى قائلة: «غالبا ما يسيطر على الإنسان خوف رهيب من الموت، لذلك شعرت برعب داخلي من إمكانية إجهاضي ودعوت الله أن ينجو ابني على الأقل من المصير المحتوم، خاصة وان الجميع تخلى عني، أعلم أنها تدابير وإجراءات وقائية حتى لا تتسع دائرة العدوى، لكن شعور الوحدة والخوف صعب ومؤلم عندما تجد نفسك وحيدا في ظلام حالك، لكن لطف الرحمان منحني الشفاء.»
أضافت قائلة:» رغم الضعف والوهن الذي أعانيه اليوم والصداع الدائم في رأسي، أسعدني ربي بميلاد ابني الذي أسميته ناجي، لأنه نجى من موت محتّم، ولد ليحيى في عالم لا يرحم لا يؤمن إلا بالأقوى، يرمي الناس فيه من يحبون لمجرد وقوعهم في مأزق، المرض بالنسبة لهم عقاب.»

رغم شفائها السكتة الدماغية تُلاحقها

هي واحدة ممن أصيبوا بكوفيد-19 من السلك الطبي، خوخة – ب. في عقدها الثالث، تقني سامي في التخذير والانعاش ما زالت ترقد في مستشفى مصطفى باشا الجامعي بعد دخولها في غيبوبة بسبب إصابتها بسكتة دماغية فور شفائها من فيروس كورونا، هي اليوم تحت تأثير أقوى الأدوية المخدرة حتى لا تبقى متشنجّة وغير قادرة على استعادة وعيها، أصيبت بحالة نادرة من فيروس كورونا الذي أصاب الدماغ وليس الرئة، كما هو معروف عن كورونا، ما جعل أهلها في حالة قلق كبير لأن حالتها الصحية تزداد تعقيدا في كل يوم، بسبب عجز الأطباء عن إيجاد الحل الشافي لها.
شكلت حالتها الخاصة صدمة كبيرة لدى زملائها الذين يزورونها يوميا للاطمئنان عليها، عندما تستيقظ من الغيبوبة تتكلم معهم لكنها تعود إلى غيبوبتها مرة أخرى، العجز عن مساعدتها أحبط معنويات عائلتها التي تنتظر الفرج من الله تعالى لينعم عليها بالشفاء. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024