الطفولة تحتفل بيومها العالمي في ظروف مستقرّة

من جائحة كورونا إلى «جائحة» الإدمان الإلكتروني

فتيحة كلواز

مساحة أكبر للأطفال انفراج الوضع الوبائي

قرارات استباقية للحفاظ على صحة الطفل

للمرّة الثانية على التوالي يحتفل الطّفل الجزائري بيومه العالمي على ضوء أزمة صحية استثنائية بسبب جائحة «كوفيد-19»، لكنها على عكس السنة الماضية تعرف تخفيفا تدريجيا أعطى الطفل مساحة أكبر ليعيش حياته في ظروف تقترب رويدا رويدا من الطبيعية، فبعد سنة غلق تعرّض خلالها إلى ضغط كبير بسبب وضعه في «قفص زجاجي» محكم الاغلاق خوفا عليه من العدوى، استنشق أخيرا مع بوادر التّخفيف والتّعايش مع الوباء هواء عليلا بعيدا عن «حماية» مفرطة تجاوزت حدود «المعقول».

كان الـ 12 مارس 2020 تاريخا مهمّا حُفرت أرقامه في ذاكرة جيل كامل من الأطفال، الذين وجدوا أنفسهم أمام وضع صعب لم يعرفوه من قبل، بل حتى الآباء وقفوا مثلهم تماما مكتوفي الأيدي ينتظرون ما ستأتي به قابل الأيام، لذلك كان الطفل مجبرا على البقاء تحت الحجر الصحي داخل المنزل.
ووضعت قائمة ممنوعات شملت كل ما يميز حياته كطفل، فلا لعب في الخارج، ولا زيارات للأهل، ولا ملابس عيد، ولا رحلات ونزهات عائلية، ولا فضاءات التسلية والترفيه، ولا عطلة ورحلات الى دول في الخارج أو ولايات داخلية، كلها بل تزيد على ذلك، حوّلت حياته بين ليلة وضحاها إلى حياة أخرى لا تفاصيل فيها سوى الهروب الى المنزل من عدوى فيروس كورونا.

«فري فاير» و»بوب جي» مدمنوها أطفال

 ولأنّه كائن صغير لا يستوعب حدود الزّمان والمكان، تحوّل بسبب كل تلك المحظورات إلى فريسة سهلة للأنترنت، حيث عرفت لعبة «فري فاير» و»بوب جي» إقبالا كبيرا من الأطفال، الذين وجدوا فيها متنفّسا للسجن المفروض عليهم وعلى أسرهم داخل المنزل، فـ «السجّان» فيروس لم يعرف الأطباء بعد كل شيء عنه.
الإدمان الإلكتروني كان أكبر مشكل عاناه الأولياء في فترة الحجر الصحي، فقد أصبح أطفالهم مجرّد كائن انتباهه مشدود فقط لشاشة الهاتف الذكي او اللوح الالكتروني أو الحاسوب، ما جعلهم يعيشون فترة سكون وسكوت مقلق لأنّه كشف عن إدمان خاص حول حياة الأطفال الى حياة افتراضية مليئة بالمعارك، فأصبح الطّفل يتعرّض إلى عنف من نوع خاص زاده ضغط الحجر الصحي خطورة.
وقد أبدى الكثير من المختصّين تخوّفهم من نتائج هذا الإدمان والبقاء أمام الشاشة الزرقاء لفترات طويلة لا يقطعها سوى وقت الوجبات أو الحمام، أو النوم الذي قلت ساعاته بسبب الاقبال «الشره» على اللعبتين اللّتين زاد عدد المشتركين فيها بالملايير في فترة انتشار الوباء، حيث أعطت لاعبوها الأطفال فرصة التنافس مع آخرين من دول مختلفة ما شكل علامة فارقة في الإدمان عليها.
في ذات السياق، أرجع المختصّون خطورة الإدمان على الانترنت الى آثارها السلبية على صحة الطفل الجسدية لإصابته باضطراب في النمو بسبب قلة النمو والأكل، وكذا ضعف البصر بسبب البقاء لساعات طويلة تحت تأثير الضوء الأزرق إلى جانب الصداع، أما النّفسية فمرتبطة بظهور أعراض العنف على الطفل، حيث يصبح كثير النرفزة وفي حالة انطواء وعزلة تامة عن محيطه، ما يجعله فريسة سهلة لبعض من العصابات الإجرامية التي تعمل على استغلال الطفولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك وجد الكثير من الأولياء أنفسهم أمام وضع صعب استدعى عند البعض منهم تدخل المختص النفسي لتخليص أبنائهم من الإدمان الإلكتروني.
لكن ومع بداية مرحلة التعايش مع المرض، أكّد الأطباء أنّ الأطفال غير معنيّين بسلسلة العدوى الحقيقة العلمية التي أعادت الأمل للأطفال بأن تسترجع يومياتهم صفة «طبيعية» من جديد، حيث عادوا بصفة تدريجية إلى حياتهم العادية مع مراعاة إجراءات الوقاية، لكنهم على الأقل استطاعوا استرجاع حقهم في قبلات الأجداد وأحضانهم الدافئة.

