الباحث في الدراسات الأفريقية سالم قرش لـ»الشعب»:

مالي يراهن على المصالحة لتحقيق الاستقرار

أجرى الحوار: جلال بوطي

 مقــاربة الجــزائر تعتمد على التنمية والتنسيق الأمني

يعتبر سالم قرش الباحث في الدراسات الأفريقية بالمدرسة العليا للعلوم السياسية، أن طريق السلام في مالي لم يعد مستحيلا بالنظر لتقارب أبناء البلد حول تسوية شاملة تنهي حالة الفوضى التي سادت في السنوات الأخيرة، لكنه يشير في هذا الحوار مع «الشعب» إلى سعي أطراف دولية لإجهاض هذا التصالح كونه لا يخدم أجندتها في منطقة الساحل وهو ما يبرّر تنامي النشاط الإرهابي للتأثير على السلطة الانتقالية التي قرّرت نهج الحوار مع كل الفرقاء.

«الشعب»: مرّت سبعة أشهر على تسلّم سلطة انتقالية الحكم في مالي منذ استقالة الرئيس كيتا، كيف تقيّمون المشهد؟
سالم قرش: تعمل السلطة المؤقتة الحالية في  مالي في أجواء يغلب عليها الترقب والاستنفار بعد بروز مؤشرات انفراج في ليبيا قد تشكّل من انتقال المسلحين والارهابيين الهاربين منها إلى عمق الساحل هاجسا لها وكذلك لمختلف القوى الإقليمية، أما محليا فقد شهدت تصعيدا في عمل الجماعات الإرهابية المتنافسة على فرض أجندتها بسياسات نشر للفزع من خلال القتل والإحراق ونشر الرعب بين الأهالي لفرض منطقها ضمن أي تسويات قد تصل لها الحكومة المؤقتة، أما إقليميا فقد تمّ رسم خارطة طريق تمّت تزكيتها من قبل مجموعة دعم المرحلة الانتقالية التي استحدثها الاتحاد الأفريقي نهاية نوفمبر الماضي خلال اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي وبمباركة من الأمم المتحدّة لمرافقة الشعب المالي في تطبيق ميثاق المرحلة الانتقالية وحل الأزمة الاجتماعية والسياسية وتشكيل حكومة انتقالية تقوم بمباشرة الإعداد للإصلاحات السياسية والمؤسساتية. تبعه اجتماع ثان لدول الساحل ومجموعة الإيكواس في العاصمة الطوغولية لومي بداية مارس 2021، صبّ في نفس السياق لملاحظة التقدّم المحرز بخصوص الإصلاحات والالتزامات من أجل السلام لضمان إجراء انتخابات سلمية العام 2022.
تبذل السلطة الانتقالية في مالي جهودا كبيرة لإقرار الأمن لكنّها مازالت تصطدم بتحديات وعراقيل فما الطريق إلى تطبيع الوضع؟
 عرفت مالي منذ قيامها سلسلة من مراحل عدم الاستقرار والعصيان والتمرّد بما جعلها دولة «هشّة» نتاج العوامل المعروفة ونتاج تطوّر الظواهر بما جعل الأمور تزداد تعقيدا والتحديات تتضاعف بشكل صار من الصعب على دولة مثل مالي أن تنجح في القضاء على ظاهرة الإرهاب في الوقت الذي سجّلت القوى الكبرى بما تملك من آلة دعائية إعلامية وأموالا وقوة صلبة، فشلا في احتوائها. لذلك من الإجحاف أن ننتظر نجاح السلطة في مالي  في دحر الدمويين بمفردها ما لم تتضافر الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد سبل الدعم والإسناد.
 بعيدا عن التحدي الذي يشكّله الإرهابيون، استطاعت دولة مالي أن تحقّق بعض التقدّم في مسار عودة السلام، فأي خريطة طريق يمكنها أن تقود هذه الدولة إلى الانفراج؟