العودة إلى المدرسة.. النّقطة الفاصلة

بعد جدال كبير، أخذت الدولة الجزائرية قرار عودة التلاميذ إلى المدرسة، خاصة وأنّ التقارير الطبية لمنظمة الصحة العالمية أخرجت الطفل من سلسلة ناقلي العدوى، لذلك كان ضروريا رجوعه إلى مقاعد الدراسة، حيث تمّ تحديد تاريخ 21 أكتوبر 2020 للدخول المدرسي للطور الابتدائي و4 نوفمبر للطورين المتوسط والثانوي، ما سمح من تجاوز مرحلة وعقبة مهمة من الأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ السنة الفارطة.
التحاق التلاميذ بمقاعد الدراسة أعطى الطفل متنفسا جديدا وخفف الضغط عن الاولياء المتوجسين والمتخوّفين من العدوى، فكانت التعليمات بالتطبيق الصارم للبروتوكول الصحي داخل المؤسسات التعليمية في مختلف الاطوار الدراسية، خطوة مهمة في العودة الى الحياة الطبيعية بصفة تكاد تكون كلية وشاملة، لذلك شكّل الدخول المدرسي منعرجا مهما في تعامل المحيط مع الطفل في ظل الازمة الصحية، حيث أخرج تماما من سلسلة العدوى.
بل شكّل التحاقه بمقاعد الدراسة جرعة أمل لكل أطياف وشرائح المجتمع لأنّهم على يقين أنّ الدولة الجزائرية لا تراهن بحياة أطفالها، ولا تتلاعب بصحتهم، لذلك منح إعادة فتح المدارس أمام التلاميذ ثقة في تجاوز مرحلة الخوف من الوباء، مكرّسا دخول الجزائر مرحلة التعايش مع الوباء مع الإبقاء على الإجراءات الوقائية لمنع خروج الوضعية الوبائية من استقرارها.
ليتحوّل الطفل بذلك إلى مؤشّر أو بوصلة التي نستطيع أن نتعرف من خلالها على معطيات الازمة الصحية الاستثنائية، وبمقارنة بسيطة بين نفس الفترة في السنة الحالية والفارطة نجد أنّها تعرف اختلافا كبيرا، ففي جوان 2020 كانت المدارس مغلقة مع إلغاء امتحان شهادة التعليم الابتدائي مع تحديد معدل 4.5 للانتقال الى الطور المتوسط، بينما أجّل امتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا إلى شهر سبتمبر من نفس السنة، لذلك يمكن القول إنّ فتح المدارس ساهم في جعل الطفل المترس يعيش مختلف امتحانات السنة سواء كانت فصلية أو رسمية بصفة عادية، ما يعطيه فرصة قضاء عطلة صيفية عادية خاصة بعد الفتح التدريجي للمجال الجوي.

صحّة الطّفل..أولوية

المتتبّع لمختلف القرارات والتدابير التي جاءت في إطار الاستراتيجية الوطنية لمجابهة وباء كورونا، يلاحظ أنّ صحة الطفل منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية شهر مارس 2020 كانت أولوية الجميع، فعندما كانت المعطيات العلمية تقول بخطورة الفيروس على الأطفال، اتّخذت الجزائر قرارات استباقية لمنع أي خطر عن الأطفال فتم غلق فضاءات التسلية رياض الأطفال، والمدارس مع تسريح الأمهات العاملات المربيات، وكذا تكييف عمل بعضهن لتعملن عن بعد من أجل الحفاظ على صحة الصغار النفسية خاصة في ظل وجود فيروس مجهول يكتسح العالم.  
ومع تطوّر الأبحاث العلمية وظهور بوادر لقاح ضد «كوفيد-19»، بدأت السّلطات المعنية في اتخاذ قرارات التخفيف خاصة على الأطفال، المحبوسين داخل منازلهم، لذلك فتحت الشواطئ، المساحات العمومية وفضاءات التسلية والترفيه، ليضع الطفل بذلك لوحته وهاتفه الذكي ويخرج للاستمتاع بالشارع واللعب مع الأطفال، مع الإبقاء على صرامة التقيد بارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي.
 