 سياسيا يجب الالتزام بتعزيز السلام والأمن وفق خارطة طريق لاستعادته، مرورا بالتسوية السياسية عبر خطوات عملية لاستعادة الثقة بين الأطراف المتنازعة، ويأتي إحلال السلم كشرط للمرور لباقي المحطات ولعلّ أبرزها هي حتمية الحوار بين الفرقاء للوصول إلى صياغة دستور توافقي عبر مرحلة انتقالية يتم فيها إثراء نقاش عميق لتحقيق الاستقرار السياسي. يمكن لمواثيق السلم التي توصل إليها النظام السياسي في مالي مع قوى المعارضة أن تكون نواة لدستور معدل يراعى فيه طبيعة وخصائص مكونات الشعب المالي بما يمهد لتحقيق السلام
ولتغييرات سياسية في بنية النظام السياسي القائم من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية والقيام بتعديلات على الدستور والدعوة لانتخابات تنافسية تضمن انتقالا هادئا وشرعيا للسلطة.
 يسجل فشل المقاربة العسكرية في محاربة الإرهاب في الساحل، كيف تفسّرون هذا؟
 لا أحد يخفى عليه التواجد العسكري الغربي في القارة  الإفريقية و تنافس القوى الكبرى ودورها في فرض سياساتها من خلال تنصيب أنظمة تعمل تحت وصايتها وتضمن لها مصالحها، وبالتالي فمحاربة الإرهاب وملاحقة عناصر الجريمة المنظمة ما هي إلا ذرائع  تقدّمها القوى الغربية لإطالة أمد الأزمة وترسيم تواجدها من خلال الدفع بجنودها وضخّ الأموال للجماعات الإرهابية «دفع الفدية»، خاصة في ظل المشهد الجديد واقتراب توصل الفرقاء في مالي إلى تسويات تمنح لأبناء مالي ممارسة سيادتهم على أرضهم  وهو ما بات يقلقهم، وهو أيضا ما يستشف من خلال تكرّر الهجمات الإرهابية وتوقيتها الحالي مع تداول أنباء عن تراجع فرنسي خذله الفشل ميدانيا وافتقاده الدعم المادي من شركائه الغربيين وتفكّك حلقات تحالفه العسكري «برخان «بعد إعلان تشاد انسحابها. 
 للجزائر جهود في تكريس الحلّ بمالي من منطلق قناعتها أن الحوار والمصالحة مفتاح الأزمة، ما تعليقكم؟
 الجزائر منشغلة كثيرا بما يحدث في مالي باعتبارها من أكبر الدول في العالم التي تضرّرت من الظاهرة الإرهابية وتدرك جيدا مخاطر الوضع في مالي، فهي تشترك في حدود طويلة معها وتقطن بهما قبائل تتقاسم التاريخ والجغرافيا والدين والعرق مشكلة قيما مشتركة بات تعايشها من استقرار المنطقة وسلامة أمنها، وهو الأمر الذي تعمل الجزائر على الحفاظ عليه من خلال مقاربة مقبولة تركز على التنمية والأمن من خلال التنسيق بين جيوش المنطقة والتعاون الأمني وتحقيق احتياجات المنطقة تنمويا ومحاصرة الظاهرة الإرهابية التي باتت تهدّد السلم والأمن الدوليين.
 كيف تقيّمون تطبيق اتفاق «السلم والمصالحة» في مالي؟
 جاءت اتفاقية السلام والصلح الموقعة بالجزائر العام 2015، لتشكّل أرضية مقبولة نظريا من كل الأطراف الداخلية والخارجية بعدما توصّل لها الفرقاء بغرض تفعيل التسوية وإحلال السلم الذي افتقده الماليون على مدى العشرين سنة الأخيرة، ولعل من أهم ما جاء فيها، هو احترام الوحدة الوطنية والثقة المتبادلة والاعتراف بالتعددية والقيم الثقافية واللغوية وتعزيزها وإدارة السكان لأعمالهم واحتياجاتهم الخاصة،
وتوزيع الثروة بين جميع مناطق مالي وإلغاء العنف كوسيلة للتعبير، والتشاور لحلّ الخلافات واحترام حقوق الإنسان بما يضمن الحريات الأساسية والدينية ومحاربة الفساد وعدم العقاب ومكافحة الإرهاب وكل أشكال الجريمة المنظمة. لذلك فإن أي تقييم للنص بعد أكثر من ستة سنوات على قيامه يجب أن يكون بعد تجسيده واقعيا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024