 انفراج أعاد الأطفال إلى حياتهم الطّبيعية

أكّد رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، البروفيسور مصطفى خياطي، في اتصال مع «الشعب»، أنّ الطفل في الجزائر يعيش انفراجا ملحوظا في حياته اليومية على ضوء الازمة الصحية الاستثنائية، بعد استقرار الوضعية الوبائية منذ شهور في الجزائر، وكذا توفر اللقاح حيث انطلقت الحملة الوطنية للتلقيح ضد «كوفيد-19» نهاية جانفي الماضي.
وهو ما أعطى الطفل في السنة الثانية من الازمة الصحية الاستثنائية مساحة أكبر ليعيش طفولته بمختلف تفاصيلها، وهو نوع من الانفراج مقارنة مع بنفس الفترة في السنة الماضية، حيث كان الفيروس مجهولا للأسر والعائلات، ما استدعى إجراءات وقائية وتدابير احترازية أكثر تشدّدا وصرامة، لكن بعد مرور شهور وتطوّر الأبحاث العلمية تأقلم الناس مع الجائحة، وتحرّر الطّفل من بعض القيود حيث أصبح المختصّون يملكون رؤية أوضح وأحسن عن الوضع الوبائي.
وربط المتحدّث التخفيف من تلك القيود على الطفل بندرة إصابة الأطفال بعدوى فيروس كورونا، ففي ظل توفر اللقاح أصبحت نظرة المعنيّين من أطباء ومختصين أكثر إيجابية نحو الوباء، حيث أكّدت الإحصائيات التي جمعها البروفيسور خياطي قلة عدد الأطفال المصابين بالفيروس، فحتى نوفمبر سجّلت المستشفيات والمراكز الاستشفائية أقل من 30 إصابة لدى الأطفال، أما مرحلة الحياة الاقل من ثلاث سنوات فسجلت بعض الإصابات فقط عند رضع نقلت إليهم العدوى من طرف أمهاتهم المصابات.
وفي سؤال حول تعرّض الأطفال لعنف أكبر خلال الأزمة الصحية الاستثنائية، أجاب البروفيسور أنّ الإحصائيات التي سجّلتها المديرية العامة للأمن الوطني أو الهيئة الوطنية لترقية الطفولة أظهرت عدم ارتفاع حالات العنف ضد الأطفال مقارنة بالأرقام المسجلة بأوروبا، حيث كان تعرض الطفل لعنف أكبر بسبب تأثير الحجر الصحي أو المنزلي في الحقيقة أقل من السنوات الماضية، ما اعتبره أمرا إيجابيا بالنسبة للجزائر.
وعن تعامل الجزائر مع الطفل على ضوء الأزمة الصحية الاستثنائية منذ شهر مارس 2020، أكّد أنّها تعاملت باحترافية واضعة صحة الطفل أولى أولوياتها، وتعاملت بجدية مع مستقبله، ولم تتوان في فتح المدارس بالرغم من الجدل الكبير ورفض الكثير من النقابات إعادة فتحها، فقد اتخذت الجزائر القرار الصائب الذي تراه مناسبا للحفاظ على مستقبل الأطفال، مع وضع بروتوكول صحي، وأخذ كل التدابير الممكنة والكفيلة بحماية الطفل من أي خطر وبائي، كاشفا أنّه كانت من بين المرحّبين بهذا القرار لأنّ المعطيات الطبية والأبحاث المخبرية أكّدت عدم وجود خطورة على صحة الطفل.
في ذات السياق، قال خياطي إنّه سمح للأطفال بالعودة إلى المدرسة دون وجود أي تذبذب أو أي إشكالية من الناحية الصحية، وهذا شيء إيجابي مقارنة بدول أخرى لجأت إلى غلق مدارسها بسبب الجائحة، وإن كانت هذه الدّول تملك إمكانات أخرى في التعليم عن بعد، الشيء الذي لم نتحكّم فيه بعد.
وعن واقع الطفل في الجزائر، شرح البروفيسور أنّه خلال السنوات الأخيرة سُجّلت خطوات كبيرة سمحت بالتكفل ببعض مشاكل الطفل التي يعانيها، لكن «لما نرى اليوم وجود قوانين كثيرة متعلّقة بالطفل مبعثرة في مواد مختلفة، لهذا طالبنا منذ سنوات بالرجوع الى قانون شامل هو «قانون الطفل» يجمع كل القوانين المتعلقة به، مع العمل على يحينها، بغية السماح لمتتبعي شؤون الطفل أن يجدوا كل الأجوبة التي ينتظرونها، كما سيعمل على تسهيل التنسيق بين القوانين الموجودة».
وكشف لـ «الشعب» أنّ قانون 2015 لحماية الطّفل فيه 100 بند من 150 بند خاص بالطفل، تتكفّل بجنح الأطفال ومشاكلها الشّائعة، هناك ثغرة متعلّقة بالطّفولة الأولى، المشاكل المدرسية وحق التمدرس، حق الطفل في التعبير عن أفكاره وسلوكه، فرغم أنّ كلّها موجودة في مواد قانونية إلاّ أنّها          لا توجد قوانين تطبيقية تعطيها وزنا أكبر.    

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024